الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

الجزر النيلية والمسكوت عنه

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
الاندهاش شىء يأتى من أن بلادنا تملك كنوزًا فى المحليات اسمها «الجزر النيلية» تُركت للأسف الشديد للإهمال والفساد دون الاستفادة منها، ولا توجد رؤية لتنميتها أو تطويرها من أجل تنمية حقيقية تساهم فى استقرار سكانها، وتزيد من الأوضاع الاقتصادية أو تحسن من الأوضاع الاجتماعية للمقيمين بتلك الجزر النيلية.
وعلى أرض الواقع يوجد فى بلادنا ما يزيد على ١٤٤ جزيرة نيلية موزعة علي ٨١٨ «مركز - قرية - نجع»، وفى ١٦ محافظة.. ٣ بالقاهرة الكبري «القاهرة - الجيزة - القليوبية»، و٧ بالوجه القبلي «أسوان - قنا - الأقصر - سوهاج - أسيوط - المنيا - بني سويف»، و٦ جزر نيلية مواقعها بمحافظات الوجه البحري «المنوفية - الغربية - كفر الشيخ - البحيرة - الدقهلية - دمياط»، وتقدر مساحات تلك الجزر بما يقرب من ٣٨ ألف فدان.
وللأسف فإنه رغم تعدد الجزر النيلية، وتنوعها من حيث مكوناتها بين ثابت وغاطس وشبه غاطس، فإنها أصبحت من المسكوت عنها بسبب الإهمال والتضارب والفساد الواضح وانعدام الرؤية السياسية والاقتصادية والاجتماعية لتطوير تلك الجزر، ولعل ما يؤكد وجهة نظرنا:
أولاً: إن تلك الجزر بمواقعها الجغرافية المهمة للأسف تركت ولايتها وموزعة بين أكثر من أربع وزارات «التنمية المحلية - الري والموارد المائية - الزراعة - وزارة البيئة» مع غيبة للأسف عن أي «تخطيط».
ثانيًا: لا توجد أي قاعدة بيانات موحدة أو صحيحة ولا حتي أولية عن تلك الجزر النيلية، وللأسف ففي الوقت الذي يؤكد مجلس الوزراء أنها ١٤٤ جزيرة.. نجد تضاربًا فى الأرقام الحقيقية عن تلك الجزر.. معهد بحوث الأراضي والمياه يؤكد أن عدد الجزر ٢٠٩، وتقول وزارة الموارد إنها ١٩٧، ونجد هيئة المساحة العامة تشير إلى أن عددها ١٨١، بينما يؤكد معهد بحوث النيل أنها ١٢٨ فأيهما نصدق.. ونحن لسنا فى مزاد «علني».
ثالثًا: وجود غابة من التشريعات بين الدستور والقانون والقرارات الحكومية لرئيس مجلس الوزراء أدت إلى التناقض والتضارب أحيانًا فى عمليات استخدام الأراضي أو صدور التراخيص لهذه الجرز أو حتي الولاية عليها.
ففى الوقت الذي يؤكد فيه الدستور مادة «٣٣» على حماية الملكية العامة والخاصة والتعاونية، مادة «٥٩» التى تؤكد على الحياة الآمنة حق لكل إنسان، ومادة «٧٨» التى تؤكد كفالة حق السكن الملائم والصحي، فضلاً عن القوانين المختلفة ٤٨ لسنة ٨٢ - ٨٩ لسنة ٨٣ ورقم ١٢ لسنة ٨٤ وغيرها من القرارات الحكومية.
وبسبب تلك المشاكل والتعقيديات المتعددة فقد أدى ذلك إلى غياب حقيقي بل إهمال فى حق سكان تلك الجزر الذي يصل عددهم ما يقرب أو يزيد على ٣ ملايين مواطن يعانون من خدمات «الصرف الصحي - التعليم - مياه الشرب - الخدمات الصحية - الأمن» ويتعرضون للمخاطر بسبب التنقل اليومي بين تلك الجزر وضفاف النيل لغياب المعديات والصنادل الآمنة.
وقد أدي ذلك إلى حوادث غرق ووفاة وإصابات الكثير من المواطنين وتركت تلك الجزر للإهمال والفوضي والعشوائية والفساد رغم أن سكان تلك الجزر من العمال والمواطنين ومحدودي الدخل والمنتمين للأغلبية العظمي من الشعب المصري المنتج حيث يعملون فى «الزراعة - والتجارة - البناء والتعمير»، وغيرها من أعمال الصيد فإنهم أصبحوا مهددين، وظهر ذلك جليًا فى الأحداث المؤسفة الساخنة والتى تمت بها مواجهات غير ديمقراطية إلى سكان جزر القرصاية - جزيرة الدهب، وأخيرًا جزيرة الوراق وأحداثها الساخنة، والتى نتج عنها وفاة مواطن وعدد كبير من المصابين من المدنيين والشرطة.
حيث غاب عن المشهد أي حوارات مجتمعية راقية أو حتي إعمال مبادئ الشفافية والحوكمة الرشيدة التى نسمع عنها فى وسائل الإعلام المختلفة وحل مكان لغة الحوار التهديد والوعيد والتشريد، وعلى الجانب الآخر تم التغاضي عن كبار المعتدين على أراضي الجزر النيلية، ومافيا الأراضي والمتاجرين بها.
وظهر ما يسمي بالمشاريع الأوروبية والخليجية، وما يسمي مدن «سكاي لاين»، ومشاريع «التاكسي الطائر»، واليخوت العائمة النائمة والأبراج الفندقية والسكانية من أجل إطلاق سوق عقارية قوية لصالح مجموعة وقلة من رجال وكبار الأثرياء من أجل المتاجرة والمرابحة غير المشروعة على حساب الفقراء.
ومن هنا أصبحت الجزر النيلية بالمحليات هي المسكوت عنه لانعدام وغياب أي رؤية تنموية من أجل الاستدامة فى التنمية لمشروعات زراعية وصناعية وسياحية حقيقية لتطوير تلك الجزر بإمكانياتها الطبيعية والبشرية الجميلة، حيث يمكن الاستفادة من الزراعات للخضراوات الطازجة الطبية، وأشجار التوابل والأعشاب والخضروات المصرية لمحاصيل الخس - الجزر - الفجل والجرجير والطماطم والكرنب والبقدونس، والاهتمام بإدخال الخدمات الخاصة بالصرف ومجمعات القمامة الوسيطة ومحطات مياه الشرب والصرف، وغيرها مع تقنين أوضاع الفقراء والمهمشين لتلك الجزر.
وفى النهاية إن أي تطوير حقيقي للجزر النيلية يتطلب حوارًا مجتمعيًا جيدًا بمشاركة المواطنين والهيئات المختصة والخبراء وأصحاب المصلحة الحقيقية فى تنمية بلادنا.. من أجل تحويل الجزر النيلية إلى مشاريع تنموية حقيقية تعود بخيراتها الاقتصادية والاجتماعية وفرص العمل لشبابنا وتنمية بلادنا.
والمطلوب الآن فك كل تلك التعقيدات والمشاكل وحل التناقضات وتطوير التشريعات وإطلاق روح الإبداع بأعمال وخطط حقيقية على أرض الواقع ومتابعة لصالح الأغلبية العظمى لبلادنا.