الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

حوارات

"أبو عمر المصري" لـ"البوابة نيوز": "معسكر الخلافة الأفغاني" نقطة انطلاقتى للتعرف على القيادت المسلحة.. علاقتى بأيمن نور قوية واتواصل معه في تركيا.. وهذه كواليس محاولة اغتيال عمرو موسى بألبانيا

أبوعمر المصري في
أبوعمر المصري في حواره للمرجع
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كعادتها تجسد الدراما الكثير من الروايات والأحداث الحقيقيَّة الواقعة بين دفتي كتب التاريخ، القديم والحديث، فتتأرجح في وصف أبطالها وأدوارهم، فتضفي عليهم تارة قداسة وشأنًا، وتخسف بحياتهم تارة أخرى.
هكذا الحال في رواية «أبوعمر المصري»، التي سطر فصولها عزالدين شكري، ونسجت حواراتها الدراميَّة مريم نعوم، في مسلسل يحمل المسمى نفسه، ويلعب بطولته الفنان أحمد عز، ومن المنتظر أن يُعرض خلال شهر رمضان المقبل.
«أبوعمر المصري»، شخصية حقيقيَّة لعبت دورًا في أزمة نشبت بميلانو عام 2003؛ نتيجة تورطه في قضية كبرى داخل إيطاليا، متعلقة بالتنظيمات التكفيريَّة المسلحة، وتسببت في تأزم العلاقات الدبلوماسيَّة والسياسيَّة بين واشنطن وروما ومصر.
لا يُمكن الجزم بشكل كامل، على وجود علاقة حقيقيَّة بين تفاصيل الرواية، المُزمع تجسيدها دراميًّا، خلال الأيام المقبلة، وسيرة «أبوعمر المصري»، إمام مسجد ميلانو المختطف، إلَّا من خلال ما أكده في حواره لنا
«المرجع»، التقى أسامة مصطفى حسن نصر، إمام مسجد ميلانو، الشهير بـ«الإمام المختطف»، أو «أبوعمر المصري»، داخل منزله بالإسكندرية، عقب قرار إلغاء «الإقامة الجبريَّة» المفروضة عليه، منذ الإفراج عنه عام 2007.
لم يتردد «أبوعمر المصري»، في أن يبوح باعتراضه على ما كتبه عزالدين شكري، الذي نسج من قصته رواية سجلت الكثير من تفاصيل حياته، وحملت لقبه داخل التنظيمات الجهاديَّة في أوروبا، وورطته أحداثها في علاقة آثمة شرعًا مع إحدى الفتيات الأوروبيات، نتج عنها طفلٌ من حمل سفاح.
لم يرغب «أبوعمر المصري»، في الدخول لساحات المحاكم لمواجهة عزالدين شكري، الذي ناشده عدم مقاضاته لمنع نشر الرواية وسحبها من المكتبات، مخالفًا بذلك اقتراح محامي الجماعات الإسلاميَّة منتصر الزيات، بضرورة حصوله على تعويض مادي جراء التشهير به وحياته الخاصة.
إخفاء الملامح الحقيقيَّة
وضع عزالدين شكري، صورة خاصة بـ«أبوعمر المصري»، على غلاف الرواية، كانت المخابرات الأمريكيَّة التقطتها له قبل تنفيذ عملية خطفه في ميلانو عام 2003، وتهربًا من تحمل أي مسؤولية أدبية أو قانونية، أجرى عليها تعديلات؛ بهدف إخفاء الملامح الحقيقية.
ألف عزالدين شكري روايتين؛ الثانية، هي «أبوعمر المصري»، بلورت بعضًا من حياته الخاصة، بينما حملت الأولى، عنوان «مقتل فخرالدين»، وتعرَّضت لشخصية جهادي آخر، تعرف على «أبوعمر المصري» في معسكرات الجهاد الأفغاني، ولازمه خلال فترة وجوده في أوروبا، وهو مفتي تنظيم «الجهاد المصري»، محمد شرف، ابن محافظة المنصورة، الذي كلف أحد الأجهزة الأمنيَّة نجله، بوضع حقيبة من المتفجرات داخل أحد الأبنية، التي يرتكز بها عناصر من تنظيم «القاعدة»، في دولة السودان، خلال عقد اجتماع كان من المفترض أن يحضره، زعيم التنظيم وقتها، أسامة بن لادن، ونائبه أيمن الظواهري، وعدد من قيادات التنظيم.
إلا أن المخابرات السودانيَّة دخلت على الخط، وأبلغت قيادات «القاعدة» بالعمليَّة، وتم إجهاضها، وألقت القبض على نجل محمد شرف، وسلمته لأسامة بن لادن، وتولى أيمن الظواهري، ومرجان سالم الشهير بـ«عبدالحكيم حسان»، قرار تنفيذ حكم الإعدام فيه بتهمة الخيانة، الأمر الذي أثار ردود الأفعال من قبل مفتي تنظيم «الجهاد المصري»، محمد شرف، وعلى إثرها قرر التمرد على هذه المرجعيَّات الجهاديَّة المُسَلَّحَة؛ لما قاموا به تجاه نجله.
تأثر «أبوعمر المصري»، بالعديد من عناصر التيار الإسلامي بمختلف تنوعاته، لاسيما مرجعيات الدعوة السلفيَّة بالإسكندرية، أمثال ياسر برهامي، ومحمد عبدالعظيم، وأحمد حطيبة، بجانب أحمد المحلاوي، ووجدي غنيم.
حاولت الجماعة الإسلاميَّة استقطاب «أبوعمر المصري»، وفقًا لما قاله في حواره لـ«المرجع»، عن طريق محمد مختار مصطفى جمعة المقرئ، الشهير بــ«كِشْك الصعيد»، بعد قيامه بإلقاء خطبة الجمعة بشكل منتظم في أحد مساجد الجماعة الإسلاميَّة، بمنطقة باكوس بالإسكندريَّة، وتقربه من قيادات التنظيم؛ ما تسبب في اعتقاله من قبل الأجهزة الأمنيَّة المصريَّة خلال حقبة الثمانينيات من القرن الماضي، رغم أنه لم يكن يومًا من أبنائه.
ذكر «أبوعمر المصري»، أنه انتمى في بداية حياته لحزب «الوفد»، وتربطه علاقة قويَّة بالدكتور أيمن نور، رئيس قناة «الشرق» الإخوانيَّة، الذي مازال يتواصل معه رغم هروبه خارج مصر واستقراره بتركيا.
ووفقًا لـ«أبوعمر المصري»، عقب الإفراج عنه، طالبته الأجهزة الأمنيَّة في مصر بالتعاون معها؛ لمحاولة السيطرة على الجناح المُسّلَّح للجماعة الإسلاميَّة؛ لكنه قرر الفرار خارج البلاد، وعند توجهه للحصول على تأشيرة السفر، تم إبلاغه بأنه موضوع على قوائم الممنوعين من السفر، وأن عليه الذهاب لمقر مباحث أمن الدولة (الأمن الوطني حاليًّا)، حتى يتسلم جوار السفر الخاص به، وخلال تلك المرحلة تمكن من إصدار جواز سفر جديد من كلية الحقوق بجامعة الإسكندرية مدته 6 أشهر؛ كونه مازال طالبًا في الكلية، استطاع به الخروج بريًّا إلى الأردن.
قصة الأُسطورة
تطرق «أبوعمر المصري»، في حديثه أيضًا إلى قصة ضابط جهاز أمن الدولة، اللواء أحمد شعبان، الذي كان يحمل رتبة رائد وقتها، والملقب بـ«الرجل الأحمر»، أو «الأسطورة»، والمسؤول عن ملف التعامل مع المتطرفين في الخارج، ودوره في التواصل معه، خلال أزمته داخل مصر وخارجها.
ظل «أبوعمر المصري» أسابيع عدة بالأردن، ومنه انتقل إلى اليمن؛ حيث عمل بالمعاهد الثقافيَّة الإسلاميَّة، وبعدها توجه إلى معسكرات الجهاد في أفغانستان نهاية 1988، ليحل ضيفًا على ما سمي بـ«معسكر الخلافة»، الذي كان مخصصًا لاستقبال أبناء الجماعة الإسلاميَّة الراغبين في قتال الاحتلال السوفييتي في أفغانستان، ذلك الوقت.
التقى «الإمام المختطف»، عددًا من أهم قيادات الجناح المسلح للجماعة الإسلاميَّة، في معسكرات القتال في أفغانستان، مثل: عدلي يوسف، المُكنى بـ«أبوصهيب»، ابن محافظة المنيا، وأحمد حسن الملقب بـ«الأستاذ» خبير المتفجرات، وطلعت فؤاد قاسم، ورفاعي أحمد طه المُكنى بـ«أبوياسر المصري»، رئيس مجلس شورى الجماعة الإسلاميَّة بالخارج، ومسؤول الجناح العسكري بها، الذي يعتبر أول من أدخل فكرة الخلايا العنقودية إلى التنظيمات الجهاديَّة المصريَّة.
ويروي لنا: «تم إنفاق ملايين الدولارات على «معسكر الخلافة»، من أموال المخابرات الإيرانيَّة، وكان الوسيط في جمع هذه الأموال، محمد شوقي الإسلامبولي، بصفته شقيق خالد الإسلامبولي، قاتل الرئيس الراحل أنور السادات في أكتوبر 1981».
لم يستطع «المصري»، دخول معسكرات القتال في أفغانستان التابعة لتنظيم «الجهاد المصري»، ومعسكر «عبدالله عزام»؛ حيث رفضت استقباله ضمن صفوفها، وتم ضمه لـ«معسكر الخلافة»؛ نظرًا لعلاقته السابقة بعناصر الجماعة الإسلاميَّة، الذين قضى معهم فترة سجنه عام 1988، وأرجع أسباب صعوبة الانضمام إلى معسكرات القتال الأفغاني وقتها، إلى عملية التحصين التي وضعتها الخلايا الأمنيَّة، والاستخباراتية الخاصة بهذه المعسكرات، التي تم تشكيلها بعناية فائقة على غرار الأجهزة الأمنيَّة النظاميَّة، وقد لعبت دورًا بارزًا خلال الحرب الأفغانيَّة وما تلاها.
تلقى العديد من الدورات الأساسيَّة الخاصة بتأهيل العناصر الجهاديَّة المسلحة، مثل: التدريب على استخدام السلاح، والقنابل اليدوية، وطريقة صناعة المتفجرات، وطرق مواجهة الخصوم في المعركة، والتأهيل الفكري لأدبيات العمل ضمن صفوف التنظيمات الجهاديَّة المُسَلَّحة، والإيمان بقضية تطبيق الشريعة، والسعي لإقامة دولة الخلافة الإسلاميَّة.
كما خاض، تجربة الانضمام إلى صفوف المُقاتلين على الجبهة في منطقة «جلال آباد»، و«جوست» في أفغانستان، مستنكرًا الدفع بالشباب الذين لا يقرؤون ولا يكتبون، لمناطق القتال في ظل تحصن القيادات بالمقرات المُؤمَّنَة داخل مدينة «بيشاور» الباكستانيَّة، وتقع بالقرب من الحدود الأفغانيَّة، أمثال أسامة بن لادن، وأيمن الظواهري، وعبدالله عزام، وعلي أمين الرشيدي، المكنى بـ«أبوعبيدة البنشيري».
إثر ذلك قرَّر «أبوعمر المصري»، العودة إلى اليمن مرة أخرى بعد 9 أشهر كاملة، قضاها بين التدريب، وجبهات القتال المسلح مع قادة ومرجعيات الفكر المسلح؛ ليستكمل مسيرته داخل المعاهد الشرعيَّة، التي تم إنشاؤها على غرار المعاهد الأزهريَّة المصريَّة لتدريس مختلف العلوم الدينيَّة.
دور الإخوان الخفي
أزاح «أبوعمر المصري» في حواره، النقاب عن دور الإخوان الخفي في التغلغل داخل الغرب، عن طريق المعاهد الثقافيَّة الإسلاميَّة، التي كان يديرها عبدالمجيد الزنداني، مؤسس الهيئة العالميَّة للإعجاز العلمي في القرآن والسُّنَّة، ورئيس مجلس شورى حزب التجمع اليمني للإصلاح، وأحد كبار مؤسسي جماعة الإخوان في اليمن، الذي طلب منهم التوجه إلى أوروبا لنشر الدعوة هناك، مقابل الدعم المالي.
واتجه «المصري»، في مطلع التسعينيات من القرن الماضي إلى ألبانيا، ومكث فيها فترة؛ حيث عمل بالتجارة، وخلال تلك المرحلة كشفت المخابرات الألبانيَّة عن مخطط لاغتيال، وزير الخارجية المصري الأسبق، عمرو موسي، من قبل تنظيم تكفيري مسلح.
وأشارت تحقيقات القضاء الألباني في هذه القضية تحديدًا، إلى أن وزير الخارجية المصري عمرو موسى كان على وشك الوصول إلى مدينة تيرانا عاصمة ألبانيا في 1995، في الوقت الذي عقد ضابط المخابرات الأمريكية المركزية، المعني بمتابعة المتطرفين، المعروف بـ«مايك»، اجتماعًا في مكتبه في السفارة الأمريكيَّة مع عدد من رجال المخابرات الألبانيَّة؛ لبحث التزايد المقلق في عدد المتشددين الإسلاميين الذين يعملون في ألبانيا، وخلال الاجتماع أكد «مايك» أن هناك معلومات تشير إلى اعتزام متطرفين إسلاميين اغتيال عمرو موسى، وقدم قائمة بعدد من الأسماء التي يتعين اعتقالها لأسباب وقائية، وأرقام 3 سيارات «لاند روفر» تابعة لجمعية خيرية إسلامية، يديرها المتحدث الإعلامي للجماعة الإسلامية «أسامة رشدي»، تُسمى «وكالة الإغاثة الإنسانيَّة والتعمير»، كان يزمع استخدامها في تنفيذ العملية.
في صباح اليوم التالي عثرت المخابرات الألبانيَّة على سيارة من السيارات الثلاث في موقف عام للسيارات، وعند البحث في دفاتر المرور، تبين أنها مقيدة باسم (أسامة مصطفى حسن نصر)، مصري الجنسية، ولم يكن اسمه مدرجًا على القائمة التي قدمها «مايك»، لرجال المخابرات الألبانية؛ ولذا فإنهم ترددوا في اعتقاله؛ إلا أنه وفي مساء ذلك اليوم توجهت قوة من المخابرات الألبانية إلى منزل «أبوعمر المصري»، واعتقلته في أحد سجون العاصمة؛ تمهيدًا لاستجوابه.
ومن ثم، بدأ الاستجواب في اليوم التالي، وأشارت التحقيقات إلى أن الضابط الألباني الذي أشرف على التحقيق مع «أبوعمر المصري»، ويُدعى «آستريت ناصوفي»، قال: إنه كان هادئًا، وأنكر صلته بمؤامرة الاغتيال، فضلًا عن أنه لم يكن واحدًا من «قائمة مايك»، التي تضمنت 8 من أعضاء الجماعة الإسلاميَّة، و3 من أعضاء تنظيم «الجهاد المصري».
واستمر التحقيق معه أيامًا عدة، وهنا يقول «ناصوفي»، وفقًا للتحقيقات: «كان أسامة يرفض الكلام في البداية، ولكنه غيَّر رأيه بعد أيامٍ عدة، فقال إنه عضو في الجماعة الإسلامية بمصر، وذكر أسماء 10 أشخاص يعملون في منظمات إسلاميَّة أخرى، وينتمون أيضًا إلى الجماعة الإسلاميَّة».
ويضيف «ناصوفي»: «كان ذلك مفاجأة؛ لأننا لم نستخدم معه أي ضغوط، وقد قال لنا إنهم يعتبرون ألبانيا فندقًا آمنًا؛ لأنهم يرغبون في العمل بعيدًا عن مطاردة السلطات المصريَّة، وأنه لا توجد أي مؤامرة لاغتيال عمرو موسى؛ لأنهم يعرفون أن ذلك سيكلفهم إقامتهم في ألبانيا، واستطرد «أبوعمر المصري» في تقديم المعلومات، حتى إننا حصلنا مما قال على ملف متكامل عن نشاط الجماعة الإسلاميَّة في ألبانيا».
خلال ذلك استدعي الضابط «مايك» إلى واشنطن، وحل محله في ألبانيا ضابط آخر يدعى «فرانسيس»، وقدم له رجال المخابرات الألبانية صورة من ملف اعترافات «أبوعمر المصري»، وذهل «فرانسيس» من دقة وحجم المعلومات، التي قدمها «أبوعمر المصري»، ليس فقط عن وجود الجماعة الإسلاميَّة في ألبانيا، ولكن عن هيكل الجماعة ذاتها في مصر والقضايا الداخلية وعلاقتها بالجهاد والخلافات بين التنظيمين.
مرحلة التجنيد
قرر «فرانسيس»، تجنيد «أبوعمر المصري»، للعمل كمصدر للمعلومات، وأوكل إلى ضباط المخابرات الألبانية مهمة التفاوض معه، فوافق، وما لبث أن التقى «فرانسيس»، الذي كان قد طلب من المخابرات الأمريكيَّة المركزيَّة التحقق من دقة المعلومات التي أدلى بها «أبوعمر المصري»، وردت المخابرات بأن ما قاله السجين المصري «دقيق إلى حد كبير».
وتم الإفراج عن «أبوعمر المصري»، وتعمقت العلاقات بينه وبين المخابرات الألبانيَّة والأمريكيَّة، وسعى إلى جمع معلومات عن تنظيم الجهاد المصري، والجماعة الإسلامية في بريطانيا وألمانيا وإيطاليا، فضلًا عن تقديم الأجهزة الاستخباراتية بعض المساعدات لـ«أبوعمر المصري»، بتزويجه من ألبانيّة تُدعى «مارسيلا جلينا»، وأنجب منها سارة وعمر.
ولم تنته تقارير التحقيقات الأمريكيَّة عند هذا الحد، لكنها وثقت حجم التعاون -بين «أبوعمر المصري»، والمخابرات المركزيَّة الأمريكيَّة- الذي استمر فترة ليست بالقصيرة، قدم خلالها الكثير من المعلومات بدقة، عبر مقارنتها بمعلومات قدمتها مصادر أخرى، إلا أن شيئًا ما حدث، أدى إلى تراجع «أبوعمر المصري»، عن موقفه في التعامل، وغادر هو وزوجته، وابنته سارة ألبانيا، دون إبلاغ أحد.
إلى هنا انتهت التحقيقات الأمريكية التي كَذَّب غالبية تفاصيلها «أبوعمر المصري»، خلال حواره مع الـ«المرجع»، في حين أكد أن الأجهزة الاستخباراتية الألبانية طالبته بالتعاون معها، لكنه رفض، وفكر في العودة إلى مصر، بعد أن تلقى اتصالًا من ضابط جهاز أمن الدولة المصري «الأسطورة»، طالبه فيه بالعودة إلى القاهرة، مؤكدًا له أنه ليس مطلوبًا أمنيًّا.
وبالفعل خطط «أبوعمر المصري»، للهروب داخل الأراضي الألمانية، عبر طائرة «مصر للطيران»، التي كان من المقرر لها سلفًا أن تهبط «ترانزيت»، داخل ألمانيا، وأثناء هبوطها طالب باللجوء السياسي على أراضيها؛ معللًا ذلك بتعرضه للاضطهاد والتعذيب والسجن داخل مصر، ومن ثم احتجزته السلطات الألمانيَّة، وزوجته الألبانية التي كانت على وشك ولادة طفلها الثاني، وتم نقلها للمستشفى، بينما تم ترحيله لأحد معسكرات اللجوء السياسي، واستجوابه والتحري عن موقفه داخل مصر.
ولم تمض سوى أيام قليلة، حتى رُفض منح «أبوعمر المصري»، حق اللجوء السياسي في ألمانيا، وطولب بمغادرة البلاد، وتوجه إلى إيطاليا مستقلًّا طريق القطار، تاركًا زوجته خلفه، وبمجرد دخوله، بادر بالذهاب إلى العاصمة روما؛ بحثًا عن أحد مراكز اللجوء السياسي، مخبرًا عن رغبته في ذلك، وطلبًا لمنحه حق الإقامة المؤقتة لحين البت في طلبه الذي فاز به بعد عام من وجوده، ليستقر في مدينة «ميلانو».
التحق «إمام ميلانو»، بالعمل في المركز الإسلامي بالمدينة، وكان يديره الحسيني حلمي عرمان، المُكنى بـ«أبوعماد المصري»، أحد قيادات الجماعة الإسلاميَّة في الخارج، ابن محافظة قنا في صعيد مصر، الذي تتلمذ على يد محمد شوقي الإسلامبولي، ومحمد تيسير، وأسامة رشدي، وأنور شعبان، وانتقل أواخر الثمانينيات من القرن الماضي إلى باكستان وأفغانستان، والتحق بفريق عمل مجلة «المرابطون»، و«مكتب خدمات المجاهدين»، في بيشاور الباكستانيَّة، ومنها إلى كرواتيا وإيطاليا؛ ليتخذ من المركز الإسلامي في ميلانو مركزًا لنشاطه.
كما كان «أبوعماد المصري» على رأس قائمة المتهمين في قضية «أبوالهول» 1995، التي وجهت فيها السلطات الإيطاليَّة، اتهامًا للمتشددين العرب المقيمين في ميلانو، بتشكيل خلية إرهابيَّة، وقضت المحكمة الجنائيَّة بمعاقبته بالسجن 3 سنوات عام 1999.
التوسع في النشاطات
توسع «أبوعمر المصري»، في نشاطه داخل «ميلانو» بصحبة عدد من عناصر الجماعة الإسلاميَّة وتنظيم الجهاد، وصدرت مجلة «صوت الحق»، وتولى نشرها وترتيب الدورات الفكرية لها؛ إلا أن مختلف تقارير الاستخبارات الإيطالية، أكدت إلقاء «أبوعمر المصري»، خطبًا في المعهد الإسلامي بميلانو، بلهجة متشددة، ركز فيها على كراهية الولايات المتحدة.
ومن جهتها أحكمت المخابرات الإيطالية مراقبتها له ، بوضع جهاز تنصت في شقته، وبتفريغ محتوى مكالماته الهاتفية، تبيّن أنه يوسع اتصالاته مع الإسلاميين المتشددين، وهو ما أكده «أبوعمر المصري»، في حواره لـ«المرجع»، أن المخابرات الإيطالية، قامت باقتحام منزله، وغرفة مكتبه بالمركز الإسلامي، أكثر من مرة، وزرعت بهما كاميرات دقيقة، كما تمت مراقبة تحركاته بشكل مستمر.
ووفقًا للتحقيقات، فكان لدى الأجهزة الأمنيَّة العديد من المعلومات والأدلة، التي تكفي لإلقاء القبض على «أبوعمر المصري»، لكن مراقبته منحتهم الكثير من المعلومات الثمينة عن التنظيمات المُتشددة في أوروبا بشكل عام، وقد كشف أن الشقة المقابلة لمقر إقامته في «ميلانو» استأجرتها المخابرات المركزيَّة الأمريكيَّة، خصيصًا لرصد اتصالاته وأنشطته وسط المسلمين العرب في إيطاليا.
وكان الكثير من الدلائل يشير إلى قرب اعتقال «أبوعمر المصري»، لكنَّه على حد قوله، تفاجأ أثناء توجهه للصلاة بمسجد المركز الإسلامي، يوم 17 فبراير 2003، بتوقيفه واختطافه أمام المارة، من قِبل عناصر تابعة للمخابرات الأمريكيَّة، قاموا بوضع غمامة سوداء على عينيه، واصطحابه إلى قاعدة «أفيانو» العسكريَّة الأمريكيَّة، شمال شرق إيطاليا، ونُقِلَ جوًّا إلى قاعدة أمريكية في ألمانيا، ومنها إلى القاهرة.
وفور وصوله إلى القاهرة استُجوِبَ بخصوص الاتهامات الموجهة له بعلاقته بتنظيم «القاعدة»، وتشكيل خلايا؛ بهدف تنفيذ عمليات مسلحة في أوروبا.
ضجة
أثار اختطاف «إمام مسجد ميلانو»، ضجة في إيطاليا، وتولت سلطات التحقيق محاولة إثبات عكس ذلك، لكن تبيّن من خلال اتصال أجراه بزوجته بعد سنة كاملة من اختفائه، عقب الإفراج عنه من قبل جهاز أمن الدولة المصري، في أبريل 2004، أنه أبلغها بمعلومات تفيد بتجهيز مخطط لخطف عدد من الإسلاميين المتشددين، من قبل المخابرات الأمريكية المركزية في إيطاليا، على رأسهم محمد رضا البدري؛ ليتم إلقاء القبض عليه ثانية، ويظل في السجن 3 سنوات أخرى.
وبسبب مراقبة جهات التحقيق الإيطاليَّة لهاتف زوجته، بعد تقديمها بلاغًا للنائب العام الإيطالي، يؤكد خطفه، مستندة إلى روايات شهود تابعوا عملية الخطف، تم التقاط المكالمة، وبناء عليها تحركت السلطات الإيطاليَّة، وكشفت عن عدد من المكالمات المرتبطة بعناصر استخباراتية أمريكيَّة داخل إيطاليا، قريبة الصلة بالقضية، ومن ثم أمر القضاء الإيطالي في يونيو 2005، بالقبض على 22 أمريكيًّا، وإيطاليين اثنين؛ لتورطهم في القضية؛ الأمر الذي تسبب في أزمة شديدة بين روما وواشنطن.
وفي نوفمبر 2009، قضت المحكمة الإيطالية غيابيًّا بالسجن على 22 عنصرًا من المخابرات الأمريكية، وضابط في القوات الجوية الأمريكية، شاركوا في عملية الاختطاف، غيابيًا بالسجن بين 7 سنوات و9 سنوات؛ بدعوى أنه قرار غير شرعي انتهك سيادة القانون الدولى الإيطالي، لكن تم استئناف الحكم، وألغيت الأحكام عام 2014، على أساس أنه يجب تغطية الأدلة وفقًا لقوانين حماية أسرار الدولة.
اعتبر «أبوعمر المصري»، أن الحكم الذي صدر ضده عام 2013، من قِبَل المحكمة الإيطاليَّة غيابيًّا بالسجن لمدة 6 سنوات، وإدانته في اتهامات تورطه بتجنيد إرهابيين، وإرسالهم بصورة غير شرعية إلى مخيمات التدريب المُسلَّح خارج إيطاليا، حُكمًا سياسيًّا؛ لتحسين العلاقات بين روما وواشنطن، وأصر في يوليو 2015، على موقفه المطالب للحكومة الإيطالية، بمساعدته في المثول أمام قضاء البلاد؛ من أجل إثبات براءته؛ نظرًا للإقامة الجبريَّة المفروضة عليه في مصر.
في فبراير 2016، أدانت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، إيطاليا؛ لتورطها في مساعدة وكالة المخابرات المركزية الأمريكية؛ لخطف «أبوعمر المصري»، عام 2003 بموجب برنامج أمريكي؛ لاحتجاز واستجواب الأشخاص تحت مُسمَّى «التسليم الاستثنائي»، وجاء في بيان المحكمة «يقع على السلطات الإيطاليَّة، واجب اتخاذ الإجراءات، التي تضمن أن الأشخاص الخاضعين لسلطاتها القانونية لا يتعرضون للتعذيب، أو المعاملة غير الإنسانيَّة، أو المهينة، أو ينزل عقاب بهم».
وأمرت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، إيطاليا بدفع 70 ألف يورو على سبيل التعويض لـ«أبوعمر المصري»، ودفع 15 ألف يورو لزوجته، كما حكمت للزوجين معًا بمبلغ 30 ألف يورو لتغطية ما تكبداه من نفقات.