- ما هو أغرب شىء شاهدته فى حياتك؟
- الإنسان.
- كيف ذلك؟
- أتراه شيئا لا يدعو للتعجب؟
- ما هو الذى يدعو للتعجب، الإنسان هو نحن.. هل أنت أغرب شىء شاهدته فى حياتك دون الكون والطبيعة الخلابة والحيوانات؟
- نعم.. أنا شاهدت كل شىء.. مجرات كثيرة تخطف القلوب من روعة جمالها.. بداخلها كوكب صغير لا يعد بها حبة رمل، وهو أغرب ما فيها لأنه ينبض بالحياة دون سواه.. بداخله بحور وأنهار وبراكين وكل شىء يدعو للتعجب والتأمل متكون من ماء أو هواء أو نار أو تراب، عناصر الحياة.. ثم كل شىء حى من النملة والذبابة إلى الأسد، يدعو أيضا للتعجب، فكلٌ يعيش وفق قوانين معينة لا يخرج عنها أبدا وإلا فسدت الطبيعة كلها! ثم يأتى على رأس الهرم، الإنسان، الذى يستدعى وجوده، عدم التعجب من أى شىء آخر.. كائن صغير الحجم، ضعيف الجسد، ضعيف النفس.. يملك عقلًا، ليس موجودا فى كل شىء من أول الكون وحتى الحيوانات.. يحاول به تفسير كل شىء.. يبحث فى نفسه، فى الطبيعة من حوله.. فى الكون من فوقه.. رغم أن حجمه بالنسبة للكون لا يساوى أى نسبة تذكر، إلا أن عدم توقفه عن السؤال وإرادته أن يعرف كل شىء أكبر من هذا الكون، الذى أعتقد أنه خلق بهذا الحجم، كى يظل للإنسان دائمًا شىء يتساءل عنه، لأنه إذا ما فنيت الأسئلة، لم يعد لحياة البشريين أى داع.. عمر الإنسان كما نعرفه آلاف السنين، ورغم كثرة تساؤله إلا أنه استطاع اكتشاف الكوكب كله، والكواكب الأخرى من حوله، بدأ يستكشف المجرات، لكنه لا يزال لم يكتشف نفسه بعد.. الإنسان عالم مستقل، كون شاسع بداخل الكون الذى يحتضنه.. ألا ترى أن أغرب شىء على الإطلاق، هو الإنسان.. الإنسان الذى يموت إذا ما اخترقت ذبابة طبلة أذنه عن طريق الخطأ، ويظن فى نفس الوقت مع معرفته تلك الحقيقة، أنه إله.. يستطيع الإنسان، والإنسان وحده، أن يقف فوق جبل، ويصرخ بأعلى صوت له قائلًا، هذا الكون خلق من أجلى أنا.. وهو يعلم أنه إذا اهتز الجبل سيسقط أميالًا حتى تكسر رقبه كما يقصّف الشعر الذابل، ثم يتساقط ويبلى.
- هل تعرف أنت الاجابة إذن؟ لماذا؟
- هذه أسئلة إجاباتها فردية.. عن نفسى أظن أن الإنسان وحده خلق من روح الكون.. ما خلقها خلقه بشكل مختلف.. يشعر وكأنه يستطيع أن يذوب فى الطبيعة ويستطيع أن يمحوها من الوجود.. يستطيع اختراق كل شىء قالوا عنه من قبله إنه مستحيل.. يستطيع أن يبنى هذا الكون، ويستطيع أن يدمره.. رغم ضعف جسده، فقوة الروح التى بداخله تضاهى أى شىء آخر.. الإنسان سيد الكون.. لكن البعض منهم للأسف يظنون أنهم مجرد عبيد..
- ما هو أعظم سؤال خطر ببالك يومًا؟
- لطالما دارت بعقلى تساؤلات حسبتها عظيمة، لهولها على نفسي، لكن الأعظم من بينها سيكون، أول مرة سألت نفسى فيها، لماذا اهتم كثيرًا برأى الآخرين.. لست أنا وحدي.. بل كل الناس.. الناس العاديين، الذين لا يمتلكون معضلة حيوية مثلي..
- ما من أحد يحيا، إلا ويعيش على رأى الآخرين به.. هذا أول سبب صنعت من أجله محال الملابس الشهيرة وشركات المنتجات التجميلية.. هذا أيضا السبب الرئيسى لاستخدام الناس للكذب.
- كلنا نكذب فى مرحلة أو أخرى من حياتنا حول حياتنا وحول من نكون فى داخلنا.. كلنا نتصنع أشخاصا من الخارج يلائمون الحياة كما يريدها الآخرون.. هناك من يكذب حول طبيعة عمله، وهناك من يكذب عن مكان سكنه، وهناك من يدعى صفاتٍ ليست فيه.. نحن نكبر، وقد ملأت أدمغتنا بضرورة إعجاب الناس بنا.. حتى إذا ما تمنينا فى طفولتنا أن نكبر لنصبح شيئا معينا حين ننضج، فيكون هذا التمنى نابعا من رؤيتنا لإعجاب الناس بهذه الوظائف بالتحديد.. لا نتعلم أن نكون أنفسنا.. لا نتعلم أن نرتدى ما يريحنا، بل ما سيراه الآخرون قيّما وجميلا.
ونستكمل حوارنا الأسبوع المقبل
------------------
-لطالما دارت بعقلى تساؤلات حسبتها عظيمة، لهولها على نفسى، لكن الأعظم من بينها سيكون، أول مرة سألت نفسى فيها، لماذا أهتم كثيرًا برأى الآخرين.. لست أنا وحدى.. بل كل الناس.. الناس العاديين، الذين لا يمتلكون معضلة حيوية مثلى..
