رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

حكايات من دفتر "الغلابة".. "رأفت".. مدرس صباحًا وبائع أقمشة بعد الظهر.. و"إسماعيل": موظف بمحلى "دشنا" نهارًا.. وصاحب بقالة ليلا

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

يعيش معظم المصريين على أمل، الوظيفة الحكومية، ولعل أكثر ما يُعبر عن ذلك المثل الشعبى الأكثر انتشارًا، «إن فاتك الميرى اتمرغ فى ترابه»، الذى يتحدث عن السعى للحصول على المهنة الحكومية، وعدم تركها والتمسك بها فى كُل الظروف.


لكن واقع مُعظم موظفى الحكومة ينطبق تحت بند آخر، هو؛ المثل الشعبى الشهير؛ «سبع صنايع والبخت ضايع»، الذى يُقال دائمًا كناية عن شخص يمتلك العديد من المهن والحرف لكن حظه غير جيد، كون بعضهم يعيش فى فقر وحاجة، رغم معرفته بالعديد من أنواع الصنعة التى يمارسها «بعد الضُهر» لسد حاجته واحتياجات بيته.
بعد سنوات عدة من العمل، رُبما تُقارب ١٥ عامًا، بوزارة التربية والتعليم، يعود «رأفت. ن»، المُدرس بإحدى مدارس إدارة العمرانية التعليمية، إلى منزله فى تمام الثانية ظُهرًا كُل يوم، فى غير الإجازات الرسمية، ليستريح ساعتين، ثم يبدأ عمله الثاني؛ بائع أقمشة. 
دون عدد ساعات مُحددة، يقوم «رأفت» بالنزول من مسكنه فى الطالبية قاصدًا منطقة العتبة؛ لشراء ملابس أطفال، وسيدات بأسعار مُخفضة ومن ثم شحنها فى إحدى السيارات المتوجهة إلى محافظة سوهاج؛ حيث محل ميلاده وأصدقائه التُجار.
يقول صاحب الأربعين ربيعًا، وفى صوته حدة: «مفيش موظف ما بيشتغلش شغلانتين وتلاتة، مُعظم الموظفين كده، يعنى هيجيب منين مصاريف بيته ومصاريف مدارس أولاده!». راتب «رأفت» لا يتخطى ١٨٠٠ جنيه، كما أن عمله كمدرس خصوصى لبعض التلاميذ، ممن على صلة قرابة به، لا يكفى لسد احتياجات بيته الشهرية، لذا يلجأ إلى «تجارة الهدوم» لزيادة دخله الشهري.
يستطرد رأفت: «الأيام اللى ما بديش فيها دروس بنزل العتبة أجمع شُغل؛ ملابس أطفال وحريمي، وأشحنها وأنزلها قنا، لتُجار أصحابى هناك، مُقابل فرق كام جنيه عن كل قطعة بيستلموها من سعرها اللى اشتريته بيه». موضحًا أن راتبه لا يكفى مصاريف بيته، المكون من زوجته وطفل، عمره ٣ سنوات، وابنتان، أكبرهما لم تتخط بعد ١٢ عامًا».
يُتابع، فى صوتٍ مرتفع: «شُغل بعد الضُهر بقى العادى بتاع الموظفين، فيه مدرسين أصحابى بيشتغلوا صنايعية؛ نقاش، سباك، أى حاجة تجيب ٨٠ جنيه فى اليوم، ظروف الموظفين صعبة، ومرتبات ١٢٠٠ جنيه و١٥٠٠ جنيه مابقتش تجيب حاجة اليومين دول».
وأضاف رأفت، أن بعض أصدقائه الموظفين يلجأون، كثيرًا، إلى العمل فى شركات أمن أو مطاعم أو سائقى سيارات، ملاكى وميكروباص، لزيادة دخولهم المتدنية، لدرجة أن من لا تسمح له صحته بالعمل خلال ساعات محددة، يضطر اللجوء لأعمال أُخرى خفيفة؛ كتركيب «أطباق دشّ» أو تجارة كل ما يمكن بيعه، طالما لا يتعارض مع الدين ولا يُخالف قوانين الدولة.
«رأفت» نُسخة مُكررة لأغلب الموظفين فى ربوع مصر، فعلى بُعد عشرات الكيلومترات من العاصمة القاهرة، يعمل «بدوى إسماعيل» موظفًا بالمجلس المحلى، بإحدى قرى شرق مركز دشنا بقنا نهارًا، وصاحب بقالة، بعد الضُهر. يقول الرجل الخمسيني: «المُرتبات ما بتجبش حاجة، سنين بنشتغل فى الحكومة والمرتب ماوصلش ٢٠٠٠ جنيه، فى حين أن كيلو اللحمة بأكتر من ١٢٠ جنيها، فلازم نشتغل حاجة واتنين تاني».
ويستطرد، فى لهجة صعيدية: «البيوت والعيال بيصرفوا كتير.. فتحت دُكانة بقالة، على قدها، علشان تساعد فى المصاريف، لا معانا زرع ولا طين ولا بهيمة، كل اللى معانا قروش الحكومة والدكانة وشهرنا بيمشى بالستر، الدنيا غليت». مُشيرًا إلى أن بعض أبناء قريته، من الموظفين، يضطرون أحيانًا إلى العمل كـ«أنفار» فى الزراعة، خاصة فترة مواسم؛ جمع القصب والقمح؛ حيث إن مرتباتهم لا تتجاوز ١٢٠٠ جنيه فى أفضل الأحوال، فى حين أن اليومية تكون ٧٠ و٨٠ جنيها.