الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

العالم

طهران تنتظر السنوات العجاف

ترامب
ترامب
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
نفذ الرئيس الأمريكى دونالد ترامب تعهداته التى رددها أكثر من مرة، وأعاد الملف الإيرانى إلى نقطة ما قبل الاتفاق النووى ٢٠١٥ بما يترتب على ذلك سياسيًا وعسكريًا واقتصاديًا، وبعيدًا عن التأثيرات السياسية لقرار ترامب على المستوى الإقليمى والعالمى، ستكون العقوبات الاقتصادية هى التحدي الأكبر للنظام الإيرانى داخليًا، وذلك نظرًا للوضع الاقتصادى الهش الذى تعيشه إيران الآن، وبمجرد إعلان ترامب عن قراره، بدأ تنفيذ إجراءات عقابية ضد الحكومة الإيرانية ضمن برنامج العقوبات الاقتصادية.
إجراءات فورية
يقضي قرار ترامب بالامتناع فورًا عن أى عقود جديدة مع الحكومة الإيرانية، ويعطي مهلة من ٩٠ إلى ١٨٠ يومًا حتى إنهاء أى تعاملات أو عقود عالقة، ومنذ لحظة صدور القرار تم حظر أى تعاملات مع البنك المركزى الإيرانى، وعقب قرار ترامب أعلن منوتشين وزير الخزانة الأمريكى إلغاء الصفقات التى تم توقيعها بين شركتي بوينج وإيرباص مع شركات الطيران الإيرانية، وهى صفقات بلغت قيمتها ٣٨.٦ مليار دولار.
وفى ١١ يوليو سيتم استئناف العمل بالعقوبات ضد ٤٠٠ شركة ومؤسسة تابعة لإيران، وخلال الستة أشهر المقبلة تدخل عقوبات أخرى حيز التنفيذ وفق الترتيب التالى:
بحلول السادس من أغسطس (٩٠ يومًا منذ صدور القرار) يُمنع التعامل مع أى سندات حكومية أو عملات إيرانية، وتتم معاقبة أي شخص أو كيان يساعد الحكومة الإيرانية على شراء الدولار الأمريكى، كما يبدأ العمل بالعقوبات المقيدة لتجارة الذهب والمعادن النفيسة والفحم، والألومنيوم والصلب، وقطاع السيارات والمنتجات الفاخرة مثل السجاد الإيرانى والكافيار.
وقال وزير الخزانة منوشين إن الشركات الأمريكية التى تريد أن تطلب استثناء أو ترخيصًا خاصًا لتجنب العقوبات، يجب عليها تقديم طلب وستتم دراسته والرد عليه.
وبتاريخ ٤ نوفمبر (١٨٠ يومًا منذ صدور القرار) يبدأ العمل بالعقوبات التى تستهدف قطاع الطاقة، ويتم فرض عقوبات على أى شخص أو شركة تتعامل مع قطاع الطاقة الإيرانى أو شركات النفط الإيرانية، وهو ما يعني تأخر تطوير الحقول الإيرانية وتقليص وجود النفط الإيرانى فى السوق العالمية، وتجميد اتفاقيات أبرمت بين شركات غير أمريكية وبين إيران، مثل اتفاقية شركة «توتال» مع شركة الصين الوطنية للبترول لتطوير المرحلة الـ١١ من حقل غاز جنوب فارس البحرى، وذلك بالإضافة إلى فرض عقوبات على المؤسسات المالية الأجنبية التى تجرى معاملات كبيرة مع البنك المركزى الإيرانى.
ونصحت الولايات المتحدة الدول التى ترغب فى تجنب العقوبات على مؤسساتها المالية تخفيض حجم مشترياتها من النفط الخام الإيرانى خلال فترة ١٨٠ يومًا، ورغم إعلان ألمانيا وفرنسا وبريطانيا تمسكهم بالاتفاق النووى الموقع مع إيران، إلا أن اتحاد غرف التجارة والصناعة الألمانية حذر من أن الشركات الأوروبية ستواجه عقوبات فى الولايات المتحدة إذا وضع شركاؤها الإيرانيون على قوائم العقوبات الأمريكية، كما دعا السفير الأمريكي فى برلين «ريتشارد غرينيل» الشركات الألمانية التى تتعامل مع إيران، أن تخفض فورًا مستوى عملياتها حتى الوقف التام. وأثبتت الولايات المتحدة الأمريكية أكثر من مرة على قدرتها على تنفيذ مثل هذه العقوبات الاقتصادية، كان آخرها حين أجبرت بنك Commerzbank وبنك Paribas الفرنسى على دفع أكثر من ١٠ مليارات دولار فى عام ٢٠١٤، بسبب خرق العقوبات المفروضة على إيران.
أمام كل هذه التغيرات هل يمكن أن يصمد الاقتصاد الإيرانى؟
مر الاقتصاد الإيرانى فى الثلاث سنوات الأخيرة بتغيرات كبيرة وفترات صعود وهبوط، فعقب توقيع الاتفاق النووى عام ٢٠١٥، تحسنت الأرصدة الخارجية وأرصدة الموازنة لدى الحكومة الإيرانية، وذلك نتيجة نمو الصادرات النفطية، وأشارت التقديرات إلى زيادة فائض الحساب الجارى إلى ٦.٥٪ من إجمالى الناتج المحلى فى ٢٠١٦ بسبب رفع العقوبات المفروضة على الصادرات النفطية، وسيطرة مناخ التفاؤل الذى كان موجودًا وقتها حيث بدا أن طريق الاستثمارات الأوروبية والأمريكية إلى إيران مفروش بالورود.
كما انخفض عجز الموازنة عام ٢٠١٦ بسبب النمو القوى فى الإيرادات، ووصل العجز إلى حوالى ١.٥٪ من إجمالى الناتج المحلى، وشهد العام نفسه انخفاض معدل التضخم السنوى لأقل من ١٠٪، وهى المرة الأولى منذ ٢٥ عامًا يصل فيها التضخم لهذه المستويات، كما انتعش الاقتصاد الإيرانى، ووصل معدل النمو إلى حوالى ٦.٤٪.، لكن بوصول ترامب للبيت الأبيض وتهديده بالانسحاب من الاتفاق النووى، أحجمت شركات عديدة عن تنفيذ تعهداتها بالاستثمار فى إيران وامتنعت عن نقل أموالها فعليًا إلى البلاد، وفضلت الانتظار لمعرفة إن كان سيتم فرض العقوبات الأمريكية مجددًا.
وكان الرئيس الإيرانى روحانى قد توقع أن تجذب إيران استثمارات بقيمة ٥٠ مليار دولار فى العام الأول عقب توقيع الاتفاق، لكن بحسب البنك الدولى، بلغت قيمة الاستثمارات الأجنبية المباشرة فى إيران ٣.٤ مليارات دولار فى ٢٠١٦، وهو ما مثل خيبة أمل كبرى أمام الشعب الإيرانى، وحتى الآن لا تزال الكثير من البنوك الأجنبية تخشى أى تعامل مالى حتى ولو كان ارتباطه بإيران عرضيًا، وهو ما أدى إلى انخفاض قيمة العملة الإيرانية بشكل حاد فى مقابل الدولار الأمريكى، ودفع الحكومة الإيرانية لأن تتخذ قرارًا بتثبيت سعر الصرف، وانعكس ذلك فى زيادة أسعار السلع، وأدى لخروج عشرات الاحتجاجات فى عدة مدن خلال الأسابيع القليلة الماضية. وتبدو الدولة الإيرانية الآن فى صورة حرجة حين نتحدث عن الاقتصاد الإيرانى، لكن تتغير هذه الصورة عند الحديث عن النفوذ الإقليمى، وهو ما يُظهر المشكلة التى يراها بوضوح المواطن الإيرانى، الذى يدرك أن المغامرات الإقليمية لنظام الملالى لن تولد إلا المزيد من الضغط على الاقتصاد الإيرانى، ويأتى قرار ترامب ليضع المواطن بين سندان حكم الملالى ومطرقة العقوبات الأمريكية.