رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

حكايات مجهولة.. الآبار الملعونة

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
البئر مكان مظلم ممتلئ بالماء العذب، فهل يمتلئ بأشياء أخرى غريبة وعجيبة؟ إن الغموض يسيطر عندما تغيب حقيقة الأشياء عن محط الرؤية والمعاينة، فتكثر الأقاويل وتتعدد التفسيرات بل وتتضارب، وكان ذلك سببا رئيسيا فى نشأة الأساطير القديمة التى حاولت تفسير قضايا الدين والظواهر الطبيعية العصية على الفهم، ومن هذا المنطلق يجب أن نقول، إن البئر الملعونة أو الجب المسحور احتل مكانة فى تاريخ الأسطورة ولم يصبح وهما بل تحول إلى حقيقة فى كثير من الأحيان.
ويحدث خلط عجيب بين الحقائق والأوهام فتلتبس الأمور على الناس فلا يستطيعون التمييز بين الصحيح والكذب، إن منطقة بئر برهوت فى اليمن أخذت شهرة كبيرة بما تردد عنها وبما تناقلته المرويات حولها، ففيها توجد بئر بعيدة العمق، واطئة ومظلمة، مثيرة للظنون والتخمينات، مخيفة لدرجة الرعب، نسجت حولها حكايات فولكلورية، مثل كونها سجنا لمردة الجن، وقد حفرها الجن لأحد الملوك الحميريين الذين حكموا اليمن فى عصور ما قبل الإسلام، وقيل إن واحدا من أهل المنطقة حاول استكشافها فنزل بحبل مربوط حول جسده فلما شدوا الحبل فقدوه ولم يعثروا عليه بعدها، وقد تعلقت بالمنطقة مرويات لنصوص نبوية تذم فيها البئر ومياهها ورائحتها، ولكن أين تكمن حقيقتها فربما هى فتحة لتسريب احتباسات غازية بجوف الأرض، أو فوهة صغيرة لبركان خامل.
وعندما نستتبع خيطا جديدا لبئر ملعونة أخرى فلا أدل على ذلك الوصف من بئر النبى يوسف عليه السلام، فتحكى القصة الدينية كما ترويها السورة الشريفة بالقرآن الكريم أن إخوته احتالوا على النبى يعقوب عليه السلام ليأخذوا الطفل الصغير ليبتهج معهم فى البرارى، لكنهم ألقوه فى بئر بعيدة عن الوادى ليتخلصوا منه، ومن تلك العلاقة الطيبة والرقيقة التى كانت قائمة بينه وبين أبيه الذى اختصه بمزيد من الحب والحنان، مما أثار ضغينة الأبناء نحو أخيهم، وواجه الصغير ظلام البئر ووحشة المكان وقسوة الفراق لتنفتح حياته بعدها على آلام كبيرة يتجرعها بعدما يلتقطه بعض السيارة ويبيعونه فى مصر.
وإن كثرة الأمثلة التى تجترها الحكاية فإن بئر عصر المماليك لا يمكن تجاوزها أو تجاهلها، فلقد بنى المماليك الكثير من السجون للمجرمين ولأعدائهم، لكنهم حفروا أسفل القلعة بئرا عميقة ولها قاع عريضة تشيع الخوف فيمن نزلها اختصوا بها تلك الرءوس الكبيرة التى تناطحهم وتدخل معهم فى صراعات، بدأ العمل بها فى عصر المنصور قلاوون، وغالبا ما يؤول أمر المسجونين فيها إلى القتل أو الذبح، وفيها سجن الأمير سنقر الأشقر الذى حاول التمرد واقتناص السلطنة، وأمر السلطان بخنقه هو وحسام الدين لاجين، فمات سنقر وتعثرت عملية خنق لاجين، فشفع له أحدهم عند السلطان فخرج ينعم بالحياة، ولم يدم ذلك الجب طويلا فقد أمر السلطان الناصر محمد بن قلاوون بردمه تماما.