الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

ملف خاص| عن دير الأنبا أنطونيوس الأثري بقرية دير الميمون

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
دير الأنبا أنطونيوس.. من هنا بدأت الرهبنة
شاهد على فترات الاضطهاد الرومانى للمسيحية فى مصر
نواة لأول دير رهبانى فى مصر والعالم فى منتصف القرن الثالث
دير الميمون.. قرية فقيرة يقطنها 156 أسرة معظمهم تحت خط الفقر
وعدسة "البوابة" ترصد معاناة الأهالي
عقود طويلة وأسرار لا تنتهى تحكيها جدران هذا الدير الأثرى الواقع بقرية صغيرة على شاطئ النيل الغربى بمحافظة بنى سويف، فقد صمدت مغارة الأنبا أنطونيوس بقرية دير الميمون، شاهدًا لقرون بعيدة، عاصرت خلالها فترات استقرار أحيانًا وارتباك أحيانًا أخرى.
من هنا خرجت مدارس الرهبنة على مستوى مصر والعالم على يد أنطونيوس الملقب بـ«أبو الرهبان»، عاصر الدير أيضًا فترات الاضطهاد الرومانى للمسيحية فى مصر باعتبارها إحدى الولايات التابعة للإمبراطورية.. ولكن الحقيقة الأكيدة التى استمرت وسجلها آباء الكنيسة الأوائل ومؤرخون مسلمون أن «دير الميمون لصاحبه الأنبا أنطونيوس» هو أول نواة للرهبنة فى العالم كله، ويحكى الدير الوضع السياسى والاجتماعى خلال هذه الفترة، ومن ذلك الموقع الذى قصده الأنبا أنطونيوس، حيث مكان الدير الموجود حتى يومنا هذا.
لدير الميمون أهمية تاريخية وأثرية، فقد استمرت الحياة الرهبانية فى الدير أجيالًا طويلة، حتى إنه لما خُرب دير الأنبا أنطونيوس بالجبل الشرقى (البحر الأحمر) فى 1484 لمدة ثمانين عاما، استمر دير الميمون قائمًا، ونحو أوائل القرن الـ17 انتقل منه الآباء الرهبان فسكنوا فى «عزبة بوش» وسط الأراضى الزراعية.



نواة لأول دير رهبانى فى مصر والعالم فى منتصف القرن الثالث
الراهب أنطونيوس عاش 20 عامًا دون أن يرى إنسانًا.. أجبره مُريدوه للخروج لتعليمهم وإرشادهم
تكشف دراسة كتاب الأنبا أنطونيوس، الذى وضعه الأنبا أثناسيوس الرسولى البطريرك الـ20، إن الأنبا أنطونيوس وُلد فى 251 م، فى بلدة كوما (قمن العروس الآن) إحدى قرى مركز الواسطى ببنى سويف، وبعد وفاة والديه ترك شقيقته فى إحدى بيوت للعذارى، وانطلق خارج المدينة للعبادة وحياة النسك والتوحد.
وقد سبق أنطونيوس إلى هذا النوع من التوحد بالقرب من الريف نُساك كثيرون، ولكن دون أن يكون لهم منهج معين أو مكان يجتمعون فيه أو نظام خاص يتبعونه، وعاش أنطونيوس على الخبز والملح، وبعد عطايا المحسنين. 
بعدها قرر أنطونيوس التوغل داخل الصحراء الشرقية عابرًا النيل فى عُمر 35 عامًا فى 286 م، ولكنه توقف عند حصن قديم مهجور فى الصحراء (قيل إنه كانت مقبرة فرعونية)، حيث أغرته بهدوئها وقربها من النيل، وقام أنطونيوس ببناء المدخل وأكمله واختزن أرغفة لمدة ستة أشهر كعادة أهل طيبة، وسكن فيه وكانت ذلك بمنطقة «بسبير» (مكان قرية دير الميمون الآن) وتقع بين أطفيح وبنى سويف، وعاش أنطونيوس فى توحد معتمدًا على الخبز الجاف والملح وبعض المؤكولات البسيطة التى كان يمده بها أحد مُحبيه.
عاش أنطونيوس عشرين سنة فى «بسبير» وفى هذه الفترة لجأ إليه جمع كثير من أحبائه ومُريديه، وسكنوا حوله وعاشوا عيشته متمثلين بنُسكه، أما هو فلم يلتفت إليهم أو يهتم بوجودهم، بل ظل فى عزلته الشديدة وحياته البسيطة، دون أن يشعر فى ذاته أو يُشعر أحدًا أنه صار أبًا ومسئولًا عن أحد.
ولما بلغ الضيق بمريديه بسبب تجاهله إياهم عشرين سنة، اقتحموا بابه عنوة وأجبروه أن يخرج إليهم، أما هو رضى لمطلبهم وقبل رعايتهم، وكان ذلك فى 305م، وكان هذا تاريخ أول منشأة رهبانية فى مصر والعالم المسيحى كله، أو بتعبير آخر كان هذا أول دير قبطي.
ومن ثم أقنع أنطونيوس الكثيرين لاعتناق حياة الوحدة وهكذا حدث أخيرًا أن أقيمت الصوامع (مكان مرتفع يسكنُه راهب أو متعبِّد منفردًا) حتى فى الجبال وعُمرت البرية بالرهبان، ويمكن القول إن الحياة الرهبانية نشأت أول ما نشأت بتجمع للرهبان تحت قيادة الأنبا أنطونيوس عند سكنه الأول فى دير الميمون قبل ذهابه لدير البحر الأحمر.
تعاليم أنطونيوس 
وبحسب سيرته التى سجلها الأنبا أثناسيوس؛ فكان أنطونيوس يخرج لتلاميذه من الذين تتلمذوا بمنطقة الميمون من وقت لآخر ليتفقدهم ثم يعود إلى وحدته داخل الجبل. وفى الميمون التقى أنطونيوس كبار الزوار والفلاسفة اليونانيين.
وفى أحد الأيام خرج لأن جميع الرهبان اجتمعوا إليه وطلبوا أن يسمعوا كلماته وخاطبهم باللغة المصرية قائلًا «إن الأسفار المقدسة كافية للتعلم، ولكنه جميل تشجيع الواحد لآخر فى الإيمان وإنهاضه بالكلام، لذلك أطلب كبنين أن تحملوا ما تعرفونه إلى أبيكم، وأنا كأخيهم الأكبر أشارككم معرفتى وما علمنى إياه الاختبار، ليكن الهدف العام للجميع بصفة خاصة أن لا تتراجعوا بعد أن بدأتم، أو تخور عزائمكم فى الضيق ولا تقولوا: لقد عشنا طويلًا فى النسك بل بالحرى لنزداد غيرة كأننا كل يوم مبتدئين لأن كل حياة الإنسان قصيرة جدًا إن قيست بالدهور القادمة، وفى العالم كل شيء يباع بثمنه، والإنسان يبادل السلعة بنظيرها. 




10 أسماء للدير الأثرى فى المخطوطات المسيحية والإسلامية 
1- «بارفولا» وذُكر هذا الاسم فى سيرة أنبا بولا السائح، إنه كان هناك ناسكًا اسمه أنطونيوس من أهل بلدة من بلاد مصر اسمها «قمن» خرج خارج بلدته وطلع فوق الجبل وبنى له موضعًا صغيرًا اسمه بارفولا أى المحلة وأقام فيه منفردًا.
2- «الصومعة الخارجية» جاء هذا الاسم فى سيرة الأنبا أنطونيوس للأنبا أثناسويس الرسولي، إنه بعد أن أقام أنطونيوس فى الجبل الداخلى كان ينزل إلى الصومعة الخارجية وفى مرة أخرى الصوامع الخارجية ليتفقد رهبانها.
3- «الجبل الخارجي» كما ذكره الأنبا أثناسيوس الرسولي، فإن أنطونيوس كان ينزل إلى الجبل لافتقاد الرهبان فيه، وأنه فى الجبل الخارجى تمت عدة مقابلات مع الزوار ودارت الأحاديث الروحية، وقبل وفاته بشهور زار أنطونيوس الرهبان لتوديعهم. 
4- «جبل أنطونيوس» جاء فى تاريخ الكنيسة للمؤرخ «لروفينوس» الذى زار برية «بسبير»، وأيضًا هذا الاسم كان يطلق على الدير الجوانى داخل الصحراء الشرقية.
5 - «الدير البراني» جاء هذا الاسم فى سيرة الأنبا أنطونيوس بالسنكسار «فأمره الله بالدخول إلى البرية الجوانية فمضى مع قوم أعراب إلى داخل البرية مسيرة ثلاثة أيام فأحب ذلك الموضع وسكن فيه.. وكان فى بعض الأوقات يخرج إلى الدير البرانى ويتفقد الإخوة الذين هناك ويعزيهم ويعود إلى ديره الجواني».
6 - «دير الجُميزة» ذكر هذا الاسم كل من ابن منماتى (توفى فى 1209) فى عام 1177 م، وذكره أبو المكارم فى تأليفه عام 1209 م، ومخطوط تحفة الإرشاد لمجهول عن الدير فى 1298م، والمقريزى فى خططه التى وضعها بين عامى 1417 -1436 م، وأيضاً فى خبر وفاة البابا غبريال السابع أكتوبر 1568م. وسبب تسمية الدير بـ«الجُميزة» يرجع إلى ما جاء عن المكان فى سيرة الأنبا أنطونيوس فى مخطوط «بستان الرهبان»: «لم يزل سائرًا حتى وصل إلى شاطئ النهر حيث وجد هناك جميزة كبيرة فسكن هناك حيث لازم النُسك العظيم والصوم الطويل وكان بالقرب من المكان قوم من العرب».
7- «دير الجود» ذكر هذا الاسم المقريزى فى خططه بين عامى 1417- 1436 م، وقال دير الجميزة ويُعرف بدير الجود مشيرًا إلى كرم رهبان الدير للمارين به.
8- «الدير المقدس بالدير التحتاني» ذكر بهذا الاسم فى الكتابة التذكارية الموجودة بكنيسة الأنبا أنطونيوس بديره بالجبل، بتاريخ وفاة البطريرك الـ95 فى 1568.
9- «دير القديس أنطونيوس» ذكر بهذا الاسم فى حاشية بمخطوط رقم 259 لاهوت بدير الأنبا أنطونيوس بالجبل.
10- «دير الميمون» نسبة إلى قرية الميمون الواقعة على البر الغربى من النيل، والميمون تعنى المبارك نسبة إلى الأنبا أنطونيوس المبارك.



المقريزى وأبو المكارم وابن مماتى.. أشهر مؤرخين كتبوا عن الدير 
ظل الدير عامرًا بالرهبان حتى منتصف القرن الـ16.. ثم عادوا للظهور بداية الـ17
سُجل ابن مماتى المتوفى فى ديسمبر 1209، فى كتابه «قوانين الدواوين» أسماء النواحى المصرية ذات الوحدة المالية حسب المساحة الذى عمل فى عام 1177 فى عهد السلطان صلاح الدين الأيوبي، وهذا ذكر فى كتابه ناحية باسم «دير الجميزة من أعمال الأطفيحية».
وقال أبو المكارم فى كتابه الذى وضعه عن الكنائس والأديرة عام 1209م: «فصل الدير المعروف بدير الجميزة على شاطئ بحر النيل، ويجاوره حصن وبستان وطاحونة ومعصرة، وهو قريب من دهروط وفيه إلى وقتنا نحن ثلاثين راهبًا».
وتشمل مخطوط تحفة الإرشاد لمجهول، أسماء النواحى المصرية التى سجلت المساحة الذى عُمل فى 1298 م، جاء به ناحية باسم دير الجميزة من أعمال الأطفيحية.
كما أن المقريزى فى خططه «الكنائس والأديرة» التى وضعها فى عامى 1417- 1436 م، قال عن دير الجميزة: يُعرف بدير الجود، ويسمى موضعه البحارة جزائر الدير، وهو قبالة الميمون، وهو عزبة لدير العزبة (كان بها محاصيل زراعية) بُنى على اسم الأنبا أنطونيوس ويُقال أنطونه على شاطئ النيل وبجواره قصر وطاحونة وبستان ونحو ثلاثين راهبًا.
وفى دير الميمون كانت وفاة البابا غبريال السابع البطريرك الـ95 فى يوم الثلاثاء 26 أكتوبر 1568 م، وقد سجل هذا الخبر فى أكثر من موضع:
أ – حاشية بمخطوط معاصر له بمكتبة البطريركية بالأزبكية تقول إن البطريرك غبريال توفى فى دير القديس أنطونيوس تجاه الميمون بالشرق، ونقل جسده منه ودُفن ببيعة أبو مرقورة بمصر القديمة.
ب – حاشية بمخطوط آخر معاصر له بمكتبة الفاتيكان تنص على «لما كان بتاريخ يوم الثلاثاء 28 من شهر بابه توفى الأب البطريرك الأنبا غبريال الـ95، وكانت نياحته فى دير الميمون.
جـ - كتابة تذكارية فى كنيسة الأنبا أنطونيوس بديره بالجبل الشرقى بالخورس الثانى منها على الجانب الأيمن من كتف الحائط الأمامى المواجه جاء به خبر وفاة البطريرك غبريال الـ95 بدير أنطونيوس، وكانت وفاته فى أحضان رهبان دير الميمون على شاطئ البحر.
ومن هنا تشير هذه الشواهد إلى وجود رهبان مقيمين بالدير حتى أكتوبر 1568، وهو آخر تاريخ تم العثور عليه يؤكد وجود الرهبان، ولكن إلى متى استمر وجود الرهبان مقيمين بهذه البقعة، فهو ما لم تستطع الكنيسة فيما بعد من الوصول إليه، ربما إلى نحو أواخر القرن الـ16 أو أوائل القرن الـ17.
البابا كيرلس الخامس وعلى مبارك.. رحالة رصدوا حالته
1 – جان كوبان: كتب عن حالة الإهمال التى وجدها فى زيارته بدير الميمون وكان منهدما وغير ساكن بالرهبان، وذلك فى رحلته إلى مصر 38\1648.
2 – الأب فان ناسليب الدومينيكاني: فى طريقه إلى زيارة الأنبا أنطونيوس بالجبل الشرقى مر على قرية الميمون فى أواخر 1672، وذكر عنه باختصار أنه يقع على الجانب الشرقى من النيل دير صغير للأنبا أنطونيوس.
3 – الأب سيكار: زار دير الميمون فى أغسطس 1719، كما ذكر فى رسائله عن زيارته لمصر.
4 – الرحالة النمساوى جوزيف روسيجر: زار الدير فى 1836 بعد مروره على ناحية الكريمات، وهذا الدير على حد وصفه يتكون من فناء محاط بسور وبرج صغير.
5 – على باشا مبارك: فى خططه التى نشرت فى عام 1888، قال إن الميمون قرية من مديرية بنى سويف فى قسم الزاوية، واقعة فى غرب النيل وفى مقابلتها بالجبل الشرقى دير يُقال له دير الميمون به كنيسة ويسكنه قساوسة ورهبان.
6 – البابا كيرلس الخامس: زار دير الميمون والأنبا أنطونيوس فى فبراير 1904 وهو فى طريقه لزيارة السودان.
7 – الأب جبريل جيا مبرارديني: زار دير الميمون فى 1955، حيث رحب به كاهن القرية وأخذه لزيارة كنيسة الأنبا أنطونيوس التى بنيت فوق المغارة الأصلية للقديس، والتى حسب رأى جبريل كانت مقبرة فرعونية. 




وفاة المُعلم.. «أنطونيوس» خاف من تكريم المصريين له بلف جسده بالكتان
فضل أن يُدفن داخل الجبل حتى لا يُعثر على جسده
بعدما وصل عُمره لـ105 عام، وكعادته خرج الأنبا أنطونيوس لزيارة تلاميذه الرهبان فى الجبل الخارجي، وأخبرهم بأنها آخر زيارة يقوم بها لهم، وقال لهم؛ «يجب أن لا تتملك على أى واحد رغبة الامتلاك، لأنه أى ربح نجنيه من الحصول على تلك الأشياء التى لا نستطيع أخذها معنا؟ ولماذا لا نحصل بالحرى على تلك التى نستطيع أخذها معنا: الحكمة، والتعقل، العدل، الاعتدال والشجاعة والفهم والمحبة والرحمة على الفقراء والإيمان والتحرر من الغضب، وكرم الضيافة.. إن امتلكنا هذه وجدناها من تلقاء ذاتها تعد لنا ترحيبًا هناك فى أرض الودعاء».
ولما ألح عليه تلاميذه بالمكوث معهم ما تبقى له من أيام، رفض أنطونيوس وقال لهم؛ «إن المصريين معتادون إكرام أجساد الصالحين بالخدمات الجنائزية ولفها بالأقمشة الكتانية عند الموت، وعدم دفنها تحت الأرض بل وضعها على أرائك وحفظها فى منازلهم، ظانين أنهم بهذا يكرمون الراحلين، بحسب قوله للرهبان». لذا خاف أنطونيوس أن يُعامل جسده بهذه الطريقة وأسرع للدخول للجبل الداخلى الذى اعتاد الإقامة فيه بعدما ودع الرهبان فى الجبل الخارجي، وبعد شهور قليلة حل به المرض ومات، وطلب من تلاميذه عدم إعلان مكان دفنه حتى لا يتحول لمزار. 
بين النظام التوحدى والحياة المشتركة.. الرهبان نظموا حياتهم حول «القديس»
وعن نظام معيشة الجماعة الديرية الأولى التى عاشت حول الأنبا أنطونيوس، فكانت نظامًا وسطًا بين النظام التوحدى (وهو العيش منفردًا بعيدًا عن الناس) وبين نظام الكينوبيون (وهو الحياة المشتركة وهو مكان به قلالى كثيرة أصحابها متحدون فى النظام).
وكان من مبادئ أنطونيوس أن طالب الرهبنة (الوحدة) ينبغى أن يعيش أولًا فى كينوبيون، وبعد ذلك إن أكمل فى العبادة يخرج إلى الوحدة الكاملة. وكان أنطونيوس يُرسل إلى تلاميذه مخاطبًا إياهم، وله فى ذلك قليل من الرسائل تخاطب بها مع الأديرة التى تحت رعايته مثل مجموعة أديرة الفيوم (جبل النقلون)، ومجموعة أديرة نتريا (وادى النطرون) التى كانت بقيادة القديس آمون، ومجموعة أديرة بسبير كانت بقيادة أماثاس ومكاريوس تلميذيه اللذين حضرا وفاته وقاما باستيداع جسده تحت الأرض حسب وصيته. 
تلاميذ أنطونيوس
عهد أنطونيوس بإرادة جماعة الرهبان بمنطقة بسبير بعد وفاته إلى تلميذه «آمون» وكان لهذا التلميذ شخصية فذة وله أقوال راجحة فى مجموعة «أقوال الآباء» واستقى من معلمه كل ما فى جعبته، وتنسب مجموعة من رسائل أنطونيوس إلى «آمون» ويبلغ عددها 13 رسالة باللغة العربية.
ومن تلاميذ أنطونيوس أيضًا الذين التصقوا به فى منطقة بسبير؛ «كرونيدس» وعاش 110 سنوات، ويقول عن نفسه إنه هرب من ديره والتجأ إلى الأب أنطونيوس فى بسبير فى بداية القرن الرابع حيث ظل هناك وعمل كمترجم للغة اليونانية، وبعدها ارتحل إلى الإسكندرية وعاش فى أديرتها، ثم أتى إلى نتريا.



عمليات الترميم مستمرة إلى اليوم
اللحنة الدائمة للآثار الإسلامية والمسيحية تعتمد الدير كأثر 1997
ما زالت عملية التوسعات للدير قائمة حتى اليوم والعمل لم ينته بعد، حتى يعود الدير إلى مكانته الأولى باعتباره الدير الأول فى مصر والعالم كله.. وسُجل دير الأنبا أنطونيوس كـ«أثر» فى 1998 بناء على قرار اللجنة الدائمة للآثار الإسلامية والقبطية بجلستها 28 يوليو 1997. وتم رصد عدد من المشاكل التى يعانى منها الدير وتمت المعاينة بناء على طلب من الدير من أجل القيام بمشروع ترميم للكنيستين على نفقة الدير، وتحت إشراف المجلس الأعلى للآثار والإدارة الهندسية للآثار الإسلامية والقبطية، ووجدت عدد من المشاكل:
أولًا: كنيسة أبى سيفين: لوحظ فيها وجود انتفاخات بحوائطها، وآثار رطوبة وأملاح على الجدران، بالإضافة إلى وجود شروخ رأسية ومائلة بالحوائط وفصل فى الأركان وشروخ فى القباب. 
ثانيًا: كنيسة الأنبا أنطونيوس: كان يوجد بها تهالك فى الأجزاء الحجرية للأعمدة ووجود شروخ رأسية وفتحات فى الأركان وشروخ فى القباب وتهالك السلم الحجرى الحديث المؤدى للدور الأول.
وتم تحديد الأعمال التى سيتم القيام بها كالتالي:
بالنسبة لكنيسة أبوسيفين: ضرورة تدعيم الأساسات للجدران الداخلية والخارجية وترميم الحوائط وما بها من شروخ، وترميم التالف من الأحجار مع العزل، وحقن شروخ القباب وإجراء أعمال البياض الداخلى والخارجى للكنيسة، دراسة وعمل حجاب للكنيسة مع ترميمه وتغيير التالف من العناصر الفنية للأخشاب والأبواب والشبابيك. 
أما كنيسة الأنبا أنطونيوس: فكان لا بد من تدعيم الأساسات وترميم الجدران والحجاب للكنيسة مع ترميم وتغيير التالف من العناصر الفنية للأخشاب، وفك وإعادة تركيب السلم الحجرى المؤدى للدور الأول، وتشطيب الأرضيات وعمل شبكة كاملة للكهرباء للكنيستين وملحقاتها.
ترميم الدير حديثًا
فى 12 مارس 2010 صدر قرار بابوى برقم 5\39 من البابا الراحل شنودة الثالث، بضم قرى (دير الميمون، الخرمان، والبرمبل) إلى رعوية إيبارشية فى عهد المطران الأنبا دوماديوس. وبعدها تم ترميم الدير وتجديده وشراء المنازل المحيطة به وهدمها ورصف الحوش ووضع برجولات للاستراحة... وإقامة أسوار فى كل ناحية وبوابة بها منارتين، وبوابة صغيرة على جانبيها أيقونة للأنبا أنطونيوس والشهيد أبوسيفين. ويوجد بالدير حوض للمياه كان يستخدمه الأنبا أنطونيوس.
عهد الأنبا ثيئودوسيوس
وفى عهد الأنبا ثيئودوسيوس أسقف عام الجيزة، الحالي، تم تدشين مذابح الدير بعد ترميمه، ووضع لكل كنيسة حامل للأيقونات يتناسب مع الطابع الأثرى للدير، وتم رسم أيقونات فى الشرقيتين من الفريسكا. 
وعن كنيسة الأنبا أنطونيوس: تم التدشين المذبح الأوسط باسم الأنبا أنطونيوس والمذبح البحرى باسم الملاك ميخائيل.
كنيسة أبوسيفين: فى 21 أكتوبر 2011 تم تدشين مذبح واحد باسم أبوسيفين ومارجرجس.
وبناء منارة بارتفاع 28 مترًا يعلوها صليب، والمنارة تظهر من جميع الطرق المؤدية من وإلى محافظة بنى سويف، ومن ناحية النيل ومن الجهة الغربية فى القرى المقابلة للبر الغربي، وتم تعليق أجراس، ويوجد جرسان بموتور كهرباء.
وفى 31 يناير 2012 افتتح مبنى خدمى مكون من ثلاثة طوابق وبه: دورات مياه، صالونات، غرف للمبيت، وقاعة لاستقبال المؤتمرات. 




دير الميمون.. قرية فقيرة يقطنها 156 أسرة معظمهم تحت خط الفقر
يقع دير أنطونيوس الأثرى بالطرف الشمالى من ناحية قرية دير الميمون، التابعة لمركز أطفيح بالجيزة، بآخر حدودها القبلية، وهى على البر الشرقى من النيل بحاجز الجبل الشرقي، ويقابلها على البر الغربى قرية الميمون بمركز الواسطى بمحافظة بنى سويف.
ومنطقة الدير قديمًا كانت تسمى «بسبير»، وذلك فى وقت ذهاب الأنبا أنطونيوس إليها ليسكن فيها منفردًا أواخر القرن الثالث الميلادي. وعند روك الأرض (أعمال المساحة) فى عامى 76\1177م اعتبر الدير ناحية مالية ذات زمام باسم دير الجميزة من أعمال الأطفيحية، ثم أصبح زمامه تابعاً لناحية الميمون الواقعة على البر الغربى من النيل، وفى عام 1813م انفصلت ناحية دير الميمون عن الميمون بزمام خاص بها، وبذلك أصبحت ناحية قائمة بذاتها منذ ذلك التاريخ.
وتعتبر قرية دير الميمون ناحية صغيرة لا تعد نحو 160 منزلًا، وأغلبية سكانها مسيحيون ويصلُون فى كنيسة الدير، الذى نشأوا فى رحابه ويزرعون الأرض الواقعة فى زمامه منذ أجيال بعيدة، فبعد أن ترك الرهبان السكن فى الدير نحو أوائل القرن الـ17 الميلادي، بقى هؤلاء المزارعون به وسكنوا فيه وأنشأوا قريتهم باسم «دير الميمون» نسبة إلى الدير.
وللوصول إلى هذا الدير أصبح سهلًا بعد أن اكتمل رصف الطريق من القاهرة إلى بنى سويف عبر البر الشرقى من النيل عن طريق المعادى - حلوان - الصف إلى الكريمات 93 كم، وعند الكريمات يتبع طريقًا آخر وهو طريق الكريمات - بنى سويف الذى تم رصفه عام 1974م وبعد مسافة 11 كم من الكريمات وفى الاتجاه القبلى يقع دير الميمون وجملة المسافة 104 كم.



عدسة «البوابة» ترصد معاناة قرية أول دير للرهبان بالعالم
انقطاع للمياه يوميًا لساعات طويلة وأزمة صرف صحى وقمامة لا تنتهي
إنشاء فرن للعيش البلدى ونادٍ وصيدلية.. مطالب الأهالى من نواب دائرتهم
الفتيات لا تكمل التعليم الثانوى بسبب بُعد المسافة للمدارس باستخدام سيارات ربع نقل
على ضفاف النيل الغربى يقع دير أثرى عمره قارب على الـ18 قرناً، وبطبيعة المصريين قديمًا فكانوا يفضلون الاستقرار بجوار النيل لممارسة حرفة الزراعة، ورغم أن الدير تابع لهيئة الآثار وبه أول وأقدم دير للرهبان فى مصر والعالم، إلا أن حال هذه القرية والتى تحمل اسم الدير نفسه، وكغيرها من قرى كثيرة ببعض محافظات مصر؛ تعانى إهمالاً وتجاهلاً واضحاً من قبل المسئولين. ومن العجيب وعلى سبيل المثال، فالقرية تقع على النهر مباشرة وفى الوقت نفسه تعانى من انقطاع المياه يوميًا وبشكل مستمر، وتصل فى بعض الأوقات لـ14 ساعة على مدار اليوم، فما السبب؟ يجيب أهالى القرية «لا نعرف سبب الانقطاع فالمياه غير نقية 100% مثل المياه الموجودة فى المدينة، بالاضافة إلى أن الاستهلاك قليل جدًا، والكل يسدد مستحقات شركة المياه فى موعدها الشهري، إلا أن الانقطاع أصبح أمرًا معتادًا عليه أهالى القرية منذ سنوات بعيدة ولا يجدون مسئولا لتقديم شكواهم». 
الأمر الآخر فى هذه القرية الصغيرة -والتى تبعد حوالى 75 دقيقة فقط للقادمين من القاهرة المزدحمة والصاخبة ليلًا مع نهار- أنه مع غروب الشمس بين الساعة السادسة والسابعة يبدأ سكانها فى العودة لمنازلهم والنوم مبكرًا كعادة أهلها العاملين فى الزراعة؛ فما مبرر المسئولين فى انقطاع المياه طوال هذه الفترة، بالإضافة لساعات أخرى منتصف اليوم؟ 
صرف صحى على النيل
وغالبًا يصاحب انقطاع المياه وجود أزمة فى الصرف الصحي، فلا نجد فى قرية دير الميمون صرفًا صحيًا لائقًا، فالنساء يقمن بغسل أوانى واحتياجات المنزل فى النيل مباشرة والبعض الآخر يقوم بصرف مياه التنظيف بالمطبخ أو متعلقات المنزل بالشارع مباشرة، أما صرف دورات المياه فتتم بطرق بدائية من خلال سيارات الصرف التابعة للمجلس المحلى والتى تقوم بنقل الصرف من المنازل بمقابل مبلغ مالى يصل لـ30 جنيهاً فى كل مرة. أيضًا القرية غاب عنها الغاز الطبيعى ويعتمد الأهالى على أنابيب البوتاجار للغاز الطبيعي.
أما عن القمامة وكيفية التخلص منها، فكانت الصدمة أن أكياس القمامة ينتهى بها الحال فى النيل مباشرةً دون تفكير فى مصير هذه الأكوام المتراكمة من شتى أنواع القاذورات والتى معروف نتيجتها السلبية على المخلوقات النهرية والإنسان.
غياب الأطباء
لا يوجد فى القرية أى مستشفيات، سوى وحدة صحية بلا تخصصات، ويقول الأهالى «إن الوحدة بلا أطباء، باستثناء طبيب واحد يزور الوحدة مرتين فى الأسبوع، بالإضافة إلى أن الأدوية لا تكفى مطالب المرضى، الذين يضطرون للسفر والعلاج فى مركز أطفيح على بعد مسافة ساعة من القرية». واستكمالًا للوضع الصحى المتدهور، فقد غابت الصيدليات تمامًا عن قرية دير الميمون، وأقرب صيدلية موجودة فى قرية تسمى «الحجارة» على مسافة ربع ساعة مواصلات، الأزمة لم تكن فى المسافات البعيدة بقدر صعوبة العثور على مواصلات بهذه القرية ونقلهم للأماكن التى يرغبون بها. 
مدرسة واحدة توجد بالقرية
مدرسة واحدة للمرحلتين الابتدائية والإعدادية للبنين والبنات، أما فى المرحلة الثانوية فكثير من الأسر ترفض إكمال بناتهن للتعليم الثانوى خوفًا من طريق الذهاب والعودة، لأن أقرب مدرسة من القرية تبعد مسافة نصف ساعة وموجودة فى قرية «البرمبل» باستخدام سيارة ربع نقل، وهى الوسيلة الوحيدة للنقل. أما بالنسبة لمدراس البنين للتعليم الفنى والثانوى فتبعد مسافة ساعة ونصف الساعة من خلال استخدام وسيلتين مواصلات للوصول وهى موجودة بقرية «الكداية» بمركز أطفيح.
الزراعة والحجارة
معظم أهالى القرية يعملون فى مهنة الزراعة وتحديدًا فى زراعة محصولى الذرة والقمح لطبيعة التربة هناك، والعمل فى محاجر الجبل بمنطقة الصف، والتى تقوم بنقل الحجارة إلى منطقة شق الثعبان بمصانع أوتوستراد المعادي.
ليلة أغابى «محبة»
كما ذكرنا أن دير الميمون، قرية فقيرة ومهملة من قبل المسئولين؛ وبالتالى فالحياة هناك معظمها قائمة على المساعدات سواء من الكنيسة أو فاعلى الخير لأهلها.. فمثلًا فى أيام الصوم الكبير وعلى مدار الـ55 يوماً تقوم كل أسرة - لديها الإمكانية - بتنظيم يوم يسمى «ليلة أغابي» أى ليلة محبة ويتم فيها توزيع وجبات أو سلع غذائية وملابس للأسر المحتاجة. وعُرفت هذه العادة داخل القرية منذ عقود طويلة وتوارثتها الأجيال فيما بعد، وهناك أسر تركوا القرية منذ زمن بعيد للقاهرة أو محافظات أخرى إلا أنهم احتفظوا بهذه العادة ويقتسمون أيام الصوم فيما بينهم ويختار كل منهم اليوم المناسب للاحتفال مع أهل القرية وتوزيع التبرعات.
يقول البعض بالقرية إن هذه العادة المتوارثة ليست فقط للفقراء إنما يتم توزيع الوجبات على كل الأسر بالقرية، بالإضافة لتوزيع الهدايا للأطفال والضيوف القادمين من الخارج.