الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

صفحات من تاريخ التمدن في الإسلام

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
نظرا لافتقار العديد من قراء العربية على اختلاف توجهاتهم ومذاهبهم الدينية والسياسية إلى نشر الصفحات المضيئة في التاريخ العربي والإسلامي في مواجهته ما تقوم به بعض التيارات من تزييف هذا التاريخ وجعله فقط تاريخ للعنف والعنف المضاد مبتعدين عن اسهامات العرب والمسلمين في تطور الحضارة الانسانية فترة العصور الوسطى، وكيف كان التاريخ الإسلامي حلقة الوصل بين التاريخ القديم والتاريخ الحديث.
لذلك سوف نقوم خلال هذا الشهر بتسليط الضوء على هذا التاريخ، حيث ان تاريخ الأمة الحقيقي هو تاريخ تمدنها وحضارتها لا تاريخ حروبها وفتوحها، خصوصا على ما تعوده مؤرخو العرب في تاريخ الإسلام، من سرد الوقائع على علاتها، وقلما يشيرون إلى الأسباب التي تربط تلك الوقائع بعضها ببعض حيث يرتاح العقل إلى تعليلها والنظر فيها وترسخ في ذهنه حقيقة تلك الأمة.
وسوف نتناول في هذه الحلقة نبذة عن نمو الدولة الاسلامية كتمهيد للحديث عن مناصب الدولة وكيف كان يتم اختيار الخلفاء والوزراء وكبار الموظفين وغيرها من أشكال بناء الدولة.
ولقد نشأت الدولة الاسلامية في المدينة في السنة الأولى من الهجرة، والمسلمون من الصحابة وقتها لا يزيد عددهم على بضع العشرات، ما بين مهاجرين وأنصار، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم اساس الدولة المساواة والمؤاخاة والتعاون، وكانت أعمال الدولة حينها محصورة في النبي صلى الله عليه وسلم وتشمل السياسة والإدارة والدين، ففرضت الصلاة والزكاة وغيرهما من الفروض التي تعد من قبيل الدين، أما صلاة الجماعة فكانت تبعث على الاتحاد والنظام والطاعة للنظام العام من الناحية الاجتماعية، وكانت الزكاة بمثابة مظهرا من مظاهر التكافل الاجتماعي بين طبقات الأمة، ولم تعتمد عليها الدولة الاسلامية كمصدر رئيسي من مصادر الدخل، فقد تركت الدول أمرها للناس ولم تجمعها للخزانة، إلا في حالات قليلة.
والزكاة توطد الاتحاد بين أفراد المجتمع، والاتحاد أساس الإسلام، وذلك لأنها تؤخذ من الأغنياء مما يزيد من أموالهم، وتعطى للفقراء منهم، وتسمى الزكاة في كثير من الأحيان "صدقة"، وقد بدأ المصطلحان بمعنى واحد، ثم اختلف استعمالهما بعض الشيء فيما بعد، وفي فرض الزكاة حكمة عالية لأنها تسترضي الفقراء وهم الجمهور الأكبر وخصوصا في عصور الجاهلية أيام الاستبداد والاستئثار، وقد جاء الاسلام لنصرة الضعيف والمساواة بينه وبين القوي.
ولما فتحت البلاد زمن عمر بن الخطاب، واختلط العرب بالروم والفرس، واتسع سلطان المسلمين وكثرت وارداتهم وتعددت مصادر الدخل، واضطروا إلى ضبط ذلك وتقييده وتعيين ما يدخل وما يخرج منه، فرأى عمر أن يضبط الوارد في الدفاتر، فيدفع منه رواتب معينة في العام لكل على قدر استحقاقه، والذي يبقى من أموال يحفظ للإنتفاع به وقت الحاجة، فشرع في ذلك في السنة العشرين من الهجرة وهو ما يعبر عنه بالديوان، اقتداء بما كان عند الفرس والروم.
ولان من كان حول عمر بن الخطاب من المسلمين هم طبقات ودرجات باعتبار ادوارهم في تأسيس الدولة واتساع سلطانها، فجعل عطاء كل واحد منهم على قدر خدمته ولكنه ميز اقرباء رسول الله صلى الله عليه وسلم في العطاء، واستناب في تدوين ذلك كاتبا يتولى ضبطه، ولما تكاثرت موارد المال إلى المدينة أنشأ عمر خزانة سماها "بيت المال"، وكانت المناصب الادارية المعروفة في هذه الدولة الأولى دولة الخلفاء الراشدين (الخليفة، عماله في الأمصار، كاتب يكتب له الكتب ويتولى أمر الديوان، خادم خاص كانوا يسمونه الحاجب، خازن يتولى بيت المال، قاض يقضي في الخصومات)، وبعدما وصلت الخلافة لبني امية أصبح الأمر ملكا سياسيا وكثرت مخالطة المسلمين للأعاجم، جعلت تلك الادارات تتفرع وتتوسع، عملا بناموس الارتقاء العام، وأضافوا اليها مناصب اقتبسوها من الروم والفرس، وقضى عليهم الترف وأبهة الملك أن يتخذوا الخدم والحشم والحجاب والحراس، فحدث في عهد بني أمية الحرس وديوان الخاتم والبريد وديوان الخراج، ولما آل الأمر لبني العباس زادت عوامل الاختلاط وزاد ميل الخلفاء الى الترف والرخاء، فاستنابوا من يقوم مقامهم في مباشرة الأعمال، فاستحدثوا منصبي الوزارة والحسبة وغيرهما، وتفرعت المناصب الأولى وتشعبت على مقتضيات الأحوال، ثم أحدثت كل دولة من دول الإسلام مناصب اقتضتها أحوالها، فاختلفت في بغداد عما في قرطبة، وفيهما عما في القاهرة، وهذا ما يؤكد لنا عدم وجود نظام سياسي أو إداري واحد نزل به الإسلام أو شرعه رسول الله صلى الله عليه وسلم، مما تدعو له تلك الجماعات والحركات الاسلاموية، وهذا ما سوف يتضح لنا من خلال قراءتنا لتاريخ التمدن في الإسلام كما أشرنا في هذه المقدمة.