الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

حوارات

بعد حصوله على جائزة "البوكر" إبراهيم نصر الله: "حرب الكلب الثانية" خبرة 17 رواية و15 ديوانًا شعريًا.. وتتضمن رسائل تحذير للعالم من فرط التوحش

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
إبراهيم نصر الله «فنان مجنون يحمل ريشة ويخلط فيها الألوان وتخرج ملهاة تلهث بها كما يلهث الكلب فى الحروب المبرمة باسمه»، هكذا وصفته الكاتبة الفلسطينية نادية حرحش فى آخر مقالاتها عن رواية «حرب الكلب الثانية»، بعد حصوله على جائزة «البوكر» للرواية العربية لعام 2018. 
ويُعد الروائى والشاعر الفلسطينى إبراهيم نصر من أهم الكتاب العرب، عاش طفولته فى أحد مخيمات اللاجئين فى عمان بالأردن، عمل فى كثير من المهن بدءًا من معلم فى المملكة العربية السعودية ثم صحفيا وشاعرا. نشر له حتى الآن 14 ديوانًا شعريًا و14 رواية منذ أن تفرغ للكتابة فى عام 2006. 
وحرصت «البوابة» أن تكون أول جريدة تجرى معه أول حوار حول روايته «حرب الكلب الثانية»، وتكشف من خلاله الصفحات المغلقة فى حياة نصر الله. 
■ يَذيع صيت الكاتب والأديب بعد حصده للجوائز.. ويتهافت القراء على شراء روايته الفائزة وإبداعاته لكن تظل هناك أوراق مطوية فى حياته بعيدة عن أعين القراء.. ما الأوراق المجهولة فى حياة الأديب والشاعر إبراهيم نصر الله؟
ـ بالتأكيد ستحظى الرواية الفائزة باهتمام أكبر الآن، ولكن رواياتى وكتبى بشكل عام تحظى باهتمام واسع، عربى وأجنبي، ولدى ستة كتب بالإنجليزية، وثلاثة كتب ترجمت ولم تصدر بعد، وسواها من اللغات، وتعاد طباعة هذه الكتب سنويا.
بالنسبة لحياتى كتبت عنها بشكل موسع فى كتابى (السيرة الطائرة)، ثم (كتاب الكتابة) الصادر هذا العام. عشت طفولتى وشبابى فى مخيم للاجئين الفلسطينيين، فى أصعب الظروف، كنت أتمنى أن أدرس الموسيقى، لكن وضع العائلة الاقتصادى لم يسمح لى بالسفر والدراسة فى الخارج، فدخلت معهدا للمعلمين، وحاولت ما استطعت تكوين ثقافتى الخاصة معتمدا على نفسي. 
■ مررت بتجارب حياتية كبرى.. والتى بدأت منذ طفولتك بأحد المخيمات.. كيف تغلبت على حياة المخيمات واللجوء؟ وكيف أثرت تجربتك الحياتية على تجربتك الأدبية؟ 
ـ حياة الطفولة، مرحلة مؤثرة فى كل البشر، وتترك أثرها العميق جدا، فما بالك إذا اقترنت هذه الحياة بالجوع والبرد والحرمان وفقدان الوطن؟! إنها تصبح مأساة حقيقية. لكن أفضل ما حدث أن جيلنا وجيل آبائنا استطاع أن يمتص صدمة النكبة، ويؤسس حياته بالتحدي، وأن يتعلم ويتقدم فى هذه الحياة، ويؤسس للأمل الذى ولِد وتمت رعايته بالتضحيات المستمرة وأوصلنا إلى حقيقة أننا شعب لا يستطيع أن يموت.
■ بعد فوزك بجائزة البوكر العالمية لهذا العالم.. هل كنت تتوقع أن تحصد الجائزة الكبرى؟ 
ـ لم أتخيل ذات يوم أننى سأفوز بكل الجوائز التى فزت بها، ولا بكل البلدان التى زرتها ولا الناس الذين عرفتهم، لقد حاولت أن أقدم أفضل ما لدي، وصدف أن الحياة انتبهت إلى أننى أحاول، فالتفتت إلي. 
لا أحلم بالجوائز، أحلم بأن أكتب أعمالا أفضل من تلك التى كتبتها، وأن يخدم عملى الجائزة أكثر مما تخدمه.
■ هل تمكنت من الاطلاع على روايات القائمة القصيرة فى البوكر؟ وما رأيك فيها؟ 
ـ قرأتها كلها، هناك روايات رائعة فعلا، وهى روايات على مستوى عال، وكما قلت فى كلمتى يوم الاحتفال، إنها روايات أحببتها قارئًا وخشيتها منافسًا.
■ المعلم أم الصحفى أم الكاتب أيهم أقرب إليك؟ 
ـ المعلم مرحلة سريعة، الصحافة كانت مهنة، لكن حياتى هى الكتابة. وطوال عملى فى مهن كثيرة كنت حريصًا على ألا تبتلع مهنتى كتابتي. وكما تعرفين الصحافة قادرة على امتصاص الطاقة الإبداعية والجمالية القائمة فى اللغة والخيال بيسر.
■ «حرب الكلب الثانية».. من أين استوحيت فكرتها؟.. وكيف توغلت فى النفس الإنسانية؟ 
ـ استوحيت الشخصية الأساسية من أناس كثيرين يعرضون أرواحهم فى السوق لمن يشتري، وبخاصة فى أسواق السلطات الرسمية؛ هذا يحدث فى الأدب والإعلام، وأيضا من نماذج تبيع أنفسها للجشع فى مهن كثيرة، وكلهم تكثفوا، مع وجود الشخصية المتخيلة، فى أبطال هذه الرواية. أما كيف توغلت فى النفس، فهذه الرواية ليست من فراغ، فهناك قبلها سبع عشرة رواية وخمسة عشر ديوانًا شعريًا، وكتابات فى السينما وسواها. كل تلك الخبرات صبّت فى الرواية.
■ الكشف عن خبايا وتحولات المجتمع وتوحشه عن طريق استخدام أسلوب الفانتازيا ومزجها بالخيال العلمى فى روايتك.. كيف أخرجت هذا المزيج الأدبى؟ 
ـ أيضا نعود إلى التجربة، فالفنتازيا والغرائبية موجودة منذ روايتى الأولى (برارى الحُمّى ١٩٨٥) التى لاقت نجاحا اسثنائيا فى العالم العربى وحيثما ترجمت، وموجودة فى (حارس المدينة الضائعة ١٩٩٨) ولقاء الفنون كلها فى رواية (شرفة الهذيان ٢٠٠٤)، التى صدرت طبعتها الأولى ضمن روايات الهلال، وسواها من أعمالى الأدبية. الشكل الفنى واحد من أهم المتع الكتابية لدي، وفى كل مرة أسعى لتقديم شيء، يفرحنى أولا، فى هذا المجال.
■ هل كنت تفتقد «اليوتوبيا» فى «حرب الكلب الثانية» خلال إظهار توحش العالم وفقدانه للإنسانية فى «الديستوبيا»؟ ولمن تنتصر فى الرواية؟؟ 
ـ الرواية تنتصر للحلم الذى فقده البشر واستهانوا به، بل باعوه بكل الطرق المتاحة، بأسعار ضئيلة أو كبيرة، والحلم لا يمكن لأحد أن يقدِّر ثمنه، لأنه فوق كل شيء.
الرواية محاولة لأن تهز القارئ ليخرج من احتمالات التوحش لينتبه إلى الإنسان فيه أكثر، ولذا فهى رواية صادمة، ومختلفة، وتحاول الوصول إلى الحدود القصوى لكثير من الأشياء التى أرّقتني، فى الإنسان وخارجه.
■ قلت: إن «حرب الكلب الثانية» هى رسالة تحذير للعالم، مم تحذر؟
ـ أحذر من فرط التوحش الذى سيظل يتصاعد ما دامت البشرية تمارسه. فالبشر يتوحشون اليوم، ويقتلون المختلفين عنهم، مع أن موارد الحياة لم تزل متوافرة إلى حد معقول. مع انعدام وجود هذه الموارد التى تكفل لهم الحياة سيصلون إلى الدرجة التى سيتخلصون فيها من أشباههم، وأقرب الناس إليهم.
■ هل كان الخيال العلمى أفضل طريقة أدبية تعبر بها عن «حرب الكلب الثانية»؟
- حين تكتب عن المستقبل، عليك أن تؤثث المستقبل بكل ما يمكن أن يوجد فيه، ولم يخترع بعد، وبالتالى؛ فإن الخيال العلمى ضرورة ملحَّة، وإن كنت أعتقد أن المسألة لها علاقة أيضا بالخيال الاجتماعي، أى أين نحن الآن، وإلى أى مدى سنصل.
■تندد الرواية بالميول الوحشية وغير الإنسانية فى المجتمع.. هذه الميول ليست جديدة على العالم ولكنها ممتدة طوال أحداث التاريخ، فما الحدث الذى أثر فيك لتبدع الرواية؟
- أجل هى موجودة، ويعرفها البشر منذ اختلاف قابيل وهابيل الذى أوصلنا إلى أول قتل، لكن الرواية معنية بالكيفية التى يحرص عليها الإنسان لتطوير وحشيته، ليحظى بعدد أكبر من القتلى لم يكن يحققه له وجود الهراوة، أو السهم، أو الرمح، أو المنجنيق، فاخترع كل ما نراه ليقتل أكثر، الرواية معنية بتأمل تاريخ الحرب فى الفكر البشرى التى يمكن أن تشتعل لأوهى الأسباب من أجل تحقيق أرذل المصالح.
فلسطين 
■ القضية الفلسطينية دخلت منعطفا خطيرا بوعد ترامب بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس.. كيف ترى مستقبل القضية فى ضوء الواقع العربى الآن؟
ـ المسألة تتعلق بالعالم العربي، البعض يعتقد أن الأمر لا يعنيه، لكن العالم العربى كله، سيتم التهامه، لأن هشاشته باتت فى أقصى حالاتها. من يعتقد أن حلا ظالما سيريحه من فلسطين وقضيتها سيحل مشكلته، سيكتشف أن مشكلته ستبدأ من هنا. فالتوحش الذى تتحدث عنه الرواية أيضا هو توحش الغطرسة، غطرسة القوى الكبرى، وفلسطين ليست ضحية هذا وحدها، كل الأرض العربية بثرواتها ضحية هذا، وليس ثمة كرسى يكفى لضمان النجاة حين يبدأ الطوفان.
■ بعد ثورات الربيع العربي.. كيف ترى المشهد فى الوقت الحالي؟ 
ـ وضعنا فى أسوأ حالاته، فالثورات سُرقت، أو شوِّهت، أو لم يُسمح لها أن تنتصر.
■ مسيرات العودة.. هل ترى أنها تحقق الحلم الفلسطينى؟! 
ـ مسيرات العودة فعل رمزى عظيم، مثل خروج الناس إلى الشوارع ضد أى طاغية، وهى تؤكد أن هذا الشعب لا يمكن أن يهزم، وهذه المسيرات تضاعف من معضلة عدونا الذى خاض كل المعارك ضدنا ولم يستطع أن يصل إلى نتيجة أنه انتصر فعلا.
■ بعد عقود من الكفاح الفلسطيني.. هل ترى المقاومة أم الحوار.. أيهما أقدر على استعادة الحقوق الفلسطينية؟ 
ـ لقد حاورت القيادة الفلسطينية، وكثير من القيادات العربية الكيان الصهيوني، حاورت اليمين المتطرف والوسط وما دون الوسط، وكانت النتيجة دائما مزيدًا من الاحتلال فى داخل الاحتلال الجاثم على صدر الشعب الفلسطيني؛ مصادرة الأراضى أكثر، وقتل الناس تزايد، وأعداد المعتقلين أيضا. لا يمكن أن تعقد صلحا مع كيان عنصري، فاشي، يعيد جرائم النازية، ويحتل أرضك ولا يريدك أن تكون موجودا على سطح هذا الكوكب.
■ ما مدى تأثير الجوائز والمسابقات الأدبية على الأدباء؟ وهل ترى أن هناك كُتاب يكتبون من أجل حصد الجوائز؟ 
ـ كل كاتب يكتب من أجل هدف ما، والكتّاب مختلفون، لكن ما يبقى فى النهاية هو الكتاب الجيد الذى يضيف للحياة عمقا، وللكتابة اقتراحات جمالية جديدة. فالجوائز ليست تذكرة عبور للخلود أو للأبدية.