الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

أيها الجديد في الموت

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
فى هذا المقال- كما فى سابقه- أتجاوزُ حدود الوصف التقليدي، مستخدمًا الرمز والإشارة فى إيصال فكرتي، وفى اعتقادى أن التعبير بالرمز أدعى إلى إعمال فكر القارئ وإذكاء قريحته، ويجعله يذهب بفكره فيما هو معروض عليه- مذاهب شتى، من أجل سَبْر أغوار النص وقراءة مكنونه إلى أن يجد فيه ضالته.
(١)
أفتشُ عن نفسى القديمة.. أغوص فى الأعماق بعيدًا.. وبعد أن ينهكنى البحث لا أجدها.. كيف ضاعت ملامحى فى زحام المدينة؟! كيف تاهت الابتسامة من شفتاي؟! كيف ماتت فى نفسى الأشياء الجميلة كلها؟!.. أحاول أن أتعلق بالآمال محاربًا اليأس والآلام.. أسبحُ باتجاه الشاطئ من أجل الوصول.. ولكن سباحتى ضد التيار.. أجدنى محاصرًا بأعاصير ليس منها مهرب.. تَهُدُّ قواى محاولات الوصول.. وتستحيل عليَّ المقاومة!!
(٢)
- دفنونى باﻷمس، وظنوا أنى لم أعُد أسمعهم أو أراهم.. وَيحَهم ألم يعلموا أن بعض الظن إثم؟! وهم حولى بعد موتي، كنتُ أرى وجوه الشامتين، وأسمعُ همساتهم الساخرة؛ فأتعجب! حاولت أن أصرخَ فيهم كى يبتعدوا عنى، فلم أستطع.
- صاحبي، لا تحزن.. أنت هنا جديد.. أنا هنا منذ ألف عام، وكل أصحابنا هنا قد قالوا مثل قولك.
- كنت أحبُّهم، لم أُقَدِّمْ لهم إلا الخير، فلماذا فعلوا بى كل هذا؟!
- لا أعلم، ولكن لا عليك.. أنت هنا سوف تَنْسَى.. هنا سوف تضحك على ما يفعلون.. صدقني، أنا هنا أضحك منذ زمن بعيد.. ألا ترى إلى هذا الشيب الذى اعتراني؟!
- نعم أراه وأراك باسمًا، لكن قل لي: هل حدث معك مثلما حدث معي؟
- لم أعدْ أتذكر شيئًا مما حدث عند موتى إلا مشهدًا واحدًا.. أمي.. ما زلتُ أسمع بكاءها وأرى دموعَها الملتهبة.. ولكن أخبرني: ماذا صنعت أمُّك أنت؟
- أمي! أنا لم أرَ أمى فى حياتى أبدًا، لقد ماتت وهى تلدني، ربما لم يكن ذلك ليحدث لو كانت على قيد الحياة.. لا لا، بل أفضل لها أنها لم تَشْهَد موتى !
- صديقى أيها الجديد فى الموت- قلت لك لا تحزن، لماذا هذه الدموع؟ اهدأ، سوف تَنسى، صدقنى سوف تنسى..
(٣)
- الأموات وحدهم هم من يدركون الحقيقة، أنت لن تدركها، لقد رأوا كل شيء، رأوا أفراح الموتى، ويسمعون بكاء الزائرين فيضحكون.. لا تغُص فى اتجاه القعر!
- وهناك فى قعر المحيط أمواج، هناك ظلام دامس، ليس هناك أسماك، وهناك من يغوص فى اتجاه القعر.. لا تغُص فى اتجاه القعر!
- وأحيانًا يكون هناك شعور لا تعرفه ولا تفهمه، يتسلل إلى الأعماق، ويتجول فى سراديب النفس، يلتصق بالحنايا ويمتزج بالدم.. قلت لك: لا تغُص فى اتجاه القعر!
- استيقظ من نومه مذهولًا على صدى صوت يتردد فى جوانب غرفته: (لا تغُص فى اتجاه القعر)، أدرك على الفور أن هذا صوت رُوحه تناديه، تريده أن ينزع عن نفسه ثوب الحزن الذى يرتديه منذ زمن.
حينما يتحول الحزن إلى شجن، تُولد ملامحنا الحقيقية.