الخميس 02 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

من دفتر "الغلابة".. مرضى في مواجهة غلاء الدواء: "علاجنا ع الله" تقرير: 450 دواءً مستوردًا لا يوجد لها بديل في الأسواق.. و"الصحة" ترفع أسعار 4 آلاف صنف خلال عامين

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

استندت بظهرها على الباب الحديدى الصدئ لمبنى الوحدة الصحية بقرية الشخلوبة، إحدى قرى محافظة كفر الشيخ، حاملة طفلتها الصغيرة بين يديها وكأنها تتضرع بها إلى أحد.. أى أحد يُنقذ وليدتها التى أتمت عامها الثانى قبل شهر واحد.


نجلاء سعيد، أم لثلاثة أطفال، سعيد ٦ أعوام، وهبة ٤ سنوات، وأخيرًا رودينا صاحبة العامين، يعمل زوجها باليومية فى أحد المقاهى الصغيرة بالقرية. تقول نجلاء: «مرضت ابنتى قبل نحو شهر، وأبلغنى طبيب الوحدة الصحية بأنها مصابة بضيق فى أحد شرايين الدم».
وتتابع، أنه كتب لها على بعض الأدوية، والتى ليست فى حيازة الوحدة الصحية، ولا بد من شرائها، ولأن ثمنها مرتفع، فلم تستطع لا هى ولا زوجها الحصول على الدواء، ولو مرة واحدة لعلاج الطفلة الصغيرة. متابعةً: «لم أكن أعلم أن أسعار الدواء ارتفعت بهذا الشكل».
رفعت وزارة الصحة، أسعار نحو ٤ آلاف صنف دواء خلال العامين الأخيرين تباعًا، كانت الأولى فى منتصف العام ٢٠١٦، بعدما قررت الوزارة زيادة أسعار ١٣٠ نوعًا من الأدوية بنسب تراوحت بين ١٠ و٤٠ ٪. ثم وعقب قرار تعويم الجنيه، اضطرت الوزارة بعد ضغوط أصحاب مصانع الدواء، كما وُصف وقتها، لزيادة أسعار ٣ آلاف صنف، على رأسهم أدوية علاج القلب والسكر والسرطان.
«رجونا من الطبيب أن يشير علينا بدواء بديل، لعدم استطاعتنا شراء بديل» تقول نجلاء. واجه كثير من الأسر المصرية، نفس الأزمة ليس السبب الوحيد هو ارتفاع أسعار الدواء، ولكن لندرة المعروض من البدائل، نظرًا لوجود أزمة، حسبما أعلنت غرفة صناعة الدواء، خلال النصف الأول والثانى من العام ٢٠١٧، فى تصنيع الدواء وبدائله «المثائل».
عضو غرفة صناعة الدواء، الدكتور محمد البهي، يعلق، بأن ارتفاع أسعار الدواء، كان نتيجة طبيعية لقرارات الحكومة الاقتصادية خلال نوفمبر ٢٠١٦، بدءا بتعويم الجنيه، وما ترتب عليه من انخفاض لقيمة الجنيه أمام الدولار.
ويتابع، أن كل خامات الدواء مستوردة من الخارج، وبالتالى ارتفعت أسعارها، وكان يجب ذلك، لأن هذه مصانع يعمل بها مئات العمال، ويحتاج أصحابها لتحصيل هامش ربح.
يقول مركز «الحق فى الدواء» فى تقرير له، صدر خلال العام المنقضي، أن هناك أكثر من ٤٥٠ عقارًا لا توجد لها بدائل فى الأسواق، ٨٠ ٪ منها تقل أسعارها عن ١٥ جنيها، مشيرًا إلى أن هذه الأدوية هى التى اختفت من السوق وتسببت فى تفاقم أزمة نقص الدواء حتى الآن.
مصر من أكبر الأسواق استهلاكًا للأدوية فى الشرق الأوسط، إذ يلفت تقرير لشركة I.M.S، وهي؛ المصدر العالمى لمعلومات وتحليلات الأسواق الصيدلانية العالمية الصادرة حول سوق الأدوية، مقرها الرسمى بنيويورك، إلى أن حجم مبيعات سوق الدواء فى مصر بلغ ٤٠ مليار جنيه.
ويُضيف تقرير المؤسسة السنوي، أن حجم مبيعات الشركات الأجنبية العاملة فى مصر، بلغ ٢١ مليار جنيه، وتستحوذ الشركات على ٦٣ ٪ من السوق المصرية.
أفاقت الطفلة الصغيرة من شبه الإغماءة التى كانت عليها، والتمعت عيناها العسليتان، فيما راحت أمها تُقبلها، وكأنها عادت من رحلة طويلة.
وتعلق نجلاء سعيد، قائلة: «استعضنا عن الدواء، باستخدامنا كثيرا بعض الأعشاب، مما يُطلقون عليه «العلاج التقليدي»، بسبب أسعار الدواء، فلا أنا ولا زوجى نمتلك تأمينا صحيا، قد يساعد فى علاج رودينا، ولا الحكومة منحتنا مساعدة من جانبها».
بحسب المادة الـ١٨ من الدستور المصري، فإن الدولة مسئولة عن توفير الرعاية الصحية بمعايير معينة، وتخصيص نسبة لا تقل عن ٣ ٪ من الناتج القومى الإجمالى لموازنة الصحة سنويًا، مع خضوع جميع المنشآت الصحية لرقابة الدولة.
لكن شيئًا من هذا لم يحدث، على الرغم من صدور قانون التأمين الصحى قبل أشهر، والذى لا تزال لائحته التنفيذية قيد المناقشة حتى الآن. وبحسب إحصائيات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، بلغ عدد المستشفيات العامة والمركزية نحو ٥٥٠ مستشفى، علاوة على نحو ٥ آلاف وحدة صحية تنتشر بين القرى والنجوع بالمحافظات المختلفة، كثير منها يعانى غياب الإمكانيات وتوافر الأدوية.


ومن جانبه يقول الدكتور إيهاب الطاهر، الأمين العام للنقابة العامة لأطباء مصر، إن وزارة الصحة تُعانى عجزًا ماليًا ولا تمتلك توفير الموارد المالية اللازمة لحلحلة أزمات الدواء أو تنفيذ استراتيجية وقائية طويلة المدى. متابعًا أنه ينبغى التقيد بالميزانية التى رصدها الدستور المصري، وهى ٣ ٪، من أجل توفير منظومة صحية جيدة للمواطن.
ويطالب الدكتور محمد نصار عضو مجلس إدارة جمعية تطبيق وتطوير مهنة الصيدلة، بتعديل نظام التسعير الجبرى القديم لمنظومة الدواء، وتقنين نسب الربح حتى تكون أكثر ملاءمة وعدالة، إضافة لضرورة إنشاء مجلس أعلى للدواء فى مصر، يكون مسئولًا عن وضع التشريعات والسياسات الدوائية الثابتة والقابلة للتنفيذ، يشترك فيها عدد من الهيئات الاقتصادية والوزارات المختلفة.
وكان لمواقع التواصل الاجتماعي، نصيب من أزمة نقص الدواء، حيث أطلق عدد من رواد هذه المواقع «مبادرة» لتوفير الأدوية الخاصة بالحالات الحرجة والأمراض المزمنة، تحت شعار «الدواء حق»، خاصة تلك الأدوية الخاصة بأمراض «فيروس سى والسرطان والكبد».
«الأيد قصيرة والقرش عزيز اليومين دول.. لكن ربنا هو الشافى»، هكذا رددت نجلاء سعيد الأم، الكلمات، وهى تذهب لتلحق بدورها فى طابور الكشف لدى طبيب الوحدة الصحية.