الأربعاء 08 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

دير الأنبا أنطونيوس.. من هنا بدأت الرهبنة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

دير الأنبا أنطونيوس.. من هنا بدأت الرهبنة
شاهد على فترات الاضطهاد الرومانى للمسيحية فى مصر
عقود طويلة وأسرار لا تنتهى تحكيها جدران هذا الدير الأثرى الواقع بقرية صغيرة على شاطئ النيل الغربى بمحافظة بنى سويف، فقد صمدت مغارة الأنبا أنطونيوس بقرية دير الميمون، شاهدًا لقرون بعيدة، عاصرت خلالها فترات استقرار أحيانًا وارتباك أحيانًا أخرى.
من هنا خرجت مدارس الرهبنة على مستوى مصر والعالم على يد أنطونيوس الملقب بـ«أبو الرهبان»، عاصر الدير أيضًا فترات الاضطهاد الرومانى للمسيحية فى مصر باعتبارها إحدى الولايات التابعة للإمبراطورية.. ولكن الحقيقة الأكيدة التى استمرت وسجلها آباء الكنيسة الأوائل ومؤرخون مسلمون أن «دير الميمون لصاحبه الأنبا أنطونيوس» هو أول نواة للرهبنة فى العالم كله، ويحكى الدير الوضع السياسى والاجتماعى خلال هذه الفترة، ومن ذلك الموقع الذى قصده الأنبا أنطونيوس، حيث مكان الدير الموجود حتى يومنا هذا.
لدير الميمون أهمية تاريخية وأثرية، فقد استمرت الحياة الرهبانية فى الدير أجيالًا طويلة، حتى أنه لما خُرب دير الأنبا أنطونيوس بالجبل الشرقى (البحر الأحمر) فى 1484 لمدة ثمانين عاما، استمر دير الميمون قائمًا، ونحو أوائل القرن الـ17 انتقل منه الآباء الرهبان فسكنوا فى «عزبة بوش» وسط الأراضى الزراعية.
نواة لأول دير رهبانى فى مصر والعالم فى منتصف القرن الثالث
الراهب أنطونيوس عاش 20 عامًا دون أن يرى إنسانًا.. أجبره مُريدوه للخروج لتعليمهم وإرشادهم
تكشف دراسة كتاب الأنبا أنطونيوس، الذى وضعه الأنبا أثناسيوس الرسولى البطريرك الـ20، إن الأنبا أنطونيوس وُلد فى 251 م، فى بلدة كوما (قمن العروس الآن) إحدى قرى مركز الواسطى ببنى سويف، وبعد وفاة والديه ترك شقيقته فى إحدى بيوت للعذارى، وانطلق خارج المدينة للعبادة وحياة النسك والتوحد.
وقد سبق أنطونيوس إلى هذا النوع من التوحد بالقرب من الريف نُساك كثيرون، ولكن دون أن يكون لهم منهج معين أو مكان يجتمعون فيه أو نظام خاص يتبعونه، وعاش أنطونيوس على الخبز والملح، وبعد عطايا المحسنين. 
بعدها قرر أنطونيوس التوغل داخل الصحراء الشرقية عابرًا النيل فى عُمر 35 عامًا فى 286 م، ولكنه توقف عند حصن قديم مهجور فى الصحراء (قيل إنه كانت مقبرة فرعونية)، حيث أغرته بهدوئها وقربها من النيل، وقام أنطونيوس ببناء المدخل وأكمله واختزن أرغفة لمدة ستة أشهر كعادة أهل طيبة، وسكن فيه وكانت ذلك بمنطقة «بسبير» (مكان قرية دير الميمون الآن) وتقع بين أطفيح وبنى سويف، وعاش أنطونيوس فى توحد معتمدًا على الخبز الجاف والملح وبعض المؤكولات البسيطة التى كان يمده بها أحد مُحبيه.
عاش أنطونيوس عشرين سنة فى «بسبير» وفى هذه الفترة لجأ إليه جمع كثير من أحبائه ومُريديه، وسكنوا حوله وعاشوا عيشته متمثلين بنُسكه، أما هو فلم يلتفت إليهم أو يهتم بوجودهم، بل ظل فى عزلته الشديدة وحياته البسيطة، دون أن يشعر فى ذاته أو يُشعر أحدًا أنه صار أبًا ومسئولًا عن أحد.
ولما بلغ الضيق بمريديه بسبب تجاهله إياهم عشرين سنة، اقتحموا بابه عنوة وأجبروه أن يخرج إليهم، أما هو رضى لمطلبهم وقبل رعايتهم، وكان ذلك فى 305م، وكان هذا تاريخ أول منشأة رهبانية فى مصر والعالم المسيحى كله، أو بتعبير آخر كان هذا أول دير قبطي.
ومن ثم أقنع أنطونيوس الكثيرين لاعتناق حياة الوحدة وهكذا حدث أخيرًا أن أقيمت الصوامع (مكان مرتفع يسكنُه راهب أو متعبِّد منفردًا) حتى فى الجبال وعُمرت البرية بالرهبان، ويمكن القول إن الحياة الرهبانية نشأت أول ما نشأت بتجمع للرهبان تحت قيادة الأنبا أنطونيوس عند سكنه الأول فى دير الميمون قبل ذهابه لدير البحر الأحمر.
تعاليم أنطونيوس 
وبحسب سيرته التى سجلها الأنبا أثناسيوس؛ فكان أنطونيوس يخرج لتلاميذه من الذين تتلمذوا بمنطقة الميمون من وقت لآخر ليتفقدهم ثم يعود إلى وحدته داخل الجبل. وفى الميمون التقى أنطونيوس كبار الزوار والفلاسفة اليونانيين.
وفى أحد الأيام خرج لأن جميع الرهبان اجتمعوا إليه وطلبوا أن يسمعوا كلماته وخاطبهم باللغة المصرية قائلًا «إن الأسفار المقدسة كافية للتعلم، ولكنه جميل تشجيع الواحد لآخر فى الإيمان وإنهاضه بالكلام، لذلك أطلب كبنين أن تحملوا ما تعرفونه إلى أبيكم، وأنا كأخيهم الأكبر أشارككم معرفتى وما علمنى إياه الاختبار، ليكن الهدف العام للجميع بصفة خاصة أن لا تتراجعوا بعد أن بدأتم، أو تخور عزائمكم فى الضيق ولا تقولوا: لقد عشنا طويلًا فى النسك بل بالحرى لنزداد غيرة كأننا كل يوم مبتدئين لأن كل حياة الإنسان قصيرة جدًا إن قيست بالدهور القادمة، وفى العالم كل شيء يباع بثمنه، والإنسان يبادل السلعة بنظيرها.