الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

العدل الإلهي

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أبدع الفلاسفة فى كل العصور وفى كل الثقافات نظريات عن «العدل الإلهى» يبرئون فيها الله عن فعل الشر.. فالله عادل رحيم وأفعاله تعالى كلها خير.. أما الشرور فى العالم فهى ظلم وقسوة. وإذا كان الله هو خالق العالم، فكيف يصدر الشر عن الخير، والظلم عن العدل؟ هل يصح القول بأن الله قادر على الظلم الذى يمكن أن يوقعه بعباده؟ أم أنه تعالى لحكمته لا يظلم الناس شيئًا؟ مَنْ إذن خالق الشر؟ أهو الله تعالى؟ أم الإنسان؟
حاول الفلاسفة وعلماء الكلام واللاهوت الإجابة عن هذه التساؤلات، إجابة تؤيد القول بخيرية الله وحكمته وعدله من جهة، وتحفظ على الإنسان إيمانه، وتحفزه على أن يكون كائناً أخلاقياً من جهة أخرى. ويُعَد البعد الأخلاقى بعداً مهماً فى تفسير مشكلة الخير والشر، ذلك لأن فلاسفة الأخلاق نظروا إلى الحياة الإنسانية على أنها كفاح مستمر ضد الشر، وبحث متواصل عن الخير. فراحوا يبحثون عن ماهية الخير والشر، هل هما قيمتان مطلقتان، أم نسبيتان؟ هل هما قيمتان ذاتيتان فى الأفعال؟ أم هما قيمتان تضافان إلى الأفعال؟ كما وجهوا جل اهتمامهم لبيان مسئولية الإنسان عن ما يصدر عنه من أفعال، ذلك لأنه لا قيمة للخير إلا بالاختيار الممكن للشر، لأنه لو ضاع حق الاختيار بغياب الحرية لأصبحت الأفعال محايدة، لا هى حسنة ولا هى قبيحة، لا هى خير ولا هى شر. لذلك ارتبطت هذه المسألة ارتباطاً وثيقاً بمفهوم الحرية أو الاختيار.
واحتلت مشكلة «الخير والشر» مكان الصدارة عند «ليبنتز» الذى يعد من أوائل الفلاسفة المحدثين الذين عالجوا هذه المشكلة فى إطار مفهومه عن «العدل الإلهى». ونجد لكتاباته ومناقشاته أصداءً عديدة لآراء «المعتزلة» الكلامية التى حافظت على تنزيه الله تعالى عن فعل الشرور والقبائح، ودعمت القول بخيريته وعدله؛ وأبرزت حكمته تعالى فى أفعاله، وقدمت تفسيراً لوقوع الشرور الميتافيزيقية والطبيعية سبقت به الكثير من الفلسفات فى عصرها. فقد تجاوزت ما انتهت إليه بعض المذاهب اليونانية فى هذا الصدد، مؤكدةً أن العقل والشرع مصدران مهمان لقيمتى الخير والشر.  

من كتاب [العدل الإلهى.. "دراسة فى فكر ليبنتز والمعتزلة"]