* أعد الملف: محمد حافظ - حاتم السروي - رشا رمزي
** عامان على الرحيل
عامان مرّا على رحيل أحد أكبر القامات في فن الرواية والقصة القصيرة، إنه إبراهيم أصلان، ابن العائلة الفقيرة الذي تحدّى ظروفه وعمل على بناء نفسه من خلال المثابرة في التحصيل والقراءة والتثقيف الذاتي، هذا الكاتب الواعي الذي لم يشأ أن يضع قلمًا على ورقةٍ قبل أن يقرأ أمهات الكتب، وبالفعل قرأ واستوعب العديد من الأعمال في الأدب المصري والعربي والمترجم، وتأثر بالفن التشكيلي وكان بين الحين والآخر يعاود قراءة كتاب "نظرية التصوير" الذي ألفه "ليوناردو دافنشي"، وربما لكل هذا خرجت أعماله وكأنها تحفٌ فنية.
نحتفل اليوم بالكاتب إبراهيم أصلان بعد عامين حفلا بالأحداث الجسام التي غيرت مسار التاريخ المصري، ورسمت آفاقًا جديدة في عالم السياسة، كل ذلك وكاتبنا الكبير مستريح في خلوته الأبدية، وحق له أن يستريح وحق لنا أن نبحث عن خليفة له، يروي ظمأنا بقلمه ويعلّق على الأحداث الكبرى التي يموج بها الوطن تعليق الواعي الحكيم، تركنا "أصلان" لنعاني غياب القامات ونتساءل: إذا كانت مصر ولاّدة فكيف دبّ فيها العقم؟!، وكيف بتنا في حاجة إلى أسماء جديدة تكمل مسيرة مبدعينا العظام وتسد الفراغ الذي تركوه وتقطع الطريق على أنصاف وأرباع وأشباه الموهوبين الذين ملؤوا الدنيا جعجعةً بلا طحن؟!.
رحل "أصلان" ذو الإنتاج القليل والظهور الإعلامي الأقل، والذي كان يرى أن الاحتفالات والمهرجانات والتكريمات حقن تنفخ الأديب فيتحول في نهاية الأمر إلى بدلة في سهرة.
رحل "أصلان" الذي كان يكتب في صبر وأناة ولا يعنيه أن يخرج العمل سريعًا إلى قرّاءه المتلهفين، فكأنه يعمل بالحكمة العميقة التي تقول: "إن الناس لا يهمهم في كم من الوقت أنجزت عملك، ولكن يعنيهم أن يستفيدوا من هذا العمل"، ولعل هواية أصلان القديمة - وهي الصيد - كان لها دخل كبير في تحلّيه بالصبر، ولم يكن أصلان يؤرّقه أن يكون غزير الإنتاج، فهمّه الأول أن يكون جيد الإنتاج وأن يصل بالمتلقي إلى ما أراده وتوخّاه، ليترك بصمته الخاصة داخل وجدانات قارئيه، ورغم الشهرة التي حازها والمناصب التي أسندت إليه لم ينس أصلان حياته الحافلة في "الكيت كات" بحيّ إمبابة، التي خبر تفاصيلها وتشرّبها فنضحت على رواياته وأعماله وأصدقائه الذين أثّر فيهم وتأثر بهم، إضافة إلى عمله في مطلع حياته موزِّعًا للتلغراف، تلك المهنة التي ظل يعشقها ويقدرها ويجعل منها محورًا لبعض أعماله، بل إنه خصص لها روايته المعروفة "وردية ليل".
وبحسب الأديب شعبان يوسف، فإن أصلان تحول من عمله في البريد ليلتحق بهيئة المواصلات السلكية واللاسلكية بشارع رمسيس، وفي مقرها الرئيسي عمل في الدور الرابع بعمارة يطلق عليها العاملون في الهيئة "عمارة الأوتو"، وتعرّف هناك إلى النقابي الشهير وعضو مجلس الشعب فيما بعد "أحمد طه"، وكذلك الناقد الذي اختفى تدريجيًا محيي الدين محمد، وللأخير فضل كبير في تعريف إبراهيم أصلان على مجالات واسعة في عالم الثقافة - كما ذكر لنا أصلان نفسه في كتابه "خلوة الغلبان" - ولا يعنينا في هذه المقدمة الموجزة أن نتتبع تفاصيل السيرة الذاتية للراحل الكبير، فذلك ما سوف تقرؤونه في ثنايا هذا الملف الذي أردنا أن نضع لكم فيه صورة حية لأصلان، صورة تنبض بالحركة والحياة، فتخالون أنكم ترون الكاتب الراحل عن كثب وأنه أمامكم يقرأ ويكتب ويتكلم ويخوض المعارك.
** شهادات المبدعين
والنقاد حول "أصلان" - الأديب والإنسان
* "أصلان.. السعيد في الحياة والأدب"
تحت هذا العنوان آثر الكاتب والشاعر صبحي
موسى أن تأتي شهادته عن الراحل الكبير - والتي خص بها "البوابة نيوز"
بمناسبة مرور عام على رحيله - فيقول: "قد تتفق أو تختلف مع الراحل إبراهيم
أصلان في الكثير من الأمور، لكنك لا تملك سوى أن تحبّه، وأن تنحاز إلى ضعفه
الجميل، واقتصاده الأبدي في كل شيء، بدءًا من الكلام ووصولًا إلى الكتابة وإبداء
الرأي، الكثيرون يتصورن أنه ملك الحذف، لكنني أتصور أنه ملك الفراغات المفتوحة
للآخرين، الجمل نفسها مفتوحة على الخيال، المجاز لديه في الصورة والقدرة على فتح
مخيّلة القارئ على ما لم يرد في ذهنه، أصلان ملك القصة القصيرة بعد يوسف إدريس، لم
يكن من مدرسة "إدريس"، لكنه جاء من عباءة تشيكوف وهمنجواي، وفتن بأعمال
كتاب أمريكا اللاتينية، وتخيل إلى حدٍّ كبير قدرته على إنتاج واقعية سحرية، لكن
هذا لم يتحقق إلا في أعماله الأخيرة، أعماله التي دمجت ما بين الصحافة والقصة، كان
يعتبرها مقالات ونشر أغلبها في جريدتي الحياة والأهرام، لكنها كانت التطور الأفضل
والأجمل في أعماله، ففكّت إلى درجة كبيرة عقدة الابتسار في قصصه، وجعلت روح
التواصل لديه أعلى وأكبر مع القارئ، الأمر الذي ظل أصلان يؤمن به هو فكرة البناء،
في يوم قدمت له مقالًا انتقدت فيه روائيًا لم يستطع أن يُحكِم بناء روايته، كان
ذلك اليوم هو أكثر الأيام التي فتح فيها قلبه لي وتحدث، تحدث عن البناء، عن ضرورة
وجود إطار كلي للعمل، عن أهمية حضور هذا الإطار، وأهمية أن تكون لدى الكاتب قدرة
تشييد بناء محكم لعمله، كان أصلان مؤمنًا بالتخطيط المسبق، مؤمنًا بالحذف والتنضيد
والتجويد، كان قاسيًا مع عمله - وأحيانًا مع نفسه - فلم يكن يرتضي بشيء إلا الوصول
إلى أعلى درجة تطابق مع المثال الذي في مخيلته، من تكثيف وإيجاز وصورة بديلة عن
البلاغة والمجاز، وكان الحوار لديه أشبه بطلقات نارية كما في أدب الكتاب الروس أو
الذين من أمريكا اللاتينية، الحوار المتمّم للحالة الشعرية في القص وإيقاعها
البسيط المنتظم بتواتر مدهش، كل هذا جعل أصلان يهتم بنصه أكثر مما يهتم بقارئه،
وجعل كتابته في كثير من الأحيان موجهة لكاتب يتمتع بذائقة قادرة على قراءة اللوحات
التشكيلية، وليس بانتظار الحكمة أو المثل، قارئ يمكنه أن يشارك كاتبه في عمله وليس
مستلبا في انتظار أن يقول له الكاتب كل شيء.
في حوارات أصلان يمكنك أن تجد روح نجيب
محفوظ واقتصاده واهتمامه بكل مفردة وما تدلي به من رسائل، كأن يقول كل شيء في جملة
أو كلمة، وفي الحياة لم يكن أصلان يقدم تنظيرات كبرى، ولم يكن مؤمنًا بشهوة
الكلام، كان ينصت ثم ينصت ثم يعلق: لا يا شيخ؟!، بجد؟!، هكذا كان مندهشًا دائمًا،
ولا يعشق تحية الصباح التي نعرفها جميعًا، لكنه يستعملها على نحو: إيه الأخبار؟،
تضحك وتسأله: أخبار ماذا؟، وتجده بنفس الجدية يقول: الدنيا، رغم أنه هو الذي لديه
أخبار الدنيا، فلا كبيرة ولا صغيرة إلا ويعرفها.
قد يكون أصلان من أكثر أبناء جيله قلة
في الإنتاج، لكنه كان الأكثر تحققًا بينهم، الأكثر مكانة والأكثر حظًا، حين حدثت
أزمة وليمة لأعشاب البحر قامت الدنيا ولم تقعد تضامنًا معه، ولم يستطع التيار
الديني أن يفعل شيئًا لأن الوزارة في ذلك الوقت كانت مع أصلان برجالها ومريديها
فضلًا عن محبيه، لكن بعدها بشهور حدثت أزمة الروايات الثلاث في هيئة قصور الثقافة،
وبدلًا من أن يُحمل محمد البساطي – رئيس تحرير السلسلة التي نشرت الروايات الثلاث
- على الأكتاف كـ "أصلان"، أطيح به وبرئيس الهيئة ومدير عام النشر، ولم
يتضامن معه كاتب واحد، هكذا كان أصلان، أول أبناء جيله في التقديرية، وأولهم في
الترجمة بعد مستجاب، وأولهم في الفوز بـ "العويس"، وفي الوقت الذي كان
أغلبهم يعملون في الصحافة بينما يعمل هو في مكتب بريد، شاء حظه السعيد أن يكون مسؤولًا
عن الثقافة في مكتب جريدة الحياة في القاهرة، وبدلًا من أن يسعى لديهم لينشر قصصه
في جرائدهم كانوا هم الذين يسعون إليه لنشر قصصهم وما يكتب عنهم في الحياة، أصلان
السعيد في الحياة والأدب، كان الأكثر حظًا في الكتابة رغم قلة إنتاجه، كان الأجمل
والأهدأ والأبسط، رغم معماره الهشّ ونفسه القصير وحذفه الدائم وحواراته التي تجيء
على حدّ السكين".
"أسلوبه مكثف كالتلغراف.. بسيط كالشعب الذي يخاطبه"
ويقول الناقد الدكتور مدحت الجيار: "إبراهيم
أصلان أحد كتاب ما أسميناه "جيل الستينيات" الذي أسس اتجاهًا عربيًا في
السرد ومصريًا في معالجة القضايا الوطنية، وإبراهيم أصلان أيضًا رجل عصامي قرأ
وتثقف بنفسه - بالتوازي مع التعليم المتوسط الذي حصل عليه - ورغم أنه ينبع من
القرية المصرية إلا أنه عاش وتوفي في المدينة، وعاش معظم حياته في حي شعبي هو "إمبابة"،
في هذا الحي ومنه كتب أول مجموعة قصصية بعنوان "بحيرة المساء"، ومنه
أيضًا كتب روايته الشهيرة "مالك الحزين"، وينتقل إبراهيم أصلان إلى وسط
المدينة ليعمل في مكاتب البريد والتلغراف المصرية والتي كتب من خلالها روايته
الشهيرة "وردية ليل"، وحين تفرّعت أعماله القصصية الأخرى مثل "يوسف
والرداء"، والمقالات المنتظمة في جريدة الحياة، دخل إبراهيم أصلان مرحلة أعلى
وأكبر في الانتشار.
أكسبه ذلك القدرة على أن يقول ما يريد
في أضيق حيّز من الجمل والصفحات، ما جعل أسلوبه في الكتابة مكثفًا مثل التلغراف
وبسيطًا كالشعب الذي يخاطبه.
وحين دخل إبراهيم أصلان عالم السينما
تحولت كتاباته إلى مشاهد وسيناريوهات يمكن أن تدخل إلى السينما ببساطة، وهذا يعني
أن كتابته لا تنفصل عن حياته.
أما حياته التي عاشها وسط أصدقائه
وأحبابه فلم تكن مجرد جلسات لتضييع الوقت، وإنما للحوار حول الكتابة وصناعة العمل
الأدبي، ومن هنا تعددت صداقات إبراهيم أصلان، وفي الجلسة الواحدة قد نجد خيري شلبي
ومحمد البساطي ويوسف أبو ريّه والمخرجان مجدي أحمد علي وداود عبد السيد، وغيرهم من
الكتاب والشعراء والفنانين، وهذا يعني أن الرجل عاش مهنته وسط الحياة، هذه الحياة
التي تسللت إلى كتاباته فعرفت به، حتى إننا يمكن أن نقرأ كتابًا دون غلاف فنقول
هذا الكلام لإبراهيم أصلان".
يتجه أصلان دوما إلى أنسنة الأشياء والأمكنة، فيجعل من شارع "فضل الله عثمان" مثلا، كيانا إنسانيا حاويا لبشر متنوعين، ففي عمله الإبداعي "حكايات من فضل الله عثمان" يتعامل إبراهيم أصلان مع الحكاية الحياتية بوصفها مادة خاما يعيد تشكيلها وتطويعها، مضيفا إليها من نفسه الخاص، بدءا من اختياره الدال لها وانحيازه إلى دقائقها الصغيرة وعنايته بدلالاتها الكلية، وصولا إلى تصويرها بوصفها مادة متعينة يمكن تلمسها وتنسم رائحتها، ولعل هذا – وباختصار - هو مناط الجدارة في أعمال إبراهيم أصلان الإبداعية جميعها، حيث يجعل المتلقي أمام حالة مدهشة من الاكتشاف المادي، والكشف الروحي في آن.
هناك أيضا نزوع إلى السخرية في نصوص أصلان، تتجاوز المعنى الظاهري إلى دلالة أكثر عمقا، ربما تصبح وجها آخر من وجوه المغالبة لقسوة الحياة، في محاولة لاستنطاقها من جديد وجعلها أكثر بهجة.
* "صوت من أعذب الأصوات"
ويقول الناقد الدكتور حسين حمودة: "إبراهيم
أصلان صاحب صوت من أعذب أصوات القصاصين المصريين، وهناك عناصر كثيرة غذت هذه
العذوبة، من هذه العناصر إبراهيم أصلان نفسه، ونظرته الحانية إلى البشر الضعفاء
البسطاء الذين مثّلوا لبّ تجربته في الكتابة، ومن هذه العناصر أيضاً عمل أصلان على
أصلان، بمعنى حرصه على أن يثقّف نفسه بنفسه، وعلى أن يلتمس الإبداع الرهيف في مجالاته
المتعددة، ومنها السينما - وقد أعجب كما أشار لي إعجابًا خاصًا بتجربة "أنتونيوني"
المخرج الإيطالي - بالإضافة إلى الفن التشكيلي والموسيقى، كما أن من هذه العناصر إحساس
أصلان المرهف وربما الحاد بالمسؤولية عمّا يكتب، حيث كان صاحب وسواس شهير يظل
يتصارع معه لمدة طويلة قبل أن يقدم على نشر أي نص من نصوصه".
وأضاف حمودة: "نجح إبراهيم أصلان
في أن يكون كاتبًا محليًا جدًا، مغرقًا في التفاصيل والهموم الصغيرة التي تخصّ
أماكن وشخصيات محددة، وأن يجسد في الوقت نفسه تجارب إنسانية تخصّ البشر جميعًا".
وأشار حمودة إلى أن كتابة أصلان انطوت
على قيم كبرى عديدة، على رأسها قيمة الاختزال الذي كان مكونًا أساسيًا من مكونات
تصور أصلان حول الأدب، فلم يكن فقط مجرد مستثمر لفكرة جبل الجليد المغمور التي
تجعل الكتابة تخفي الكثير مما لا يظهر على السطح، ولكنه أيضًا كان صاحب تجربة خاصة
في فهم الاختزال: كيف يمكن للنصوص المتقشفة العارية أن تتنامى وأن تمتد بعد
عبارتها الأخيرة، وأن تظل أصداؤها تتردد داخل من قرأها، واختزال أصلان لم يقتصر
على استبعاد التفاصيل الزائدة فحسب، وإنما راهن على استدعاء تفاصيل أكثر تترامى
خارج الكتابة نفسها، إبراهيم أصلان - في النهاية - هو إبراهيم أصلان، لا يمكن
للكلمات أن تحيط به ولا بكتابته.
* بين "بحيرة
المساء" و"غرفتان وصالة".. رحلة حافلة بالإبداع
بين العمل الأول الأخير لـ "أصلان"
رحلة أدبية حافلة بالقليل من الأعمال والكثير من المضامين، كان العمل الأول مجموعة
قصصية، أما الأخير فنحار في تصنيفه ويغلب على الظن أن أصلان جمع فيه بين الرواية
والقصة وسيرته الذاتية، كأنما كان يعرف أنه سيودّعنا فوضع بين أيدينا عصارة إنتاجه
الأدبي وأصدر عملًا فيه القصة التي عشقها والرواية التي تجلّى فيها وتميّز، والسيرة
الذاتية التي يقبل عليها الإنسان بعد إحساسه أنه تقريبًا أكمل مشواره ولم يعد لديه
الكثير ليعيشه أو الكثير ليقدمه.
تكلم أصلان في عمله الأول "بحيرة
المساء" عن الواقع المؤلم، وعاد بشكل دائري في عمله ليتكلم عن نفس الواقع
الذي يبدو أنه لم - وربما لن - يتغيّر، لكن الذي قد يبدو طريفًا أنه تكلم في العمل
الأول عن واقع مؤلم لرجال ونساء هم في مقتبل أعمارهم أو في وسطها، وفي عمله الأخير
تكلم عن الواقع الأليم لرجل جاوز عتبات الشيخوخة، وكعادته التي لم يتخلّ عنها جاءت
أعماله لتبدو بسيطة لأول وهلة، ولكن بين السطور تتبدى الأزمات الوجودية والرؤى
العميقة ليحقق بذلك قول القائل: "وتحسب أنك جرمٌ صغير.. وفيك انطوى العالم الأكبرُ".
هكذا هي رواياته وهذا هو طبعه الأصيل
الذي لم يتخلّ عنه من أول أعماله إلى آخرها، وفيما يلي عرض لمجموعته الأولى بحيرة
المساء، وعمله الأخير الذي أراد أن يساعدنا في تصنيفه فسمّاه "متتالية عائلية"،
ونحن لا يعنينا غير أنه أدب، وليس أي أدب، إنه أدبٌ لـ "إبراهيم أصلان".
* "بحيرة
المساء"
تبدو كتابة أصلان للوهلة الأولى بسيطة
للغاية، غير أنها تحتاج إلى القارئ المتأمل الذي يعي إشارات الكاتب وما تضمره
الكلمات المكتنزة التي تحمل دلالات تحتاج عينًا فاحصة تستنبط كيف يوظّف الكاتب
أدواته من أجل خدمة قضيته الرئيسية التي يتناولها في أغلب أعماله، ألا وهي تجسيد
الواقع المُعاش بصورته القاتمة دون تزويق، فأصلان كاتب واقعي بامتياز.
يبدو هذا من مجموعته القصصية الأولى "بحيرة
المساء"، التي نقدم لها فيما يلي عرضًا بسيطًا كونها أول إبداعات إبراهيم
أصلان والمدخل الذي تعرفنا منه على كاتبنا الراحل.
تدور أحداث القصة حول صديق قديم يرافق صديقه المتزوج الذي يشعر بحزن عظيم إثر تلقّيه بعض التحليلات حول مرضه، لم تذكر القصة طبيعة المرض الذي أصيب به الزوج، إلا أنّه ربما يكون مرضًا جنسيًّا أو مرضًا آخر أثّر على قدرته الجنسية، ما كان صادمًا له للغاية، يقول: "الشيء الوحيد الذي يؤلمني هو أنني لم أكن أتوقع، لم أكن أتوقع أبدًا"، لتأتي بعد ذلك زوجة الرجل المريض وتجلس معهما. المرأة في تلك القصة أداة وتقنية يستخدمها أصلان لإبراز قسوة المجتمع والواقع الذي ينبذ العاجز ولا يتيح له التنفس بأي حال من الأحوال ولا الفرصة في حق من حقوقه.
يقدّم أصلان المرأة – الزوجة – في هذه القصة رابطًا إياها بالأرض الخارجية التابعة للمنزل، والتي لم تُبنَ بعد، وقد كان السؤال عن موعد بناء الأرض والبناء بالزوجة محرجًا للزوج وزوجته بنفس الوقع، يقول الصديق: "كنت أقول له إنكما ما زلتما صغيرين، التفت هو ناحيتي فوقعت السيجارة من يده وشعرت بها تصب عينيها في عينيّ مباشرة"، وعن موعد بناء الأرض يسأل: "متى ستبني هذه الأرض؟، قال: أيّ أرض؟، قالت هي: أنا لا أطيق التفكير في هذا الموضوع"، فيلحظ المتلقي كيف أنّ البنائين مرفوضان من ناحية الزوجة، فبناء الأرض يسدّ الهواء، كما أنّ خصوبة الأرض أخذت تتناقص، ومن ثمّ تتماهى مع الزوجة التي تتبدد الخصوبة من جسدها تدريجيًا بسبب زوجها المريض، بل غدا أكثر إيلامًا لا سيّما بعد رؤيتها لمصدر خصوبة جديد أمامها أكثر ملائمة وهو صديق زوجها.
يطرح أصلان في القصة الواقع بتناقضاته المؤلمة، فالمرأة والأرض يشتركان في كونهما مكان البذر، إلا أنّ الزارع لا يجيد الحرث، فانقلبت عليه الموازين، فالأرض صارت قبيحة المنظر، والمجتمع يدينه وربما يتهمه بارتكاب عادات جنسية سيئة في الماضي بما يقضي على حياته الزوجية، قال: "ألا تصدق أنني لم أفعل هذا الشيء أبدًا؟، أرجو أن تصدقني ولا تفعل مثلهم!"، ثم الزوجة التي تكتم أغلب مشاعرها ولا يظهر ردّ فعلها إلا عبر فلتات اللسان وتطلّعها إلى ذكر أكثر خصوبة، وفي تلك الحالة لا يمكن أن يلومها المجتمع أو القانون، فلم تكن المرأة هنا الأرض، الأم التي تحتضن الإنسان وتبثّ فيه الأمل وتصبر على علاجه، وإنما هي الواقعية والعملية البحتة حتى في أشد المواقف إيلامًا وتحرّجًا للإنسان، ومن ثمّ تظهر الغربة المتأصلة في نفسية ذلك الزوج بفعل مرضه الداخلي، ما أفقده ثقته في نفسه ورجولته أمام زوجته والمجتمع، لأنه لا يمكن أن يثبت "كفاءته" كزوج، ومن هنا يظهر أصلان الواقع ليس في مجرد كونه ظالمًا وسريعًا في إلقاء التهم وإنما في عدم الرحمة بالمريض والمتألم، بل إنه يستمر في جلده حتى يفقد الأعصاب.
* قصة "وقت للكلام"
والمرأة العربة
تبرز قصة "وقت للكلام" الحياة
الواقعية ذات الإيقاع السريع التي يحلّ فيها ما هو فعّال مكان ما فقد أهليته،
فتسير الحياة كعربة مسرعة وما على المرء إلا أن يتخيّر أيها أكثر ملائمة له حتى
ولو خلّف الكثير وراءه، تدور أحداث القصة عن فتاة في مقتبل العمر تتناقش مع شابٍ
حول أمر فتاها الذي انقلب حاله وصار يلزم الصمت، ثم ينتهي اللقاء بينهما برحيل كل
منهما في عربة مختلفة، يقدّم أصلان من خلال القصة نموذجًا مختلفًا لا ليطرح شكلًا
جديدًا للمرأة الشابة العاملة وإنما هو أسلوب أصلان في تصوير الواقع المعاصر،
فيجسد الإيقاع السريع في الشابة الصغيرة ووقع تفكيرها وتخلّيها عما هو رتيب أو
فاقد لحيويته، وهي بذلك تشبه العربة في سرعتها وعدم انتظارها للمتردد أو المتلكئ.
يضع أصلان أنموذج تلك الفتاة وفتاها
الصامت في مقابلة مع أنموذج العجوزين اللذين دخلا المقهى واحدًا تلو الآخر لتبدو
الحياة العصرية بالنظر إلى هذين العجوزين واهية منبوذة، وسرعان ما تتقزّم أمام
الأنموذج القديم للحب والوفاء بين الرجل والمرأة اللذين يشتركان في الطباع ويدور
بينهما حديث صامت لا يحتاجان فيه إلى الكلام، بينما في الأنموذج العصري هناك
اختلافات بين كل طرف وآخر، تقول الفتاة: "بمجرد أن نجلس كان يقول لي: إن
المنظر بالخارج يشبه السينما الصامتة، ويطلب مني أن نقوم، مع أنني أحب هذا المكان،
أحبه جدًا"، فما كان من ذلك الفتى إلا أنّه التجأ إلى الانعزال والصمت هو الآخر.
لم يظهر ذلك الفتى ظهورًا حقيقيًّا،
وإنما كان موضوع حديث الشخوص، فكانت السمة الرئيسية الملاصقة للفتى هي الغربة،
سواء الاختفاء الحقيقي من مسرح الأحداث، أو الغربة المعنوية تجاه المجتمع، وقد
كانت المرأة إحدى السبل في تدعيم ذلك الشعور لديه، لم تعد المرأة سكنًا ومقر
الطمأنينة ومكنون الرومانسية، إذ فقدت احتوائها الرجل – الإنسان، لذا فكانت المرأة
هنا تقنية جديدة لدى أصلان في إظهار دور الواقع المعاصر بما فيه واقعية المشاعر
ودورها في زيادة فجوة التواصل بين البشر بل وزيادة غربتهم في الحياة ذاتها، إنّ
الحياة المعاصرة أشبه بالعربة لا في طيشها وإنما في سرعتها وعدم الانتظار، إذ
فُقدت معاني الصبر والعواطف الرقيقة، فإما أن يجاريها الإنسان وإما يدهس تحت
إطاراتها، وإلا فيعتزل الطريق بأكمله ويظل منزويًا في جانب الطريق ويصبح غريبًا.
* قصة "التحرّر
من العطش"
تعدّ قصة "التحرر من العطش"
أكثر قصة صادمة للمتلقي في مجموعة "بحيرة المساء" بأكملها، بسبب نهايتها
التي تخالف أفق توقع المتلقي، يقول: "وفي أقل من دقيقة واحدة كان قد تحرر من
ثيابه كلها، كانت تتطلّع إلى المرآة المستطيلة التي تعلو المكتب القديم، استرخى
وراءها على الكنبة وأراح ظهره على المسند الطري، عاريًا كما ولدته أمه"، فذلك
الشاب - الذي يبدو وديعًا هادئًا منذ بداية النص حتى قرب نهايته إلى حد الانطواء
وعدم الخروج من البيت وعدم النوم بصورة مقلقة بل ومستنكرة، وخجله والبعد عن صخب
المدن - ينقلب في النهاية ويظهر منه رد فعل أبعد ما يكون عن ذهن القارئ.
عند استقراء المتلقي دور الفتاة في
القصة، يمكن أن يستنبط كيفية توظيف المرأة ضمن العناصر والأدوات التي يستخدمها
أصلان لخدمة فكرته الأساسية بلا تنميق أو مزايدة، الفتاة في هذه القصة تجسيد واضح
للواقع المعاصر بمعنى الكلمة، كما لو كانت نافذة المجتمع التي يطلّ منها الشاب
ليعرف مدى غربته، بل وتجسيدا حيا يسير على قدمين لرأي المجتمع في الحياة العصرية
والانسياق في تيارها والنظر لمن يخرج عنها بالشذوذ، فالفتاة تمثل الحياة العصرية
بنمطيّتها وقولبتها للآخرين، فيسير فيها الجميع كالقطعان، ورغم الحداثة والإيقاع
السريع إلا أنه قد خلّف أناسًا لا يعبؤون إلا بالمظاهر والتقليد الأعمى، فالفتاة
حتى في ملبسها نمطية ولا تفرق عن بقية الفتيات، يقول: "كانت ترتدي فانلة
رقيقة من القطن الأبيض وشعرها أسود وملموم على رأسها"، إنها ليست نمطية
المرأة وإنما نمطية الحياة حتى عندما أخذت الفتاة تقصّ على الشاب قصة الرجل الذي
خلع ملابسه وأقام نفسه في حفرة وصار يحذّر أهل قريته من الخطر، فنُعِت بالمجنون
وظل هكذا حتى مات من الخوف.
إن تفسير المشهد الأخير من القصة - حينما
تجرّد الشاب من ملابسه - يبدو غريبًا ولكنه عميق الدلالة، لرُبما أراد إثبات
مخالفته للواقع، فبما أن تواريه عن المجتمع لا يروق الآخرين، فالتجأ إلى تلك
الطريقة الفجة الأشبه بالصراخ في وجه المجتمع دون صوت، يقول: "وعندما استدارت
اهتزّت مكانها ووضعت يدها على فمها الذي ظلّ مفتوحًا، وأمّا هو فلم تصدر عنه أية
حركة، بل ظل عاريًا وصامتًا كما هو، وعيناه خاليتان من كل تعبير"، وربما كان
تحررًا من العطش إلى ما يريد أمام الفتاة، لا سيما وأنه كان في أول القصة عاري
الرجلين، فكان قاب قوسين من ذلك المجنون في القصة، ولكن أراد حافزًا ليأخذ في
التنفيذ، فكانت الفتاة في هذا النص داعمة لشعور الغربة الذي يسيطر على الشاب
لتنقلب في النهاية عليه وتتحرك برد فعل المجتمع برفض هذا الشاب ونبذه من الجماعة
لينظر له كمجنون.
وأخيرًا،
يتجلى إبداع أصلان في استخدامه المرأة ضمن منظومته الكبيرة شديدة الترابط من أجل
خدمة التيمة الرئيسية، ولا يعدّ استخدام أصلان للمرأة بهذه الصورة استهجانًا لها
أو تجسيدًا لرؤيته الذاتية، وإنما هو يتعامل معها كعنصر من عناصر منظومته المركبة،
ولا شك فهو إبداع ورؤية فريدة من الكاتب الكبير بإسناد تلك الوظيفة الجديدة للمرأة
في عالمه الـ "أصلاني".
* "حجرتان وصالة "
يصعب تصنيف العمل الأدبي الأخير الذي
وضعه الكاتب الراحل إبراهيم أصلان بعنوان "حجرتان وصالة"، ولعل هذه
الصعوبة هي التي دفعت أصلان إلى تسهيل مهمة النقّاد بإضافة عبارة "متتالية
عائلية" إلى عنوان الكتاب كمحاولة مبتكَرة لتصنيفه.
ينقسم الكتاب إلى فصول عديدة يروي كل
واحد منها مشهدا حياتيًا عاديًا لمسن يدعى "الأستاذ خليل"، يعيش مع
زوجته "إحسان" في شقة تتكون من حجرتين وصالة، بعدما مرّ عليهما عمرٌ
طويل أنجبا فيه ولدَين وأشرفا على تربيتهما وتعليمهما، قبل أن يرحل الولدان إثر
زواجهما فيفرغ بيت خليل وإحسان من الحياة. وتصبح حينئذ التفاصيل الصغيرة للغاية شغلهما
الشاغل، وتنحصر حواراتهما القليلة والقصيرة في أمور المنزل اليومية.
لكن سرعان ما تتوفّى "إحسان"
فينتقل "خليل" للعيش في شقّته القديمة التي تتألف بدورها من حجرتين
وصالة، ومع أن ولديه وجيرانه وعددا ضئيلا من أصدقائه القدامى لم يتخلّوا عنه، لكنه
لم يلبث أن يواجه برودة العزلة وألمها، ويبدأ في اجترار الذكريات والأحزان - وحده
أو مع أصدقائه الذين شاخوا ويعانون الفراغ مثله - ويشكل خروج أصلان عن الأنواع
الأدبية التقليدية إبداعا يفتح فيه لنا أفقا جديدا للكتابة، وهو ما أنجزه في هذا
الكتاب على أكمل وجه.
* بين الرواية والقصة والسيرة
الذاتية
ويمكن قراءة هذا النصٌ الذي لا يتجاوز
١٢٠ صفحة كرواية، نظرًا إلى سرد الكاتب فيه قصّة واحدة، هي قصّة خليل قبل وفاة
زوجته وبعدها، لكن استقلالية فصول الكتاب الثمانية والعشرين عن بعضها البعض، وحَمْل
كل منها عنوانا مختلفا، وانعدام أي تتابع أو ترابط جلي بين الأحداث المسرودة فيها،
يجعل من الكتاب أيضا كناية عن مجموعة قصص قصيرة جدا يُمكن قراءتها دون الترتيب
الذي تحضر فيه.
وفي حال أضفنا القرابة الشديدة بين
شخصية خليل وأصلان - الاثنين اشتغلا في مركز البريد قبل أن يتوقفا عن العمل لأسباب
صحية، وعاشا معظم سني عمريهما في حي إمبابة - لتبيّن لنا أيضا بُعد السيرة الذاتية
الذي يتحلى به هذا النص.
وفي الحقيقة، ينتمي كتاب أصلان إلى جميع
هذه الأنواع الأدبية، وفي الوقت نفسه لا ينتمي إلى أي منها، والتصنيف هو مسألة لا
تعني الكاتب بقدر ما تعني الناقد الذي يبحث دائما عن زاوية سهلة للإمساك بالعمل
الأدبي الذي يقرأه ويتحدّث عنه. أكثر من ذلك، يشكل خروج الكاتب عن الأنواع الأدبية
التقليدية إبداعا يفتح فيه لنا أفقا جديدا للكتابة، وهو ما أنجزه أصلان في هذا
الكتاب على أكمل وجه.
فقد ابتكر الكاتب في هذا النص الشكل
الأنسب والأكثر فعاليّة لمعالجة موضوعه الرئيسي، أي الشيخوخة التي لا مفرّ منها،
وفي هذا السياق جاءت فصول كتابه على شكل لقطات يومية تعكس استقلاليتها حالة تصدّع
الزمن والضياع التي يعيشها الإنسان في نهاية عمره.
جهد أصلان لا يقتصر على تجسيد واقع
الشيخوخة الحزين وعوارضها، فنصّه ينمّ عن رقّة وإنسانية كبيرتين وعن مهارات تقنية
وكتابية مختلفة.
* الإنسان والوجود
وفي السياق نفسه، جاءت لغة أصلان بسيطة
لا تغرق في البلاغة والمحسّنات اللفظية، وأقرب إلى العامّية دون ابتذال، وقادرة
أكثر من غيرها - بفضل بساطة أسلوبها وانعدام التكلف فيها - على استحضار مناخ عالم
الشيخوخة برتابته وفقدانه وهج الأمل في الغد والطموح.
وفي النتيجة، يتمكن أصلان من إشعارنا - من
خلال وسائل شكلية وسردية مختلفة - بملل يجعلنا في أوّل الأمر نحكم سلبا على الكتاب
قبل أن يتبيّن لنا أن الأمر مقصود، وغايته إيصال حالة الوحدة إلينا والفراغ الذي
يتخبّط فيهما خليل داخل شقّته، حالة تجعله يتوهّم أشياء لا صحة لها تضفي نوعا من
الطرافة على النص، كتوهّمه بأن إحدى ساقيه أكثر طولا من الأخرى، أو تساؤله - لدى
ملاحظة الفارق المتزايد في الطول بينه وبين ابنه - إن كانت قامته هي التي تقصر أم
أن قامة ابنه هي التي تكبر، أو محاولته الاستفسار من صديقه الصيدلي عن جدوى
الأشعّة المقطعية لمعالجة الشعور الغريب الذي يشعر به في رأسه ويجعله يفقد أحيانا
توازنه.
لكن جهد أصلان لا يقتصر على تجسيد واقع
الشيخوخة الحزين وعوارضها، فنصّه ينم عن رقّة وإنسانية كبيرتين تتجليان في علاقة
الألفة التي تجمع خليل بزوجته أو بمحيطه، كما ينمّ عن مهارات تقنية وكتابية
مختلفة، كرسْم الكاتب البارع لشخصيّاته التي يستقيها من حي إمبابة الذي عاش فيه،
وتصويره أزقّة هذا الحيّ وشوارعه بدقّة تجعلنا نتعرّف جيدا إليه ونتنقّل داخله.
ولا يهمل أصلان سلوكيات أبناء مجتمعه
ونفسيّاتهم وعاداتهم التي نستشفّها من تصرّفات ومواقف شخصياته، بدءا من خليل
المرهَف وزوجته ذات الشخصية القوية الساخرة، مرورا بأصدقائه وأقاربه وجيرانه،
وانتهاء بالبوّاب الخمول الذي يمضي وقته نائما ويتجنّب أي اتّصال بسكان العمارة
التي يعمل فيها.
وليست مصادفة أن تنتهي هذه
"المتتالية" بقصّة تحمل عنوان "أوّل النهار"، وقبلها
"آخر الليل"، فأصلان أراد بذلك الشهادة على إمكانية تجدّد الحياة - حتى
على عتبة الموت - وبالتالي التعبير عن تفاؤل مؤثّر بالعالم والإنسان.