الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

كتب رمضان.. "أم الثورة الروسية" "4-30"

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تُستهل رواية "الأم"، التي قيل عنها إنها كانت أحد الأعمال المحرِّضة بشكل واضح على الثورة البلشفية في أكتوبر 1917، والصادرة في عام 1906، للكاتب الروسي مكسيم جوركي، بوصف بداية العمل في أحد المصانع الروسية صباحًا، وكيف يقوم العمال بتلبية النداء مستسلمين لما فُرض عليهم القيام به، واستطاع جوركي تصوير حركات العمال وسكناتهم بحرفيه اعتمد فيها على رؤيته ومشاهداته الشخصية للعمال عندما كان عاملًا في شبابه، وتميز أيضًا في تصوير لحظة انتهاء العمل في المصانع، فالعمال بعد انتهائهم من أعمالهم يُطردون إلى بيوتهم أو للشوارع وقد اكتست وجوههم بالسواد، وفاحت من أجسادهم رائحة الزيوت.
تدور الرواية في بيت أحد عمال مصنع ما، إسمه "ميخائيل فلاسوف"، وهو رجل طاعن في السن، وميكانيكي من عمال المصنع، تتطابق تصرفاته مع أفراد عائلته، كما يتطابق تصرف رب العمل مع العمال تماما، وهو سكير ونزق لا يعرف من الحياة سوى التفنن في خلق الفرص والمناسبات لضرب زوجته "بيلاجيا نيلوفنا" وهي بطلة الرواية، والمسماة بالأم.
في هذا البيت ينمو الإبن "بافل"، أحد أبطال الرواية الأساسيين، على شاكلة أبيه في نزقه ورعونته، إلّا أنه يتغير بعد وفاة الأب، فيتجه فجأة للقراءة، حتى شكت الأم في أن إبنها سلك طريق الرهبنة مبكرا، فلم تكن تعرف أنه يقرأ مجموعة كتب ممنوعة تدعو للثورة على أرباب العمل، وتبشر بالاشتراكية. كانت الفكرة المطروحة في عقل بافل تقرر أننا إذا أردنا معرفة أسباب البؤس في الحياة، وما يعانيه الفقراء من ظلم وتعسف، يجب أن ندرس أولًا ثم نعلم الآخرين، وخصوصًا الطبقة العاملة، كما يجب أن نبحث عن جميع مصادر هذا الشقاء والبؤس لإزالته، والتفكير في كيف يجب أن يعيش الناس اليوم، لا كيف كانوا يعيشون في الماضي.
يشرع بعد ذلك بافل في تشكيل جماعة ثورية تتألف من الفقراء والعمال الفقراء في منزله، ويأخذهم الحديث باتجاه الاتفاق على أهم المباديء التي يجب الالتزام بها، وفي هذا الجو القائم على الحوار الحاد والعنيف أحيانًا بين أطراف الجماعة، تتعرف الأم على شخصيات فقيرة تدعو لنفي البؤس من الحياة، ملتزمة بخط لا يمكن الحياد عنه. هي أمية ولا تعرف بالتحديد عمّا يتحدثون، ولكن عاطفة الأمومة أخبرتها بأن إبنها وهب نفسه لقضية جوهرية تصب في مصلحة الإنسان الروسي، والعامل الروسي، وسبل تدعيم العلاقات الاجتماعية. وبرغم قلقها على نتيجة ما يقوم به إبنها، إلا أنها تفخر وتزهو به وهي تشاهده يترأس الاجتماعات، ويتحدث بأشياء لا تفهمها. والواقع أنها لم تكن أمه وحده، وإنما كانت أمًا لجميع أصدقائه الذين يجتمعون في بيتها، فكانت تمنحهم جميعا الدفء الذي يبحثون عنه في الخارج..
كان بافل وأعضاء الجماعة الثورية يطبعون المنشورات ويوزعونها بين العمال، رغم خطورة هذا الفعل بسبب تربص الجواسيس بهم، إلا أنهم قرروا مواصلة عملهم حتى آخر الطريق، مؤمنين بقضية العمال حتى آخر نفس. وكان يحضِّر أمه ويهيئها لتلك اللحظة التي سيتم اعتقاله فيها، وكان يعتبر تعبيرها عن الخوف عليه حجر عثره في سبيل تحقيق حلمه، قائلًا لها: "عليك ألا تحزني، ولكن يجب أن تفرحي. أي متى يا رب يكون عندنا أمهات يفرحن في حين يرسلن أبناءهن إلى الموت من أجل الإنسانية؟"
وعندما تم سجن إبنها، تابعت هي مسيرة نضاله، وباتت توزِّع المنشورات مع أصدقائه.
في بداية الرواية كانت الأم خائفة ومتوجسة من أصدقاء إبنها، ثم انقلبت إلى التعاطف معهم ومع قضيتهم، وفي النهاية أصبحت واحدة من المناضلات المدافعات عن حقوق الطبقة العمالية.
كيف ستكون حياة الأم؟ وما مصير الجماعة الثورية بزعامة بافل؟ هذا ما يعرف القاريء عند قراءة الرواية، لكن الحقيقة الوحيدة في الرواية، أن الأم كانت ترمز بطريقة أو بأخرى للوطن الروسي بأسره، كما ترمز للمستقبل، والنضال، والفعل، والتمرد، والإرادة الإنسانية..