الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

الأخبار

مرصد الأزهر يجيب عن سر اختيار داعشي لفرنسا

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ركزت وحدة الرصد الفرنسية، بمرصد الأزهر لمواجهة التطرف، أحدث تقاريرها، حول الإجابة علي بعض التساؤولات الخاصة بعلاقة تنظيم داعش وبعض البلدان الغربية وفي مقدمتها فرنسا، فمن خلال تقرير عنونته بـ"ما الذي يَجْعَلُ مِنْ فَرَنْسا هَدَفــًا دائِمًا لِــ"داعِش"؟"، أشار المرصد إلي أن الحالةَ الفَرَنْسيَّةَ هي من الحالاتِ التي مُنِيَتْ بِمَصائِب لا تكاد تُنْسى حتّى تتجدد، فمنذُ الهجوم الذي ارتكبه "محمد مراح" وحتّى آخر حادثٍ، مُنِيَتْ فَرَنْسا 79 حادثًا إرهابيًا منذُ عام 2012.
وها نَحْنُ اليومَ معَ مُصابٍ جديدٍ تَذْكُرُ لنا مُلابساتِهِ جريدةُ "letemps.ch". سُرْعانَ ما تَبَنّى تنظيمُ "داعش" الإرهابي هجومًا بسكينٍ وَقَعَ بــ"باريس"عشيةَ يومِ السَّبْتِ الماضي، حيث ميدان "الأوبرا" بالعاصمة "باريس"، ذلك المكان الذي لا يُسْتَبَعَدُ أن تكونَ له رمزيةٌ ما، حيثُ إنَّ الواقعةَ حدثَتْ في "باريس" وبالأخصِّ في ميدان "الأوبرا" منتصف ليلة السبت، ليكونَ بذلِكَ الحادِثُ رقم 79 في مسلسلِ الهجماتِ الإرهابيةِ التي تضرِبُ العاصمةَ الفَرَنْسيَّةَ منذُ وقوع حادث "تولوز" على يد "محمد مراح" وهو الحادث الذي يَعُدُّهُ الخُبَراءُ نقطةَ الانطلاقِ لموجةِ الهجماتِ الإرهابيةِ والَّتي لَمْ تتوقفْ حتّى اليوم.
وفق خطةٍ تكادُ تكون تقليديةً، عَمدَ الجاني - وهو من مواليد "الشيشان" والذي لَقِيَ حَتْفَهُ عَلى يَدِ رجالِ الشُّرْطَةِ - إلى القيامِ بجريمَتِهِ مُنْفَرِدًا. وكان تنظيمُ "داعش" قد أعلن مسئوليَّتَهُ عَن الحادثِ من خلالِ منصتِهِ الإجراميةِ "أعماق" والتي أشادَتْ في بيانِها بِهَذا العملِ الذي قامَ بِهِ أحَدُ جُنودِ "الخلافة" على حَدِّ زَعْمِها. وتأتي تلكَ العملية كَرَدَّةِ فِعْلٍ انتقاميةٍ على الدِّوَلِ المُجابِهَةِ لتلكَ الحركةِ الإرهابيةِ القائمةِ في العراقِ وسوريا والمتمثلةِ في دولِ التَّحالُفِ الدَّوْلي. ووفِقَ المعلوماتِ الواردةِ مِنْ أحَدِ المصادِرِ المُقَرَّبَةِ مِنْ التحقيقاتِ فإنَّ النيابةَ العامةَ كانت قد أدْرَجَتْ الجاني مِنْ قَبْلُ على قائمةِ المتهمينَ بالتَّطَرُّفِ.
قَبْلَ وقوعِ هذا الحادث، كانَ إقليمُ "أود" وبالتحديدِ في "كاركاسون"، قد شَهِدَ حادثًا آخرَ في الثالث والعشرين من شهر مارس الماضي، حيثُ أقدمَ "رضوان لاكديم" على تنفيذِ هجومٍ على أحدِ المتاجِرِ بعدَ فتحِهِ النارَ على رجالِ شرطةٍ، ومن ثَمَّ قامَ باحتجازِ رهائنَ أتبعَهُم بقتلٍ لرجلِ شرطةٍ. ذلك الشرطي الذي عرَّضَ نفسَهُ للخَطَرِ مقابِلَ الإفراجِ عنْ الرَّهائِن ولكنْ سُرْعانَ ما لَقِيَ حتفَهُ، وأرْدَت الشرطةُ الجاني قتيلًا لتنعى فرنسا -وبحضورِ رئيسِها- هذا الضابط وغيره مِمَّن لَقوا مصرَعَهُم جرّاءَ الحوادثِ الإرهابيةِ.
ولَطالَما وضعَ تنظيم "داعش" الجمهوريةَ الفرنسيةَ على قِمَّةِ قائمةِ استهدافاتِهِ، وهو ليسَ التنظيمُ الأول الذي يقومُ بذلك، حيثُ قامَ تنظيمُ "القاعدة" ببلادِ المغربِ بفعلِ نفسِ الشيء منذُ عام 2009.
فلماذا إذن كل تلكَ الهجماتِ الدّامية والتي أوْدَتْ بحياةِ 246 ضحية بما في ذلك آخر الضحايا وهو أحَدُ المارَّة الذين أوقعه حظُّهُ العاثِرُ في منطقةِ "الأوبرا" أثناءَ وقوعِ الهجومِ.
"فَرَنْسا" بؤرةُ تَمَرْكُزِ المُتَعاطِفينَ مَعَ التَّياراتِ المُتَطَرِّفَةِ في أوروبا
وأوضح التقرير، أنه لا يُمْكِنُ بأيِّ حالٍ من الأحوالِ فَصْلُ الأرقامِ عن واقعِ حدوثِ الهجماتِ الإرهابيةِ مُنْذُ عام 2012. فَفَرَنْسا التي يعيشُ بِها ما بينَ 6 إلى 7 ملايين مسلمٍ بها اليوم قُرابَة 18 ألفًا تَمَّ تقييدُهُم بالقائمةِ "S" وهي قائمةُ الأشخاصِ الأشَدّ خطورةً.
وعلى صَعيد التَّطَرُّفِ، فإنَّها تُعْنى بالأفرادِ الذين تربطهُم علاقاتٌ أو اتصالاتٌ بشبكاتٍ متطرفةٍ، أو يتعاطونَ مع مواد أو دعايةٍ متطرفةٍ عَبْرَ شبكةِ الإنترنت. 4000 من بينِ هؤلاء تقومُ قواتُ حفظِ النظامِ بمراقبتِهِم عن كَثَبٍ، حيثُ إنَّ الإمكاناتِ اللازمةِ لمراقبةِ هذا الكَمّ الهائل غيرُ متاحةٍ بطبيعةِ الحالِ. فلكي يَتِمَّ تحقيقُ أفضلِ مراقبةٍ لأحَدِ المشتبَهِ بِهِم، لابُدَّ من تعيينِ أربعةِ أفرادٍ لكلِّ يومٍ، وذلكَ لتحقيقِ الرِّقابةِ الكاملةِ على صعيدِ الرِّقابةِ الماديةِ والهاتفيةِ والإلكترونيةِ والسمعيةِ.
فمما تبديه التحقيقاتُ هو أنَّ "رضوان لاكديم" كان قد تلقّى عَبْرَ البريدِ الفرنسي طلبَ استدعاءٍ من الشرطةِ الفرنسيةِ، مما يعني أنَّ هناك نظامًا للمراقبةِ قائمًا، ولكنَّ الإمكانات لا تفي بالحاجةِ المُلِحَّةِ من أجلِ التَّحَكُّمِ بالأمرِ في الوقتِ المناسب.
انتهزَ الكثيرُ من السياسيين الفرنسيين حادثَ احتجازِ الرهائن بمنطقةِ "أود" كي يطالبونَ بحبسِ المُقَيَّدينَ على القائمة ""s وهم الذين يَتِمُّ وصفُهُم بالخطورةِ الشديدةِ. وكانت تلك المطالبات ليست حِكْرًا على اليمينِ المُتَطَرِّفِ في فرنسا، بل تَخَطّى الأمرُ هذا الحَيّز كي يطالبَ الجمهوريون بنفسِ المطالبِ، على غِرارِ "لوران واكييه" زعيم الجمهوريين شخصيًا.
وقد طالبَ الرئيسُ السابق "نيكولا ساركوزي" بالحكمِ بالإقامةِ الجبريةِ على المُدْرَجين بالقائمةِ ""s مع تقيديهِم بإسورةِ تتبعٍ إلكترونية. إلا أنَّ قدرةَ "داعش" على تجنيدِ المزيدِ والمزيدِ من هذا الرقم الذي وصلَ إلى 18 ألفًا قد تكون كبيرةً، خاصةً وأنَّ الكثيرَ منهم بمرحلةِ الشبابِ وله سوابق بأعمالٍ غير مشروعة، فإمكانية كسرِ القيودِ وإردة ورقابة الشرطة لهم ربما لا تكون مجديةً. 
فَرَنْسا أكثرُ البِلادِ الغَرْبيَّةِ تَصْديرًا واستيرادًا للإرْهابيين
أرجِعُ المرصد تاريخُ هذا الوباء القائم على الأراضي الفرنسية إلى الفترةِ التي تَبِعَت الصِّراع بالأراضي السورية والعراقية وظهورِ "داعش". قبل ذلك، وبالتحديد عام 1990، شَهِدَتْ فرنسا ولوجًا استثنائيًا للحُمّى الإرهابية والمرتبطة بالحربِ الأهليةِ التي كانت دائرة في الجزائر بينَ النظامِ العسكري والجماعاتِ المُتَطَرِّفَةِ.
وكان نتاجُ تلك الأحداث هو الحادثُ الإرهابي الذي ضربَ مترو "سان ميشيل" عام 1995 وأسفرَ عن مقتلِ أحدِ الضالعين في الحادثِ بالقُرْبِ من "ليون" وهو المدعو "خالد كلكال"، وقد تَمَّ إلقاءُ القبضِ على عددٍ من الأمراءِ بالتنظيمِ في هذا الوقت، ولا يزال البعضُ منهم سجينًا حتى اليوم.
"جمال بيجال"، جزائري قد أُسْقِطَتْ الجنسيةُ الفرنسيةُ عنه وهو لا يزال محبوسًا حتّى الآن. يُعَدُّ أبًا روحيًا للأخَوَيْنِ "كواشي" مرتكبي حادث "شارلي إبدو" في السابع من يناير عام 2015. وكذلك "كوليبالي" مرتكب حادث "إيبير كاشيه".
وقد أوضحت عدةُ دِراسات الدَّوْرَ الذي تلعبه البوتقةُ العقابيةُ في تكثيفِ وطأةِ الإرهابيين الفرنسيين، من خلالِ المؤسساتِ العقابية يتمكنُ الشبابُ المحبوسُ على ذمةِ قضايا جنائية من التواصلِ مع مُجَندِّين إرهابيين، فبسبب 500 فرد محبوس على ذمةِ قضايا تَطَرُّفٍ قد سقط قرابةُ 1200 جنائي في شَرَكِ التَّطَرُّفِ.
هذا وقد أودى الزلزالُ العراقي السوري بهذه الظاهرة المتطرفة لتضْحى أكثرَ انفجارية، حيثُ ذهبَ قرابةُ 2000 شخص من النساءِ والرجالِ للقتالِ في كلٍّ من سوريا والعراق تحتَ إمْرَةِ "داعش"، هناك ما يَقْرُبُ من 640 منهم لا يزالونَ بمناطقِ الصِّراعِ هناك، وما بين 280 إلى 300 قد لَقوا حتفَهُم، وهناك 244 ما بينَ نساءٍ وأطفالٍ (قرابة الخمسين طفلًا) قد تَمَّ توقيفُهُم لدى عودتِهِم إلى فرنسا، كما أنَّ هناكَ عددًا قد ضلَّ طريقَ العودَةِ، بالإضافة إلى عددٍ آخر تَمَّتْ محاكمتُهُم بالعراق وسريا، على غِرارِ "جميلة بوتوتاو"، والتي حُكِمَ عليها بالسجنِ والنفاذ.
فَرَنْسا تواجِهُ ضُغوطَ العَوْدَةِ والمُحاكَماتِ ومُتابَعَةِ المَعارِكِ في سوريا 
"فرنسا في حالةِ حربٍ".. لعدة مراتٍ استخدم القادة الفرنسيون ذلك الشعار للتعبيرِ عما تواجهه فرنسا منذُ عام 2015، وذلك لتبريرِ الحالة الأمنية غير المسبوقة بسببِ عودةِ العملياتِ الإرهابيةِ، والتي كان من أكثرها دمويةً تلك التي وقعت في 13 نوفمبر 2015، وكذلك مذبحة "نيس" في 14 يوليو 2016. ولكنْ تَكْمُنُ الإشكاليةُ في أنَّ نهايةَ تلك الحربِ التي تشهدها كافةُ البقاعِ الفرنسية ربما تطول عن تلك الحربِ التي تدورُ رَحاها في سوريا والعراق، حيث فقدت "داعش" هناك سيطرَتَها على كافةِ البقاعِ التي كانت تُحْكِمُ سيطَرَتَها عليها إثْرَ الضرباتِ التي يوجهها إليها التحالُفُ الدّولي والقواتُ الحكوميةُ السوريةُ المدعومةُ من إيران وروسيا.
وتابع، إنَّ الصعوبةَ التي تواجهها فرنسا هي أنَّها ربما تُشَكِّل عدوًا لكِلا المعسكرَيْنِ المتحاربين. فالقواتُ الجوية الفرنسية تشاركُ في المعارِكِ منذُ شهر سبتمبر 2014، وذلك تحتَ مظلةِ التَّحالُفِ الدَّولي لِضَرْبِ "داعش"، في إطارِ عمليةِ الشمال، ولكن وخلال الأسابيعِ القليلةِ الماضية قامت تلك القوات بتوجيهِ ضربةٍ جوية بالتعاونِ مع الولاياتِ المتحدةِ الأمريكية والمملكةِ المتحدةِ ضِدَّ منشآتٍ قيلَ أنها كيميائية تستخدمها القواتُ السورية بغرضِ التسليح.
جديرٌ بالذِّكْرِ أنَّ كلَّ ما يدورُ من معارِكَ قد فتح المعارك الباب على مصراعيه أمامَ مقاتلين لــ"داعش" نجحوا في التَّسَلُّلِ وسطَ النازحين إلى أوروبا.
كما يضافُ إلى الضغوطِ العسكريةِ تلك المشكلات التي سببتها محاكماتُ الخلايا المتطرفة. فالكثيرُ من أعضاءِ هذه الخلايا تَمَّ الحُكْمُ عليه مؤخرًا، ومنها خلية "استراسبورج" وخلية "لونيل" وخلية "كان تورسي"... وفي كل الحالات هناك عائلات وأصدقاء بالإضافة إلى نُشَطاء يتحركونَ لِنُصْرَةِ هؤلاء، فيضحى الجاني بطلًا وسطَ الأحياءِ التي كانوا ينتمون إليها.
كما لا ننسى دور الآلة الإعلامية المُغَذِّية لنظريةِ المؤامرة، فقد أثيرت إعلاميًا قضيةُ "جواد بن داوود" صاحب العقار الذي آوي قتلة الثالث عشر من نوفمبر، وقضية "صلاح عبد السلام" في بروكسل، وهو الحي الوحيد من خلية الثالث عشر من نوفمبر، وقد حُكِمَ عليه بالحبس عشرين عامًا لتبادل إطلاق النار مع القوات النظامية ببلجيكا. فبكلِّ تأكيدٍ سيستمرُ الجُرْحُ النازفُ الناتجُ عن الإرهابِ في تحقيقِ معاناة البلادِ، ولن يكون علاجُهُ سريعًا أو سهلًا.
وشدد مرصد الأزهر أنَّ الحَلَّ لوقفِ هذا السِلْسال الدَّموي المتلاحق هو التضافُر الحقيقي والصادق لكلِّ دولِ العالمِ والمؤسساتِ الدَّولية والدّي
نية والعلمية المعنية بالأمر، فمن ظَنَّ أنَّ الحَلَّ بيدِ حكومةٍ أو جَيْشٍ أو مُنَظَّمَةٍ فهو واهمٌ يأملُ في وجودِ الماءِ في سرابِ الصحراءِ.