الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

ترامب يسحب جائزة إيران بعد تعاونها مع أمريكا في الربيع العربي.. واشنطن تتوعد طهران بـ"عُزلة" دبلوماسية واقتصادية.. وروحاني يأمر المنظمة الذرية باستئناف تخصيب اليورانيوم

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
فعلها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وانسحب من الاتفاق النووي مع إيران، ضاربا عرض الحائط بكل التحذيرات والمناشدات له بعدم الإقدام على هذا القرار، لاسيما من جانب حلفائه الأوروبيين الذين لم يخفوا قلقهم ومخاوفهم من التداعيات الخطيرة لقرار الانسحاب على مستقبل الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط والعالم.
ولم يكتف ترامب بالانسحاب من الاتفاق، الذي قال إنه فشل في الحد من طموحات إيران النووية ومشروعها التوسعي في المنطقة، وكذلك تطوير برنامجها للصواريخ البالستية، بل قرر فرض سلسلة جديدة من العقوبات ضد طهران، محذرا من أن واشنطن ستفرض عقوبات أيضا على أي دولة تساعد إيران، فيما توعد وزير خارجيته مايك بومبيو، طهران بـ"عُزلة دبلوماسية واقتصادية".


كانت إيران قد وقعت هذا الاتفاق في فيينا عام 2015، مع الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن (الولايات المتحدة، وروسيا، والصين، وفرنسا وبريطانيا) إلى جانب ألمانيا، وينص الاتفاق على التزام طهران بالتخلي، لمدة لا تقل عن 10 سنوات، عن أجزاء حيوية من برنامجها النووي، وتقييده بشكل كبير، بهدف منعها من امتلاك القدرة على تطوير أسلحة نووية، وذلك مقابل رفع العقوبات عنها.
لكن ترامب ومنذ أن كان مرشحا في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، لم يخف رفضه لهذا الاتفاق الذي وقعه سلفه باراك أوباما، وقد تعهد خلال حملته الانتخابية بالانسحاب منه وهو التعهد الذي أوفى به أخيرا بعد شهور من التردد نتيجة ضغوط وتحذيرات حلفائه الغربيين وبعض مستشاريه من تداعيات هذه الخطوة، وتقول واشنطن إن طهران استغلت الاتفاق ورفع العقوبات الاقتصادية عليها من أجل تعزيز ترسانتها الصاروخية، والمضي قدما في تطوير برنامجها النووي بشكل بات يمثل تهديدا للمصالح الأمريكية في المنطقة، لكن طهران تؤكد باستمرار أن برنامجها النووي مصمم للأغراض السلمية.
ويطرح الانسحاب الامريكي من الاتفاق النووي الإيراني أسئلة عديدة حول التداعيات والسيناريوهات المحتملة لهذه الخطوة سواء على صعيد رد الفعل الإيراني وخيارات طهران إزاء هذه الخطوة، أو بالنسبة للوضع في المنطقة واحتمالات اندلاع حرب إقليمية في الشرق الأوسط، أو فيما يتعلق بالعلاقات الأمريكية الاوربية وتأثير هذا القرار عليها، ومدى قدرة الدول الأوروبية على انقاذ الاتفاق أو تحدي الموقف الأمريكي من إيران؟ وإين تقف إسرائيل من كل ما يحدث هذا الملف؟.
الرد الإيراني على الخطوة الأمريكية أظهر حرصا على انقاذ الاتفاق لا الانسحاب منه، حيث سعت طهران بذكاء دبلوماسي للبناء على الموقف الأوروبي المتمسك بالاتفاق والمعارض بوضوح لقرار ترامب، وعلى عكس ما كان أعلنه "علي أكبر ولايتي" مستشار مرشد الجمهورية الإيرانية للشؤون الخارجية من أن بلاده لن تبقى في الاتفاق النووي في حال انسحبت منه الولايات المتحدة، جاءت تصريحات الرئيس الإيراني حسن روحاني لتعكس تمسك طهران بالاتفاق، فقد أكد روحاني أن انسحاب واشنطن منه لا يعني إلغاءه، وقال إن "الاتفاق لم یكن ثنائي الجانب كي تلغيه أمريكا" مضيفا "الاتفاق بات اليوم بين إيران و5 دول أخرى، دون الوجود الأمريكي".
ورغم إعلانه إرسال وزير خارجيته محمد جواد ظريف إلى الدول الخمس التي لم تنسحب في محاولة لإنقاذ الاتفاق، إلا أن الرئيس الإيراني لوح في الوقت نفسه بخيارات أخرى في حال فشلت هذه المحاولة في ضمان مصالح إيران، ومن هذه الخيارات استنئاف تخصيب اليورانيوم بمعدلات اكثر من ذي قبل، حيث قال روحاني إنه أمر المنظمة الذرية الإيرانية "بأنه متى دعت الحاجة، سنستأنف تخصيب اليورانيوم أكثر من قبل".
ويرى مراقبون أن إيران، وفي حال فشلت جهود انقاذ الاتفاق، قد لا تكتفي فقط بتخصيب اليورانيوم ردا على الموقف الأمريكي ولاسيما ما يخص تشديد العقوبات الاقتصادية عليها والتي من شأنها ان تلحق اضرارا كبيرة بالاقتصاد الإيراني الذي كان قد بدأ في التعافي بعد عقود من العقوبات والحصار الأمريكي.
ولا يستبعد أن تلجأ إيران إلى خطوات تصعيدية اخرى دفاعا عن مصالحها، وربما يصل الأمر إلى نشوب حرب في المنطقة، لاسيما وأن التيار المتشدد في إيران يرى أنه لا جدوى من البقاء في الاتفاق بعد انسحاب واشنطن منه.
وفيما يتعلق بالتداعيات الإقليمية لقرار الانسحاب الأمريكي واحتمالات نشوب حرب في المنطقة، يرى محللون أن المواجهة مع إيران باتت بعد هذا القرار، الأقرب ربما منذ أزمة الرهائن الأمريكيين في طهران عام 1979، لكن ذلك لا يعني أن الحرب ستقع غدا، لكنه يعني أن المواجهة تحولت إلى احتمال حقيقي.
وفي هذا السياق، يتوقع المحللون أن تلجأ طهران لسياسة أكثر عدائية بعض الدول خليجية على رأسها السعودية لاسيما في حال فشلت محاولات انقاذ الاتفاق، ولا يستبعد في هذه الحالة أن تتواصل وربما تتسع الحروب الحالية بالوكالة بين إيران وحلفاء واشنطن في المنطقة كما يحدث في سوريا، أو اليمن، ولبنان والعراق، حيث قد تشجع طهران بعض الميلشيات والجماعات الموالية لها في تلك الدول على شن هجمات ضد القوات الأمريكية.
ومما يزيد احتمالات تصاعد التوتر وعدم الاستقرار وربما الحرب في المنطقة، أن قرار ترامب يأتي في وقت تتصاعد فيه التهديدات المتبادلة بين إيران وإسرائيل على خلفية الدور الإيراني في سوريا وهو دور بات يثير المخاوف الإسرائيلية، فقد نشرت إسرائيل منظومات للدفاع الجوي تحسبا لهجوم إيراني ردا على الهجوم الذي شنته إسرائيل على قاعدة عسكرية في سوريا، يخدم فيها عسكريون إيرانيون وأدت إلى مقتل عدد من هؤلاء العسكريين، وفي ظل كل هذا التوتر يخشى كثيرون من أن يزيد الانسحاب من الاتفاق النووي من المخاطر القائمة بالفعل لاندلاع حرب بين البلدين ربما يتسع نطاقها في الشرق الأوسط بكامله.
على صعيد الموقف الاوربي كان قرار الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي مع إيران إعلانا عن فشل المحاولات الأوروبية التي بذلت على مدى شهور لإقناع ترامب بالعدول عن قراره إذ طالما شّكل الاتفاق النووي أحد القضايا الخلافية بين واشنطن وحلفائها الأوروبيين الذين يتمسكون بالاتفاق، ويحذرون من أن فشل سيؤدي لاندلاع سباق تسلح نووي في الشرق الأوسط.

وأعرب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، عن أسف بلاده وألمانيا وبريطانيا لقرار واشنطن، محذرا من أن نظام حظر الانتشار النووي "بات في خطر، فيما أكدت الممثلة العليا للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية فيدريكا موجريني، التزام الاتحاد بالحفاظ على الاتفاق النووي مع إيران، وفيما بدا تطابقا مع الموقف الإيراني قالت موجريني إن "الاتفاق النووي مع إيران ليس اتفاقًا بين طرفين، وبالتالي لا يسع أي دولة أن تلغيه من جانب واحد".
لكن الموقف الأوربي المتمسك بالاتفاق النووي مع إيران والجولة المرتقبة لوزير الخارجية الإيراني في هذه الدول بحثا عن حل، يطرح تساؤلات حول مدى قدرة الدول الأوروبية، خصوصا بريطانيا وفرنسا، على إنقاذ هذا الاتفاق من خلال تقديم ما يقنع إيران بالبقاء في الاتفاق، دون الدخول في صدام مع الحليف الأمريكي.
وفي هذا الصدد، يرى دبلوماسيون ومحللون غربيون أن قدرة أوروبا على إنقاذ الاتفاق النووي تعتمد بشكل كبير على رد فعل الشركات الأوروبية على الوضع الجديد وكيف ستحاول أمريكا معاقبة هذه الشركات التي تتعامل مع إيران، خصوصا أن أوروبا هي أكبر شريك اقتصادي لإيران، لكن هناك من يرى أنه سيكون من الصعب على أوروبا تجاهل الموقف الأمريكي، حيث لا يمكن إجبار البنوك والشركات الأوروبية الكبيرة على القيام بأنشطة تجارية مع إيران، لأنها ستكون عرضة للعقوبات الأمريكية، لكن هذا المأزق الذي تجد الدول الأرووبية نفسها فيه، لن يثنيها، كما يقول محللون،عن مواصلة جهودها لإنقاذ الاتفاق من خلال آليات أخرى من بينها العمل لادخال تعديلات عليه، وهي مهمة لا تقل صعوبة أيضا.
وغير بعيد تبدو إسرائيل الغائب الحاضر في كل ما يشهده هذا الملف من تطورات، ولا بد من الإشارة هنا إلى أن قرار ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووي جاء بعد أيام من إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عما وصفه بـ"ملفات سرية نووية تضم آلاف الصفحات من المواد التي حصلت عليها إسرائيل توضح أن إيران خدعت العالم بإنكار أنها كانت تسعى لإنتاج أسلحة نووية"، كما أن القرار يأتي في وقت تتصاعد فيه نذر المواجهة والتوتر ببين إسرائيل وإيران على خلفية الوضع في سوريا.
وفي ضوء ذلك تبدو إسرائيل الفائز الأكبر من هذا القرار وهو ربما ما يفسر الاحتفاء الإسرائيلي اللافت به، فقد وصفه نتنياهو بأنه "صحيح وشجاع"، في حين قال الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين إنه "خطوة مهمة في ضمان أمن دولة إسرائيل".
وبين أوراق واشنطن الاقتصادية والعسكرية وبين خيارات طهران المرتقبة، تبدو الأوضاع في المنطقة المتوترة أصلا، مفتوحة أمام كثير من الاحتمالات المقلقة.