الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

الشرق الأوسط على صفيح ساخن.. الصحف الفرنسية: المنطقة تنتظر "أسبوع المخاطر".. بيار فيليو: الدبلوماسية فشلت في حل القضية الفلسطينية.. "هاسكي": "ترامب" تحول إلى خصم مشترك لقادة أوروبا

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تصدرت تداعيات ما بعد انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من الاتفاق النووى الإيرانى، صفحات الصحافة الفرنسية، ورأت التحليلات المنشورة فى قرار الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، نقطة انحراف نحو تصعيد جديد للأزمة فى منطقة الشرق الأوسط سيشهده هذا الأسبوع.


وأجمعت الصحافة الفرنسية على أن الرئيس الأمريكى خلق أزمة جديدة، أو ما سمته «أسبوع كل المخاطر»، التى استبقت جريدة «لوفيجارو» التنبيه إليها قبل أسبوع من القرار الأمريكى، مشيرة إلى أن إسرائيل هى من ستكون فى الجبهة الأمامية لمواجهتها، لكن بالنسبة للمؤرخ جان بيار فيليو، الذى كتب فى زاويته على صحيفة «لوموند»، فإن الشرق الأوسط بأكمله هو من تلقى ضربة عنيفة فى استقراره ومعرض للخطر بسبب استبعاد مبدأ الدبلوماسية التى يعاب عليها العجز فى حل القضية الفلسطينية والأزمة السورية كذلك «كما أن أوروبا ومنظمة الأمم المتحدة اللتين تعتبران عاملين للتهدئة فى الشرق الأوسط، تم تهميشهما بل وكذلك إهانتهما»، مضيفا أن إيران التى تقود ما تزعم أنه «محور المقاومة» إلى جانب نظام الأسد والميليشيات المناصرة لطهران وجدت فرصة لتعزيز صورتها كالبديل الأمثل لمواجهة «ديكتاتورية واشنطن» وأن تصعيد العنف بين سوريا وإيران وبين إسرائيل الذى حصل بين ٩ و١٠ مايو ما هو إلا بداية لسلسلة مسارح عنف عديدة فى المستقبل القريب.


وفى معرض حديثه عن تاريخ الأزمات فى المنطقة وتداعياتها حاليا يخلص المؤرخ جان بيار فيليو إلى أن التحالفات التى نتجت عن القرار الأمريكى بين مؤيد ومعارض، أدت إلى ظهور قطبين متجاذبين بين الأنظمة العربية من جهة و«المحور» الموالى لإيران من جهة أخرى، وهو وضع ستدفع ثمنه الشعوب العربية حسب المختص فى الشرق الأوسط، مع تأكيد لاحتمال عودة داعش الذى بدأت شبكاته بالتحرك فى المنطقة خصوصا مع اقتراب شهر رمضان الذى يعتبره التنظيم الإرهابى أفضل فترة لـ«الجهاد» وبالتالى فإن سيناريو اتساع رقعة الصراع من غزة إلى شبه جزيرة سيناء بات مثيرا للخوف أكثر من أى وقت مضى.


ترامب صديق صهيون
تركيز الصحافة الفرنسية على تقارير تحليلية حول اقتراب موعد نقل السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة، أشبه بقرع طبول الحرب، معتبرة الحدث إحدى النقاط الحساسة فى ظل هذا التصعيد ومن عواقب مرحلة ما بعد الانسحاب من الاتفاق النووى، حيث نقلت جريدة «لوبوان» أجواء الاستعدادات فى القدس المحتلة ترقبا لحضور الوفد الدبلوماسى الأمريكى الذى سيشرف على افتتاح سفارته حيث علقت الرايات الإسرائيلية والأمريكية وصور للرئيس ترامب إلى جانب يافطات تحمل عبارة «ترامب، صديق صهيون» و«ترامب يمنح العظمة لإسرائيل»، ورغم أن الحفل حسب ما ذكرت «لوبوان» سيكون رمزيا لتسجيل السياسة الأمريكية الجديدة الداعمة لإسرائيل، ولن تكون فعلية بما أن العملية ستتطلب سنوات قبل نقل السلك الدبلوماسى الأمريكى إلى القدس، إلا أن الحدث يسجل لصالح رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، وسياسته لا سيما أنه تمكن من فض الاتفاق الأمريكى الإيرانى حيث حظى هذا الأخير فى استفتاء رأى بـالدعم بنسبة ٦٣ بالمائة حال نقل السفارة الأمريكية و٧١ بالمائة من التأييد فى استعمال الرصاص الحقيقى ضد المتظاهرين فى غزة، مؤشر لاحتمال تقدم نتنياهو بخطوة إلى الأمام فى المشهد السياسى الإسرائيلى.
وفيما ذكرت «لوفيجارو» أن نتنياهو يفرك حاليا يديه و«يستمتع بسلسلة من الانتصارات الشخصية»، لفتت «لوموند» إلى أن المحافظين الإسرائيليين قد دخلوا فى مرحلة استعراض للعضلات من خلال تنظيم «مظاهرات من أجل العالم» وذلك فى خضم حماس يقابله اليأس من الجهة الفلسطينية، لا سيما فى قطاع غزة الذى يعيش حالة غليان حسب الصحيفة الفرنسية حيث سيتجدد الموعد بين الجيش الإسرائيلى والغزاويين بعد مرور ستة أسابيع على مظاهرات العودة، مع احتمال حدوث «حمام دم» لا يمكن تفاديه خصوصا وأن الخطابات المشحونة لغرض التعبئة قد انطلقت منذ فترة فى المساجد وعبر مواقع التواصل الاجتماعى وفى الإعلام. 
وفى هذا السياق نقلت «لوموند» تصريحات يحيى سنوار بالبنط العريض أن غزة عبارة عن «نمر جائع» فى تحذير له عن زيادة الوضع تفاقما فى حال لم يرفع الحصار عليها، ناهيك عن تناقل أخبار حول خطورة المواجهات خلال المظاهرات التى تدعو إليها جل القوى السياسية الفلسطينية فى الضفة الغربية والقدس الشرقية والتى تشهد تعبئة قوية يومى ١٤ و١٥ من الشهر الجارى.

أوروبا ما بعد الإهانة
اعتبر قرار ترامب من منظور الصحافة الفرنسية بمثابة الإهانة للقادة الأوروبيين وضربة قوية لمكانتهم كشركاء فى بحث الأوضاع وحماية مصالحهم الاقتصادية فى الشرق الأوسط وبالخصوص فى إيران، حيث تساءلت بعض الصحف حول مصير بعض الشركات الفرنسية المستقرة فى إيران منذ فترة مع توقيع ترامب على وثيقة إعادة فرض العقوبات الاقتصادية على إيران، وفى مقال عنوانه «أوروبا فى ساعة الخيار بعد إهانة ترامب» فى مجلة «لو نوفال أوسرفاتور» يذكر الصحفى بيار هاسكى أن قرار ترامب زاد من وعى الزعماء الأوروبيين بالتركيبة المعقدة «للعالم الجديد» وأنه على القارة العجوز أن تبث على أنها لم تشرف على نهايتها بعد، وحسب الصحفى المختص فى قضايا الشرق الأوسط فإن قرارات ترامب المتسارعة تجاوز قدرات الرؤساء الأوروبيين فى استيعابها واستدراك الحلول وذلك فى سياق الرهانات التى تواجهها على المستوى الداخلى، على غرار خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى، والإصلاحات المرتقبة فى منطقة اليورو والخلافات فى ميزانية المنظومة الأوروبية الأقوى، لكن قرار ترامب الأخير جاء ليعطى لأوروبا «سببا للوجود» على حد تعبير الصحفى حيث عززت واشنطن حس الانتماء للهوية الأوروبية، هكذا تؤكد المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، عدم استعدادها «للاعتماد على الولايات المتحدة الأمريكية» لدعمها وحث ماكرون على ضرورة إعادة إحياء «السيادة الأوروبية» وفيما يتساءل الصحفيون والمحللون عن حدوث صحوة أوروبية يترقب البعض منهم ردود أفعال ملموسة بدل الخطابات، حيث تحول ترامب «بحسب بيار هاسكي» إلى خصم مشترك لكل أوروبا بسبب قراراته الأحادية، والانقسامات السياسية حول المناخ، والتجارة الحرة، وحول القدس، قرارات ستنعكس على الأوروبيين سلبا ضف إلى ذلك التصريحات المهينة للرئيس الأمريكى حول ضحايا هجمات باريس فى ٢٠١٥ والوضع الأمنى فى لندن، ولم تعد قرارات واشنطن بالنسبة للأوروبيين مجرد تجاوزات بقدر ما هى حالة تسلط وديكتاتورية لا سيما بعد تمزيقه لوثيقة تم التفاوض عليها والتوقيع على مدار سنوات واقتراح بديل واحد وهو اللجوء إلى القوة وهى بمثابة النقطة التى أفاضت الكأس. تعجرف ترامب وصل به حسب الصحافة الفرنسية إلى مطالبة المؤسسات الألمانية بالمغادرة الفورية لإيران فيما واجه ماكرون فشلا ذريعا رغم اعتماده على ورقة علاقاته الطيبة مع الرئيس الأمريكى. هذا الأخير يتوقع المراقبون أنه سيحاول العودة بسياسة جديد لينسى الرأى العام الفرنسى والأوروبى هذه الوصمة، حيث سيسعى الأوروبيون فى مرحلة أولى لإنقاذ الاتفاق النووى الإيرانى ومحاولة إعادة كسب ثقة الإيرانيين الذين يعيبون عليهم بالسذاجة وكذلك محاولة حماية مصالح الشركات الأوروبية المستقرة فى إيران والتى تجد نفسها مضطرة للانسحاب تحسبا لضربات أمريكية على البلد.
ويأتى التساؤل حول ما إذا كانت أوروبا قادرة على الدخول فى مجابهة حقيقية مع واشنطن، مع التأكيد أنه فى حال ما إذا لم تتفق ألمانيا وفرنسا ومن معهما فى ترتيب استراتيجية وأجندة جديدة ستفشل أوروبا فى اللحاق بقاطرة «العالم الجديد» كقطب هيمنة فى العالم وستخضع بدورها لقرارات القوى الجديدة.