الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

رمضان جانا

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
هو شهر الصيام والقيام عاصرته أجيال وأجيال فى عالمنا منذ قرون، عاداته وطقوسه الشعبية تختلف وتتشابه بين بلد وآخر عربى وإسلامى، إلا أن ما يوحدها حتما وإن تفاوتت ساعات الصيام، هو أعلان مغرب الإفطار وجلسات ختم القرآن أفرادا وجماعات بالبيوت أو الجوامع، وأحياء ليالى الشهر بين أداء فروض العبادة، والسهرات العائلية ولقاء أحباب فى المقاهى والمطاعم، وليس لنا أن نستبعد عادة متابعة البرامج الترفيهية والمسلسلات المبرمجة خصيصا لهذا الشهر.
ما لفت انتباهى بالقاهرة هو انتشار محلات بيع الفوانيس ذات الألوان الجميلة كما أحجامها المختلفة، فتوقفت لأسأل عند أحد المحلات وصوت الأغنية الشهيرة «رمضان جانا... أهلا رمضان» تصدح على مدى الشارع، فحدثنى البائع عن عقود من السنين يحملها تاريخ المحل «الدكان الواسع»، كما أن جيلين من العائلة أخلصت للمصابيح الرمضانية، وعن التحضيرات التى تسبق أسابيع شهر رمضان من تجهيز لعرض المصابيح، صحيح أن بعضها محفوظ بمأمن بالمخزن لكن الصناعة الصينية متاحة للاستيراد سنويا والتى لم تترك شاردة ولا واردة إلا وغزتها ومنها الفوانيس، بل وتفننت فى إتاحتها بتقنيات مختلفة ورقا مقوى، وخشبا ومعدنا، وزجاجا بألوان مضيئة، والفوانيس صارت متحركة وهزازة!
وفى الشارع الذى أقطن به وبقرب جامع الحى علقت يافطة «موائد الرحمن» ورغم أن صديقة صحفية علقت حول تراجع فضاء خيم الموائد عما كانت عليه فى السنين الماضية عقد التسعينات مثلا، وعللت ذلك بأن نمط الحياة الاجتماعية متغير، إفطارا بالبيوت، كما يتاح لقليلى الدخل والفقراء تخفيضات فى السلع والمواد الضرورية على مدى العام، مما يوفر أهم الاحتياجات الغذائية، فما أن يحل الشهر الكريم حتى يقل الاحتياج المعتاد بما تم توفيره مسبقا، ويتطلع الناس إلى الكماليات من حلويات متنوعة تعمر باللوز والفستق، والفواكه المجففة على تنوعها، وغير ذلك من المواد التى تزين موائد الإفطار.
فى بلدى ليبيا يبدأ الاحتفاء بشهر رمضان قبل قدومه بأسابيع بطلاء جدران البيوت، ومنهم من يجدد فرشه ويقتنى بُسطًا وسجاجيد جديدة مثل مواعين المطبخ من صحون الشوربة إلى أطقم وصحون المائدة، ولرمضان مأكولاته الخاصة، فالشُربة العربية ظلت عنوان المائدة الليبية، مضاف إليها الموالح والعجائن كالبوريك، والبيتسا، والمبطن، والضولمة وغيرها، وتُعد ربات البيوت الحلويات التى تعمر بها السهرات العائلية والضيافة الليلية التى قد تمتد إلى السحور، والعادات والتقاليد كثيرة التفاصيل وفقا للجغرافيا الليبية، وأتذكر صديقة من مدينة درنة (شرق ليبيا) عرفتنى بقائمة شهية تختص بها المدينة زمن جدتها، كتقليد رمضانى للوجبات ومنها الشوربة «حساء الأعشاب» بالقديد. 
رمضان شهر ينتظره الناس ويحتفون به ويعبرون عن ذلك فى دولنا بحالة الازدحام التى تلازم الشوارع الرئيسة والفرعية، حيث تتبضع السيدات على الأغلب، ويتمركزن عند محلات التوابل والحلويات والأثاث والمواعين، قد يمنح كل هذا إعلانا احتفائيا جميلا بالشهر الكريم، وفى ظنى أن هناك مبالغة فى ذلك الازدحام الذى ينتظر هذا الشهر تحديدا لتتفقد النساء نواقص مطابخهن، وفى بعض ذلك أيضا منحى «التبذير» وفائض الحاجة، كما يشير إلى ذلك ارتفاع متوسط مبلغ المصروفات الشهرية، ثم ما يتم رميه فى سلات القمامة من بقايا ما لم يستهلك.
ورغم الدروس والنصائح التى تتجدد كل سنة عبر الجوامع ووسائل الإعلام المختلفة، بالاقتصاد وعدم المبالغة وإيلاء الفقراء اهتماما وسؤالا عن أحوالهم وتقديم المساعدات العينية والمادية بمبادرات من المؤسسات الحكومية، وبما يتوفر عند الأفراد المقتدرين، إلا أننا مازلنا نشهد محتاجين مقابل المبذرين والمتناسين لقيم البذل والعطاء، ما تعلنه الأرقام الراصدة للفقراء والمحتاجين أنهم فى ازدياد فى بلداننا. 
رمضان شهر استثنائى بروحانيته، وأجواء وطقوس الألفة فيه، فلنتشاركها مع بعضنا البعض، ونواصل ترسيخ قيم التراحم والتضحية والبذل، وكل عام ورمضانكم مبارك كريم.
-----------------
اقتباس: فى بلدي ليبيا يبدأ الاحتفاء بشهر رمضان قبل قدومه بأسابيع بطلاء جدران البيوت ومنهم من يجدد فرشه ويقتنى بسطا وسجاجيد جديدة كما مواعين المطبخ من صحون الشوربة إلى أطقم وصحون المائدة.