الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

محطات الخالد محيي الدين

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يومًا ما، كان اجتماع حزبى بحضور الزعيم الراحل خالد محيى الدين، اشتكى بعض الأعضاء من ممارسات أمن الدولة التى تصل إلى فصل وتشريد العمال المنتمين إلى حزب التجمع.
كان رد الزعيم حاسمًا: «أنتم تسعون إلى تغيير نظام الحكم، ماذا تتوقعون؟، أن يأتى هذا التغيير على طبق من فضة ومعه شوية ورد من القائمين على الحكم ؟».
لم يكن محيى الدين يعطى موعظة أو حكمة أتى بها من برج عال، بل من تجربة سنوات عاشها اختار فيها الانحياز للشعب والديمقراطية والاشتراكية، ودفع ثمن اختياره بالكامل عبر العديد من محطات العمر.
المحطة الأولى: يوم تأسيس تنظيم الضباط الأحرار مع جمال عبدالناصر، وكان الخالد مسئولًا عن كتابة المنشورات وطباعتها والإشراف على توزيعها، وكان من الممكن ألا نسمع عن ذلك التنظيم أو نقرأ عنه إلا فى صفحات الوفيات لولا تحرك الضابط الشيوعى يوسف الصديق بساعة قبل موعد الانقلاب على الملك وقيامه بالقبض على كل قيادات الجيش أثناء إعدادهم لخطة اعتقال الضباط الأحرار.
المحطة الثانية: يوم انحيازه للديمقراطية فى أزمة مارس الشهيرة ١٩٥٤ ومطالبته زملاءه العودة إلى الثكنات العسكرية وترك الحكم إلى سلطة مدنية قائمة على اختيار حر ديمقراطى، وكانت النتيجة نفيه إلى سويسرا رغم أنه كان مرشحًا لرئاسة الوزراء من قبل مجلس قيادة الثورة.
المحطة الثالثة: يوم عودته بطلب من عبدالناصر، وفوزه بعضوية مجلس الأمة ثم تأسيسه جريدة «المساء» ومن بعدها رئاسة مجلس إدارة أخبار اليوم، لكن كل ذلك لم يستمر سوى سنوات قليلة، أزاحوه من أى موقع لتمسكه ببوصلة الديمقراطية، وحرموه من وسام قلادة النيل التى حصل عليها كل أعضاء مجلس قيادة الثورة عدا يوسف الصديق ومحمد نجيب.
المحطة الرابعة: يوم تأسيس حزب التجمع وكان الرئيس السادات ينوى وضع الحزب كديكور سياسى لنظام حكمه، وعندما أفلت التجمع من المصيدة وانحاز إلى الشعب مثل ما حدث فى انتفاضة الخبز عام ١٩٧٧، اتهمه السادات بالعمالة إلى موسكو، وشهد حزب التجمع حملات مستمرة من الاعتقالات والمداهمات الأمنية، ومصادرة لسان حاله جريدة «الأهالى» حتى توقفت عن الصدور.
المحطة الخامسة: يوم قيامه مع نواب التجمع وبعض النواب المستقلين بإعلان رفضهم لمعاهدة كامب ديفيد مع إسرائيل، وقيام التجمع بإصدار وثيقة تاريخية بعنوان «لماذا نعارض كامب ديفيد»؟، وكانت النتيجة قرار السادات بحل مجلس الشعب وإسقاط خالد محيى الدين فى الدائرة التى تعشقه «كفر شكر».
المحطة الأخيرة: يوم إسقاطة للمرة الثانية أمام مرشح الإخوان وبتواطؤ من نظام الحكم ورجاله.
ويترك الزعيم رئاسة حزب التجمع وفقًا للمادة ٨ من اللائحة التى أصر عليها، وكان أول زعيم حى يترك رئاسة حزب فى مصر، وبعد ٩ سنوات من تركه رئاسة حزب التجمع، بعث برسالته الأخيرة وقت حكم مرسى والإخوان، طالب فيها، أعضاء المؤتمر السابع بتحمل مسئولياتهم، بلا حدود، لمواجهة «طغيان الحكم المتأسلم»، والسعى مع الجماهير لاستعادة الثورة وتحقيق أهدافها.
ودعا محيى الدين فى رسالته الحزب للسعى مع كل أحزاب وفصائل اليسار، للعمل من أجل الفقراء الذين ثاروا مطالبين بالخبز وحق العمل والحياة الإنسانية.
ورأى زعيم التجمع أن مصر تمر بمحنة حقيقية، فى ظل ظروف بالغة التعقيد تحت حكم الإخوان، القائم على الإقصاء والاستبعاد وعلى دستور غير مقبول من كل القوى السياسية، وقانون انتخاب إخوانى، وحكومة غير قادرة على تحقيق أى مطلب حقيقى من مطالب الشعب.
وحذر «محيى الدين» أعضاء الحزب من معالجة خلافاتهم بأسلوب يستغله البعض بسوء نية، للتشهير بالتجمع وبقياداته، وقال إن «صيغة» التجمع منذ تأسيسه سمحت بوجود تيارات وطنية متعددة، ومدارس فكرية متنوعة، وآراء متباينة، تجاورت وتحاورت دون صدام لمواجهة سياسات الحكم والنهوض بالمسئولية تجاه الوطن والشعب».
وحيا زعيم التجمع قادة الحزب الأوائل، أمثال الدكتور فؤاد مرسى، والدكتور إسماعيل صبرى عبدالله، وكمال رفعت، ومحمد سيد أحمد، ومحمد أحمد خلف الله، الذين قال إنهم نجحوا رغم تنوع منابعهم الفكرية، واجتهاداتهم المختلفة، فى أن يقدموا للشعب أول حزب علنى لليسار قادر على الحياة والصمود فى وجه العواصف.
قالت عنه شريكة عمره السيدة سميرة سليم فى حوار مع الأهرام قبل رحيله: «هو كتاب مفتوح، وكل من تقرب منه يعرف ذلك، وكان كريمًا وما يملكه ليس له وإنما لغيره».