الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

احذروا العودة لـ"المربع صفر"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
بعد قيام الرئيس أنور السادات برفع الأسعار وتحريكها قليلًا فى 18 و19 يناير 1977 حدثت «انتفاضة الخبز»، وكانت بمثابة جرس إنذار للرئيس السادات، رغم أنه أطلق عليها «انتفاضة الحرامية» بعد التعدى على المحلات وحرق المجمعات الاستهلاكية، إلا أن نائبه وقتها حسنى مبارك، أدلى بتصريح نشرته جريدة «الأهرام» فى صدر صفحتها، قال فيه: «الرئيس السادات حريص على دعم الكادحين»، ويومها تم التراجع عن القرار، وأصبح الدعم (بُعبُع) لرئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، وظل الرئيس الأسبق حسنى مبارك طوال فترة حُكمه التى وصلت إلى 30 عامًا حريصًا على الدعم ويخشى من الاقتراب منه، ويُحذر دائمًا الوزراء المعنيين الذين طالبوه بضرورة ترشيد الدعم الحكومى للمواد البترولية والسلع الغذائية، ويقول لهم: «إلا الدعم مُش عايز الناس تعمل زى ما عملوا مع السادات»، ومرت سنوات وسنوات وتزايد الدعم بطريقة مهولة، وأصبح يمثل رُبع الموازنة العامة للدولة. 
وحتى عام 2010 كنت دائم التحدث مع قيادات وزارتى البترول والكهرباء، كانوا دائمًا يشتكون من التهام الدعم لمليارات طائلة من ميزانية الدولة، كان المهندس سامح فهمى وزير البترول وقتها يقول لى: الرئيس مبارك يقول «إلا الدعم لا تقترب من دعم المواد البترولية لا بد أن يظل هكذا»، وكان المهندس حسن يونس وزير الكهرباء وقتها يقول لى: الرئيس مبارك يقول «إلا الدعم لا تقترب من دعم الكهرباء فلا بد أن يظل هكذا»، وحوارات كثيرة مع القيادات فى الوزارتين، وجميع هذه الحوارات لا تخرج عن التأكيد على عدم الاقتراب من الدعم واستمراره مهما حدث، كان قيادات الوزارتين قد أعدوا خططا لترشيد الدعم سواء دعم المواد البترولية أو الكهرباء وقدموها لـ«مبارك» كثيرًا، لكنه رفض جميع الخطط بل رفض مُجرد الحديث فيها، وحينما تزايدت التعقيدات وزادت المبالغ التى تدفعها الحكومة فى دعم المواد البترولية والكهرباء، والتى وصلت فى 2010 إلى 130 مليار جنيه، بدأ مبارك فى التفكير فى مناقشة الخطط الخاصة بالدعم، ولكن بعد أن أصبح الدعم (غول) يلتهم رُبع ميزانية الدولة. 
ظلت مصر لسنوات تُعانى من (الكلمنجية) الذين اختلفوا فيما بينهم حول الدعم، بعضهم من «الناصريين» مُؤيد لاستمرار الدعم، وبعضهم من «الوفديين» مُعارض لاستمرار الدعم، وظلت مصر لسنوات حائرة بين مُطالبات الناصريين من مبارك بضرورة تحقيق الإصلاح السياسى أولًا، وبين مُطالبات الوفديين من مبارك بضرورة تحقيق الإصلاح الاقتصادى أولًا، وبينهُم فئة قليلة من الذين ظلوا يطالبون مبارك بتحقيق الإصلاح السياسى بالتوازى مع الإصلاح الاقتصادى، وفى الوقت ذاته ظل مبارك وحزبه الوطنى الحاكم لا ينظرون للناصريين والوفديين ولا يُحركون ساكنًا وتركوا مصر بدون إصلاح.
زادت الأعباء كثيرًا بعد أحداث 25 يناير 2011، وخلال عام حُكم «الإخوان» كانت مصر قريبة من وصفها بـ(الدولة المُقبلة على الفشل) طبقًا للشروط التى حددتها الأمم المتحدة ومنها، أنها دولة غير قادرة على حماية جزء من أراضيها وغير قادرة على الالتزام بتقديم خدمات لمواطنيها وتحقيق حياة كريمة لهم ودولة معرضة للإفلاس.. لم يهتم محمد مُرسى «المعزول» بالتصدير ولا بالتصنيع ولا بالإنتاج ولا بالزراعة ولا بتحسين أحوال المصريين ولا بتحسين الأوضاع المقلوبة لميزانية الدولة، بل اهتم بالديون وبتمكين الإخوان من المؤسسات وتعيين كوادرهم فى وظائف، ولم يُصْلِح حتى (مطب) فى شارع.. فزادت الخطورة على ميزانية الدولة، وأصبحت مصر قاب قوسين أو أدنى من الإفلاس الاقتصادى. 
وحينما تولى المستشار عدلى منصور، السلطة، لم يكن لديه أى تحرُّك من أى نوع لا على المستوى الاقتصادى ولا السياسى ولا الاجتماعى، فقد كُنا نرى النار تلتهم منشآت جامعة الأزهر وهو بيتفرج، وأشعل الإخوان الحرائق فى جامعة القاهرة وهو بيتفرج.. وحينما تولى الرئيس السيسى المسئولية كانت شعبيته طاغية، لكنه كان فى مُفترق طُرق، ماذا يفعل أمام اقتصاد مُهلهل وسلبية مُنتشرة بين القيادات جعلت أيديهم مُرتعشة خائفة من إتخاذ قرارات ضرورية ولا بد منها؟ هل يستغل شعبيته لحسابه أم لحساب الوطن؟ هل يُقِدِم على إصلاحات اقتصادية طال انتظارها منذ 40 عامًا؟ أم أن عليه الاستمرار فى سياسة «الطناش» والسلبية واللا مُبالاة وإغماض العين عن الدعم؟ هل يسير فى الطريق الشائك ويُصلح الاقتصاد؟ أم يخاف على شعبيته ويختار الطريق الأسهل؟ هل يختار شعبه أم شعبيته؟ 
منذ اليوم الأول، اختار السيسى شعبه، وقرر تحمل المسئولية، والسير فى الطريق الصعب، وتحقيق الإصلاح الاقتصادى، وكان المهندس شريف إسماعيل وزيرًا للبترول وقتها، وقدم خطة لترشيد الدعم ووصوله لمستحقيه، حتى لا تتحمل خزينة الدولة مليارات فى الهواء لا يستفيد منها الفقير ومحدودى الدخل ويستفيد منها الغنى، على الفور وافق السيسى على الخطة، وتم تصعيد شريف إسماعيل لرئاسة الحكومة ليسُهل عليه تنفيذ الخطة، كان الاحتياطى النقدى فى البنك المركزى هزيلًا، وتم عرض الخطة على صندوق النقد الدولى ووافق عليها وحصلت مصر على قرض، وكانت جميع الأطراف مُستعدة لتحمل المسئولية، فمصر لن يبنيها إلا أهلها ولن يحميها إلا رجالها ولن يتحملها إلا شُرفاؤها ولن يُصلحها إلا أبناؤها ولن يجنى ثمار نهضتها إلا شبابها ولن يُعمرها إلا سواعد أبطالها.
وخلال السنوات الأربعة الماضية، تغيرت مصر عن ذى قبل، مدن جديدة ومساكن لمحدودى الدخل ومسح العشوائيات من خريطة مصر، وطرق وكبارى ومشروعات قومية كبرى فى جميع المحافظات، وشعر الشعب المصرى بجهود الرئيس السيسى وقرر إعادة انتخابه مرة أخرى، ونحن على مشارف المدة الرئاسية الثانية للرئيس السيسى نطرح السؤال الصعب: هل سيستمر الرئيس السيسى فى سياسة الإصلاح الاقتصادى أم لا؟ هل سيتوقف عن تنفيذ الخطط المرسومة للإصلاح؟ من الواضح أن «السيسى» الجراح الذى يمسك فى يده المشرط ويُجرى عملية جراحية عاجلة وضرورية للإقتصاد المصرى ولا بد من استمراره فى الجراحة
الاقتصاد المصرى ما زال يحتاج «مشرط السيسى» ولا بد من السير فى خطط الإصلاح بدلًا من العودة لـ(المربع صفر). 
--------
اقتباس: مصر لن يبنيها إلا أهلها ولن يحميها إلا رجالها ولن يتحملها إلا شُرفاؤها ولن يُصلحها إلا أبناؤها ولن يجنى ثمار نهضتها إلا شبابها ولن يُعمرها إلا سواعد أبطالها.