الثلاثاء 07 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الحق والخير والعدل

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لماذا سمح الله بوجود الشر فى العالم؟ إن جواب المعتقد الأخير (حسبما أشرنا فى المقالة السابقة) هو أن الله تعالى لم يسمح بوجود الشر بل سمح بالحرية، فالشر ليس إلا نتاجًا من نواتج الحرية. لقد كان الله قادرًا على محق الشيطان لحظة عصيانه، لكنه آثر الإبقاء على مبدأ الحرية الذى اسْتنه لخلقه؛ وتركزت خطته تعالى فى مقاومة الإنسان للشيطان ومحاربته وعدم الإذعان لقواه الشريرة. 
ولما كانت أهم صفات الله – فى علاقته بالعالم – هى الحق والخير والعدل (وهذه الصفات – جميعها – تنفى مسئوليته تعالى عن فعل الشر) فقد لجأ المعتقد المسيحى إلى حل هذه المعضلة عن طريق تبنى فكرة أن الله خلق العالم على أكمل وجه ممكن، وكأفضل ما يكون الكمال؛ أى أن حكمته تعالى تجعل من هذا الشر باعثاً على خير أكبر وأكمل فى الكون. ولذلك يُعَد الشر نتيجة لازمة لما هو أفضل، أى أن السماح بالشر – على النحو الذى أقره الله – هو من أجل خيرية العالم. وهذا ما ذهب إليه "ليبنتز" حين قال: "إن الله هو العلة الأولى للأشياء، ويجب أن يكون ذا كمال مطلق فى قدرته وحكمته وفعله للخير. وعندما تجتمع حكمته السامية – فى خلقه للعالم – مع فعله اللامتناهى للخير، فإننا نستنتج من ذلك أنه يختار أفضل العوالم؛ لأنه إذا لم يكن الأفضل من بين جميع العوالم الممكنة، لما اختار الله منها هذا العالم. إذن فالله قد خلق أفضل العوالم الممكنة، أعنى العالم الذى يحقق أكبر قدر ممكن من الكمال".
وإذا كان هذا العالم هو أفضل العوالم الممكنة، فكيف نفسر وجود الشر وهو سائد فيه؟ يجيب "ليبنتز" عن هذا السؤال الذى طالما ساقه الملحدون فى وجه اللاهوتيين بقوله: "إن تصور عالم بلا آلام أو شرور هو ضرب من الخيال أو اليوتوبيا. ذلك لأنه لو محا الشر من الوجود أصلاً، فلن يصبح هذا العالم على الصورة التى هو عليها الآن؛ ولم يكن بذلك أفضل العوالم الممكنة، فقد يتبع الشر أحياناً الخير، وربما يؤدى اجتماع شرين إلى الخير. إذن من المبالغة أن نقول إن الشر يفوق الخير فى العالم".