الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

"عملية دوبلي".. "القاعدة" تخطف الأضواء من "داعش"

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
رغم أن الهجمات في الصومال، لم تتوقف منذ مطلع العام الحالي، إلا أن العملية، التي استهدفت في 7 مايو، قوات حفظ السلام الكينية، تبدو الأكثر خطورة، لأنها تفاقم من تدهور الأوضاع الأمنية هناك، وتشجع حركة "الشباب المجاهدين" المتشددة، المحسوبة على تنظيم القاعدة، على المضي في مخططاتها الرامية لعرقلة تحركات جهود الحكومة المركزية في مقديشيو، لاستعادة الاستقرار في البلاد.
فالعملية أعطت انطباعا بأن تمديد مهمة قوات الاتحاد الأفريقي لحفظ السلام في الصومال "أميصوم"، لم يؤت بنتيجة مثمرة، إذ بقي تهديد الجماعات المتشددة على حاله.
وكان مجلس الأمن الدولي، قرر في أغسطس 2017 تمديد مهمة بعثة "أميصوم" إلى نهاية مايو 2018، وربط حينها هذا التمديد بتحقيق عدة أهداف، أبزرها "إتاحة نقل المسئوليات الأمنية من البعثة الإفريقية إلى قوات الأمن الصومالية، والحد من التهديد الذي تشكله حركة الشباب، وغيرها من جماعات المعارضة المسلحة، والمساعدة على توفير الشروط الأمنية الملائمة لإطلاق مسار سياسي تصالحي في البلاد.
كما نص قرار مجلس الأمن حينها على إجراء "تخفيض إضافي لأفراد البعثة الإفريقية ليبلغ 20 ألفا 626 فردا، بحلول 30 أكتوبر 2018، ما لم يقرر مجلس الأمن تسريع وتيرة تخفيض عدد الأفراد مع مراعاة قدرة رجال الأمن الصوماليين المتاحة حتى ذلك الحين.
ودعا القرار أيضا الأمين العام للأمم المتحدة لمواصلة تقديم الدعم اللوجيستي للبعثة الإفريقية ولـ700 من أفرادها المدنيين، وأكثر من 10 آلاف عنصر من الجيش الوطني الصومالي، الذي يشارك في عمليات مشتركة مع البعثة.
وفيما تقوم "أميصوم" بتخفيض تدريجي لقواتها، في إجراء من المتوقع أن ينتهي في 2020 كجزء من استراتيجيتها للخروج، تتصاعد وتيرة هجمات حركة الشباب، فيما لا تزال الحكومة الصومالية عاجزة عن الإمساك بزمام الأمور، وهو ما يرجح أن الأسوأ لم يقع بعد في هذه الدولة المنكوبة بالأزمات والحروب.
ولعل إلقاء نظرة على العملية الأخيرة، التي شنتها حركة الشباب، يكشف أيضا أنها لا تسعى فقط لعرقلة الحكومة المركزية، وإنما تخطط أيضا لتأليب الرأي العام في الدول، التي تشارك بقوات ضمن "أميصوم"، للضغط على حكومات هذه الدول، لسحب جنودها من الصومال.
ولقي تسعة جنود كينيين، تابعين لبعثة الاتحاد الإفريقي في الصومال، مصرعهم في هجوم شنته حركة "الشباب المجاهدين" في 7 مايو في مدينة "دوبلي" بإقليم جوبا السفلى في أقصى جنوب الصومال، وهي أكبر حصيلة خسائر في صفوف القوات الأجنبية منذ بداية العام الحالي.
وكانت عبوة ناسفة زرعها مسلحو حركة الشباب ألحقت أضرارًا بالغة بالمركبة العسكرية، التي كان يستقلها الجنود الكينيون، وأفاد موقع "الصومال الجديد"، بأنه تم نقل جنديين آخرين تعرضا لإصابات خطيرة خلال الحادث جوا إلى شمال شرق كينيا لتلقي العلاج.
ونعى الرئيس الكينى أوهورو كينياتا، جنود بلاده، الذين قتلوا، في هجوم "دوبلي"، وقال كينياتا، في بيان نشرته وسائل الإعلام الكينية في 8 مايو، إن الجنود الذين قتلوا كانوا ضمن بعثة الاتحاد الإفريقي في الصومال (أميصوم)، وإنهم ضحوا بأرواحهم لبلادهم، وتعهد بعدم التراجع أبدًا حتى يتم إخراج الإرهابيين من الصومال.
وتابع "شعرت بالفزع والحزن عندما علمنا أننا فقدنا تسعة من الشباب الوطنيين في هجوم إرهابي جبان في الصومال. هؤلاء الرجال ضحوا بحياتهم من أجل بلدهم، ومن أجل السلام".
وأضاف كينياتا إن المهمة التي قدم الجنود الكينيون من أجلها كل شيء ستستمر إلى أن "يهزم الإرهابيون الشريرون من حركة الشباب، ويصبح شعب الصومال آمنًا مرة أخرى". 
ويضاف هجوم "دوبلي" لسلسلة اعتداءات نفذتها "الشباب" منذ بداية العام الحالي، ففي 13 إبريل الماضي، زرعت الحركة أيضا قنبلة داخل أحد ملاعب كرة القدم المتواجدة في جنوب الصومال، وأسفرت تلك القنبلة عن تفجير ضخم أودي بحياة أربعة أشخاص و12 جريحا، وجميعهم مشجعين، وحدث الانفجار أثناء مباراة لكرة القدم. 
وعقب هذا الحادث، قالت وزارة الداخلية الصومالية، إن حركة الشباب الإرهابية هي من قامت بهذا التفجير وإنها من أكثر التنظيمات التي تقوم بعمليات إرهابية ضد الدولة والشعب الصومالي. 
وفي 23 فبراير الماضي، لقى حوالى ٢٤ شخصا مصرعهم، وأصيب أكثر من ٣٦ آخرين، فى تفجيرين استهدفا مقديشيو، تبنتهما "الشباب".
وقال مسئول صومالى لوكالة "رويترز" حينها، إن التفجيرين نجما عن سيارتين مفخختين، موضحا أن إحداهما استهدف نقطة أمنية أمام القصر الرئاسي، وأعقبه إطلاق نيران، أما الهجوم الثاني، فقد وقع أمام فندق فى مقديشو، فيما قتل خمسة من المهاجمين.
وتشن حركة "الشباب"، هجمات متكررة للإطاحة بالحكومة المركزية الصومالية، وإقامة حكمها الخاص القائم على تفسير متشدد للشريعة الإسلامية.
وتنفذ الحركة أيضا هجمات في كينيا، معظمها في منطقة تقع على الحدود مع الصومال للضغط على الحكومة الكينية، لسحب قوات حفظ السلام التابعة لها من الصومال.

تقرير أممي صادم 

ومع أن الصوماليين تنفسوا الصعداء مؤخرا باستعادة بعض معالم الدولة، التي انهارت بشكل شبه كامل عقب سقوط نظام سياد بري في يناير 1991، إلا أن بلادهم لا تزال تعاني من عدم الاستقرار، خاصة في ظل تصاعد خطر حركة "الشباب".
وجاء التقرير الأممي، الذي صدر في 7 فبراير الماضي، وأكد تزايد نشاط القاعدة في الصومال، ليزيد من قتامة المشهد هناك، ويبعث برسالة مفادها أن هذه الدولة المنكوبة، التي قامت الدول الاستعمارية بتقسيمها إلى خمسة أجزاء، ومنح أجزاء من أراضيها إلى جيرانها، لا تزال أبعد ما يكون عن استعادة السلام الداخلي. 
وكان تقرير أعده مراقبون تابعون للأمم المتحدة، وتم رفعه لمجلس الأمن الدولي، كشف أن تنظيم القاعدة لا يزال "صامدا بشكل لافت" ويشكل خطرا أكبر من تنظيم داعش في بعض الدول، خاصة الصومال واليمن.
وتسعى القاعدة من خلال حركة "الشباب المجاهدين"، وغيرها لفرض سيطرتها، واحتكار ما تسميه "الجهاد العالمي"، وعدم ترك المجال لتنظيم "داعش" للتمدد في الصومال والقارة السمراء.
وقال سامح عيد، الإخوانى المنشق والباحث فى شئون الحركات الإسلامية، إن تنظيم القاعدة تغلغل في الصومال، مستغلا انتشار الفقر والبطالة، وضعف الحكومة المركزية.
وأضاف عيد في تصريحات لـ"البوابة نيوز"، أن تغلغل القاعدة في الصومال سيساهم فى وصول الإرهاب إلى عدة دول عربية، من أبرزها السودان واليمن.
وتابع "تنظيم القاعدة، اختار منذ البداية الصومال ليكون ملاذا ثانيا بعد أفغانستان، بسبب موقعه الجغرافي الاستراتيجي".
واستطرد " تنظيم القاعدة اهتم بالصومال في بداية فترة التسعينيات، وهي الفترة، التي كان فيها زعيمه أسامة بن لادن، متواجد في السودان".
وأضاف عيد، أن السودان قريب من الصومال، وأن بن لادن أثناء تواجده في السودان، حدثت بينه، وبين إسلاميين في الصومال، الكثير من المباحثات لتأسيس فرع للقاعدة هناك.
وتابع "من أهم الأسباب، التي ساعدت القاعدة على الانتشار والتغلغل، في الصومال، سقوط الحكومة المركزية وضعف الأجهزة الأمنية".
وبدوره، قال خالد الزعفراني، الخبير في شئون الحركات الإسلامية والإخواني المنشق، إن تنظيم القاعدة الإرهابي، تواجد في الصومال عقب سقوط الحكومة المركزية الصومالية عام 1991.
وأضاف الزعفراني في تصريحات لـ"البوابة نيوز"، أن فترة التسعينيات شهدت أزمات سياسية واقتصادية كبرى كان لها تأثير سلبي علي الصومال، وأعطت الفرصة كاملة أمام القاعدة ليتواجد هناك.
وأشار إلى أن العوامل الاقتصادية المتدهورة جعلت عددا كبيرا من أبناء الصومال ينخرطون في العمل الإرهابي، وكانوا طعما سهل لأسامة بن لادن، وبعد ذلك، أيمن الظواهري الزعيم الحالي لتنظيم القاعدة.
وتابع " الحركات الصومالية التي قاتلت القوات الأمريكية التي كانت متواجدة في الصومال في التسعينيات، حدث تعاون كبير بينهم وبين عناصر تنظيم القاعدة ".
وأوضح الزعفراني، أن "من أهم أسباب التواجد المكثف لتنظيم القاعدة في الصومال في التسعينات، أنه كانت تتواجد به قوات أمريكية، وعناصر القاعدة هدفهم الأساسي هو محاربة أمريكا، وبالفعل استطاع التنظيم القيام بالعديد من العمليات الإرهابية خلال فترة منتصف التسعينيات، منها معركة مقديشيو، التي شن من خلالها مجموعة هجمات إرهابية علي القوات الأمريكية المتواجدة هناك حينها، والولايات المتحدة لم تستطي أن تفعل شيء مع عناصر القاعدة، فتركت الصومال".
ولفت الزعفراني إلى أن من أسباب اختيار أسامة بن لادن وأيمن الظواهري الصومال لتكون معقلا أساسيا لتنظيمهم الإرهابي، هو أن الصومال قريب للغاية من اليمن، التي تعتبر من أكبر المعاقل للتنظيمات المتشددة، إضافة إلى وجود طرق تجارية كبيرة بين الصومال واليمن، وهذا ساعد تنظيم القاعدة ليمارس مهامه الإرهابية، من حيث الاتجار بالأسلحة.
ومن ضمن الأمور التي أشار إليها الزعفران" أيضا، أن الصومال لديه فكر إسلامي خاطئ، لأن أغلب المفاهيم التي تعتمد عليها الحركات الإسلامية الصومالية مفاهيم سيد قطب وجماعة الإخوان الإرهابية، وجميعها أفكار سيئة أتاحت الفرصة لتنظيم القاعدة الإرهابي أن يتغلغل في الصومال.
وبالإضافة إلى ما سبق، كشفت صومالية بعنوان "دخول القاعدة فى الصومال النشأة والتطور"، والتى نشرها مركز مقديشو للبحوث والدراسات، للباحث الصومالى فى شئون الحركات الإسلامية، نور عبدالرحمن، عن جذور وبداية وجود تنظيم القاعدة فى الصومال، وأهمية القرن الإفريقى للتنظيم الإرهابي.
وقال الباحث في دراسته، إن أسامة بن لادن زعيم القاعدة الراحل سعى إلى تأسيس مراكز تدريب لعناصر تنظيم القاعدة في الصومال، فتم التواصل بين "بن لادن" والزعيم الدينى الشيخ حسن تركي، والذى يعد أهم شخصية صومالية تواصلت مع بن لادن، وقت إقامة الأخير فى السودان.
وتابعت الدراسة أن تنظيم القاعدة، وجد فى الصومال أرضا خصبة للتمدد، نظرا لحالة الفقر، والوضع المعيشى الصعب، والغياب الأمنى فى البلاد.
ويبدو أن موقع الصومالي الجغرافي يغري بشكل كبير التنظيمات الإرهابية، إذ يقع فى منطقة استراتيجية تربطه بشكل كبير بالبحر الأحمر ومضيق باب المندب، وهو ممر محورى فى حركة التجارة العالمية، بالإضافة إلى قربه من اليمن الحاضن الأول لتنظيم القاعدة فى شبه الجزيرة العربية.
وبصفة عامة، تتوفر في الصومال، كافة العوامل، التي تساعد على ظهور الإرهاب، وانتشاره، وهي ثالوث "الفقر والجهل والمرض"، بالإضافة إلى الصراعات والحروب الداخلية، وانعدام الاستقرار، ونموذج الدولة الفاشلة.