الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الدعاة.. أعداء الدين

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
فى الآونة الأخيرة كثرت الفتاوى وذاع صيت العشرات من الشيوخ والدعاة الذين تعتمد شهرتهم على آلة إعلامية منظمة، تبدأ بامتلاك صفحة على مواقع التواصل الاجتماعى بها ملايين البشر، وكل من يعمل بالميديا يعرف جيدًا كيف يتم إنشاء هذه الصفحات مدفوعة الثمن، مما يدل على أن هؤلاء يملكون مالًا للصرف منه على التلميع الإعلامى، والدفع بهم لكى يتحولوا خلال مدة وجيزة إلى أيقونات للشباب أو إلى أصحاب رأى وكلمة وتأثير فى المجتمع، وأغلبية هؤلاء لا نعرف أصولهم ولا تتوافر المعلومات الأكيدة عنهم، إذ تتضارب الأقوال حولهم، فتجد من ينعت أحدهم بالدكتور وآخر بالعلامة الشيخ أو بالداعية، والحق إنك تفاجأ بظهور هذا الشيخ أو الدكتور أو الداعية دون أن تعرف خلفيته العلمية، فإذا قبض عليه فى قضية ما وأجبر على تقديم أوراقه لجهات رسمية تكتشف أنه كان سباكًا أو نجارا، والغريب أنك تجد من يدافع عنه ويقول: هل درس ابن تيمية فى الأزهر؟ والغريب أيضا أنك تفاجأ بأتباعه وهم يتزايدون على صفحات التواصل الاجتماعى وتلاحقك فيديوهات له وآراء ودروس وأخبار عنه، فإذا نجحت هذه الآلة الإعلامية وأتت بنتيجة إيجابية بدأت قنوات التليفزيون فى استضافة هذا الشخص، وقد تكتشف بعد تمحيص وتفتيش أن هذا الداعية هو أحد ملاك القناة التى يظهر بها، والسؤال من أين أتى بكل هذه الثروة إلا إذا كان ممولًا لأهداف معينة، فمن يقدم المال يريد المقابل، وفى خضم هذه الصراعات العالمية «السياسية والدينية والعرقية والحضارية» يلعب المال دوره فى حرب من نوع جديد، وغاية هذه الحرب هى تفتيت الشىء من داخله، وكم أتمنى أن يطالع القارئ الكريم الكتاب الذى وضعه الرئيس الأمريكى الأسبق ريتشارد نيكسون بعنوان «نصر بلا حرب»، والذى سبق لنا عرضه من قبل فى نفس هذا المكان، والكتاب يشير بوضوح إلى الاستراتيجية التى ستقوم الولايات المتحدة الأمريكية باتباعها مع الاتحاد السوفييتى من جانب ومع الدول العربية والإسلام السياسى من جانب آخر، وذلك بعد هزيمة إسرائيل فى أكتوبر 73، وبالمناسبة فإن مترجم هذا الكتاب إلى العربية هو المشير محمد عبدالحليم أبوغزالة، وهو من أهم الكتب التى قرأها المرء فى حياته لما يتضمنه من خطط واضحة ومن حوارات مهمة تمت بين نيكسون ومهندس العلاقات الخارجية الأمريكية هنرى كيسينجر، ومن بين ما جاء فى هذا الكتاب ضرورة مساعدة جماعات الإسلام السياسى فى الوصول إلى الحكم وكيفية القضاء عليها من داخلها، وفكرة القضاء على الشـىء من داخله هو المتبع حاليًا، فمن السهل أن أساند شيخًا- ربما بل وفى كثير من الأحيان- دون أن يدرى، فأمده بالمال وبالتلميع الإعلامى ثم أوجهه بالحديث عن أشياء معينة وأقدم له مراجع مهجورة أو بمعنى أصح أقود عقله، فالملاحظ أن هؤلاء الدعاة يتحدثون عن أشياء تفرق ولا تقرب، وتهدم ولا تبنى، فهم يأتون بالشاذ الغريب ليبرزوه أمام العامة، فتراهم يتحدثون عن أثداء الحور العين وحجمها ووزنها، وكيف أن الرجل فى الجنة يستطيع مجامعة إحداهن أكثر من مائة مرة فى اليوم الواحد ولمدة تزيد عن سبعين سنة، فتأتى حورية أخرى وتغار من زميلتها فتدعوه لنفسها ليبقى معها مدة شبيهة، وكأن الرجل يعبد الله فى الدنيا ويفعل الخير كى يعيش فى الآخرة مع الحوريات، وإذا أردت مشاهدة هذا الفيديو فلن يكلفك سوى البحث عليه فى موقع «يوتيوب» لتجد شيخا وقورا يفيض من علمه فى هذا الحديث ويصف لك طرق وأساليب الجماع فى الجنة، وهناك من يتحدث عن إرضاع الكبير، وأحدهم يقول نصًا: إن كل من أفتى بأن إرضاع الكبير يتم بواسطة وضع اللبن فى إناء تم شربه هو جاهل بالشريعة وإنما لابد للرجل أن يلتقم ثدى المرأة الغريبة بفمه ليرضع منها، فيصبح أخا لها، وهذا الذى يصف نفسه بالشيخ يذكر أن السيدة عائشة فعلت ذلك، والسؤال المنطقى كيف فعلته وهى لم تلد فى حياتها، وبالتالى لم يصبح فى ثدييها لبن، ومن الفتاوى الغريبة أيضًا جواز أن يتلصص الشاب على خطيبته أثناء استحمامها ليشاهد فيها ما يدفعه للزواج منها، وفتوى أن الشيطان يجامع الزوجة إذا تعرت وهى نائمة، والفتوى التى أطلقها الشيخ ياسر برهامى وهو من كبار شيوخ السلفية حين أجاز للرجل أن يتخلى عن امرأته لمغتصبها إذا خاف على نفسه من الموت، وهناك من أفتى بتدمير الأهرامات وأبوالهول باعتبارها أصنامًا، وهناك من أفتى بنكاح الزوجة الميتة والبهائم، أخيرًا بدأ الحديث عن فتاوى إباحة معاشرة الروبوت وذلك بعد اختراع الروبوت صوفيا فى أكتوبر 2017، ولا شك أن هذه الفتاوى خاصة الأخيرة تثير السخرية منا كمسلمين، فالغربى يخترع ويبتكر ونحن ما زلنا لا نفكر إلا فى النصف السفلى فقط، هم يتساءلون كيف نصعد بالروبوت إلى الفضاء ونحن نتساءل هل يجوز لنا مضاجعته؟ هم يتمكن الروبوت من إجراء عمليات جراحية معقدة، ونحن نتساءل عن هل تتم المضاجعة من الفرج أم الدبر؟ ولست أشك فى أن هؤلاء الشيوخ والدعاة هم أكثر الناس هدمًا للدين، وخدمة لأعدائه، والنتيجة أن أعداد الشباب الملحد فى تزايد بسبب مثل هذه الفتاوى التى لا تخاطب العقل ولا العصر، وحين طلب الرئيس عبدالفتاح السيسى فى أكثر من لقاء ضرورة تحديث الخطاب الدينى فهو بلا شك يقصد أن يكون الخطاب الدينى مواكبا لعقول الشباب الذين يتعاملون الآن مع الإنترنت ويتواصلون فى عالم افتراضى يحوى جيوشا تحاربنا دون أن نراها.