الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الشباب واقتصاد المعرفة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يصل عدد الشباب فى مصر إلى ٢٣،٦ فى المائة، أى ربع السكان من الشباب، ونسبة كبيرة منهم طموحها الوحيد الهجرة والعمل فى الخارج حتى تكون «الاشيا معدن» وفقا للتعبير الشعبى الدارج، غير أن هذه النسبة يمكنها أن تجعل من مصر رائدة فى مجالات عدة، خصوصًا اقتصاد المعرفة الذى يمثل اليوم نسبة لا بأس بها من الاقتصاد العالمي، بل يكاد يصبح هو العمود الفقرى للاقتصاد الحديث.
لو عمل ربع هؤلاء فى اقتصاد المعرفة، والتقنيات الحديثة لأصبحت بالفعل «الاشيا معدن» تماما كما تتحول اليوم الهند إلى رائدة فى هذا الاقتصاد، إضافة إلى ذلك أن الشباب المصرى لديه القدرة على التكيف مع الثقافات الأخرى، واللغة تساعده أكثر من غيره فى هذا المجال، لكن للأسف نحن نفتقد إلى التخطيط الإنمائى الصحيح الذى يساعد على توجيه الاستثمارات فى الوجهات الصحيحة، خصوصًا فيما يتعلق بعدم وجود مبادرات تساعد على تنمية القدرة البشرية، ما يؤدى إلى زيادة معدلات البطالة الناتجة أساسًا عن سوء التوجيه فى سوق العمل أكثر من كونها ناتجة عن انكماش فى توظيف رؤوس الأموال.
إن إقامة مدن للإنترنت والبرمجيات، وحتى مشاريع متفرقة من هذا النوع تساعد وتؤدى إلى خلق فرص عمل أكثر بكثير من المشاريع العادية، وترفع من مساهمة مصر فى الصناعة الحديثة التى يعتمد عليها العالم، لاسيما أن هذه المشاريع يمكن أن تأخذ حيزًا صغيرًا من المساحات، بل الاستثمار فيها ليس مكلفًا كثيرًا فيما العائد منها مرتفع جدًا، إذ يمكن لشاب أن يعمل من خلال جهاز «لاب توب» من منزله على البرمجيات، وهناك دول بدأت تشجع على ذلك عبر تأمين قروض ميسرة للشباب بدعم من مصارفها المركزية، ومنها دول عربية بدأت منذ سنوات فى تشجيع الاستثمار فى التقنيات والمعلومات، فيما لا نزال فى مصر بعيدين جدًا عن هذا النوع من المشاريع، بل يبدو أنها ليست ضمن خريطة المشاريع الاستثمارية، أكان بالنسبة للقطاع العام أو حتى الخاص.
يتصور الكثير من المصريين أن الآفاق الاستثمارية مغلقة على شريحة معينة من الناس، فيما الحقيقة أن المبادرة الفردية التى اشتهر بها المصريون منذ زمن، وشكلت دائمًا مخرجًا لهم من أزمات عدة يمكن أن تكون الأساس فى هذا المجال، كأن تبدأ مجموعة من الشباب المتخصصين بالإنترنت والتقنيات الحديثة بتدريب مَنْ يودون العمل فى هذا المجال، وأن يعمل الجميع إقامة شبكة برمجية أو غيرها من الشبكات الإنتاجية، من منازلهم، فبيل جيتس بدأ مشروعه بخمسة آلاف دولار من مرأب منزله، واليوم تعتبر «مايكروسوف» الشركة الأولى فى العالم فى المجال التقني، وصاحبها من أغنى أغنياء العالم، كذلك الأمر فى الهند حيث يتولى الهنود قيادة كبري الشركات فى هذا المجال، وهى شركات أمريكية، وكل هؤلاء لم يغادروا بلدهم، بل عاشوا فى الهند بالحوارى والحارات والمدن الصغيرة، واستطاعوا صناعة المعجزات.
فى مصر هناك طاقات، لكنها تحتاج إلى تشجيع، وهذا لا يأتى إلا من خلال الإيمان ببلدنا، الذى يحتاج إلى سواعد الجميع حتى تكون «الاشيا معدن» و«آخر ألصته»، ويثبت المصرى مقولته المشهورة بالفعل «احنا اللى خرمنا التعريفة»، وليس بالتباهى فيما هو يبحث عن عقد عمل فى الخارج ليعمل فى مهن لا تتناسب مع مؤهله العلمي، ويغنى لمصر أغانى الحنين، فيما يستطيع أن يبقى فيها، ويعمل ويغنى أغانى العزيمة والقوة والفعل والتحديث.