الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

اصنعوا معارضتكم.. كما تتغنون بها

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
منذ ما يقرب من قرن.. ازدهرت الحياة السياسية فى مصر، حين كان للمعارضة «عقل».. تداولت أحزاب حقيقية مثل الوفد، الحزب الوطنى الذى أسسه مصطفى كامل، الأحرار الدستوريين، الأمة، مهام الأغلبية والمعارضة عند تشكيل الوزارات، ومارست دورها المؤثر داخل البرلمان فى رسم المشهد السياسى، وفرض رؤيتها لمشروعات الإصلاح الوطنى والدستورى، بعدما اكتسبت قوتها وشعبيتها من الشارع، خلال الثمانية أعوام الماضية عاشت مصر أحداثا بالغة التناقض.. اصطدم انفجار حالة المطالب الشعبية بواقع غياب النخبة السياسية.. خذل الشارع حالة «الهشاشة» التى دبت عبر عقود فى مفاصل الأحزاب والكتل السياسية، وتدنى الوعى السياسى بين النخبة، ما أبعدها تماما عن قيمة فكرة المعارضة.
منذ 2011، اقتصر دور القوى التى تضع نفسها فى خندق المعارضة على التلذذ بترديد أسطوانة «المظلومية» و«تكبيل» الدولة لحقوقها فى ممارسة النشاط السياسى.. رغم أن التاريخ لا يذكر سابقة واحدة على اعتبار المعارضة منحة أو هبة تهبط على أصحابها من «سماء» الحكومة، حتى فى ظل أعتى الدكتاتوريات! تاريخ مصر المعاصر يذكر شعبية حزب الوفد الهائلة كأكبر حزب سياسى، رغم شراسة الحرب. الشارع التف بفطرته حول المعارضة حين كان دورها مراجعة السلطة الحاكمة فى الصالح الوطنى، مثلا.. موقف التصدى الحازم لرئيس حزب الوفد،آنذاك، مصطفى النحاس فى مواجهة دعاوى التخريب التى بشر بها حسن البنا. حاليا، ارتضت «المعارضة» مغازلة محاولات تفكيك الدولة وإسقاط كل قواعدها لصالح الفوضى.. بالتالى عليها تحمل نتائج تدنيها إلى نغمة «نشاز» تثير سخط واستفزاز الشارع، بعدما كشف فراغها من أى مشروع سياسى جاد يساهم فى إيجاد وفرض حلول لمشاكله.
هذه التيارات التى لا يسمع لها المواطن صوتا إلا فى مواسم الانتخابات.. من حقه الآن معرفة برنامجها الذى تستعد له خلال الأعوام المقبلة.. سنين وهى تبررعجزها بالتباكى على عدم تمتع مصر بالديمقراطيات التى ينعم بها العالم! ولم تلتفت إلى حقيقة أن المعادلة السياسية لأى ديمقراطية لا تقوم على الأخذ فقط دون العطاء. أحزاب معارضة مثل «العمال» فى بريطانيا، «البديل من أجل ألمانيا» و«الاشتراكى الديمقراطى» فى ألمانيا،«الجبهة الوطنية» و«الاشتراكى» فى فرنسا.. لم تؤسس قواعدها كمنحة من دولها.. ولا طافت العالم تنقل أطماعها وأحقادها الشخصية أو حتى خلافاتها على قضايا دولها الداخلية، لكنها نجحت فى شق طريقها إلى البرلمان اعتمادا على حجم شعبيتها كى تخوض أشرس معاركها فى إطار عنوان عام يجمعها مع الحزب الحاكم.. صالح الوطن، أمريكا التى يحتكر الحكم وأغلبية مقاعد الكونجرس فيها حزبان «الجمهورى والديمقراطى».. كلها نماذج سياسية اعتمدت على قائمة إنجازاتها السابقة، وبرامجها المستقبلية، ونجاحها فى إقناع المواطن بها.
كل صوت عاقل يُدرك أهمية المعارضة، تحديدا فى حالات الحرب والتحفز التى تواجهها مصر منذ 2013.. حين يرتقى أداؤها ليبلغ أعلى درجات النضج والوطنية عبر الدعوة إلى الاصطفاف الشعبى والعمل على توحيد الجبهة الداخلية، وهو ذات التوجه الذى تتبناه أشرس كتل المعارضة فى مختلف ديمقراطيات العالم التى تتغنى بها أصوات من يتخذون المعارضة عنوانا لهم. هذا النهج لا يستدعى المعارضة المستأنسة أو الشكلية، بالإضافة إلى أن مستوى الوعى والنُضج الذى تدير به القيادة السياسية برئاسة الرئيس عبدالفتاح السيسى ملفات الأزمات المصرية -سواء على الصعيد الداخلى أو الخارجى- أثبت عزوفه عن الانزلاق إلى مسار تحييد أو تهميش أى رؤية معارضة فى إطار صالح الوطن.
هناك نبرة تفاؤل عام بعد فوز المستشار بهاء الدين أبوشقة برئاسة حزب عريق فى دهاليز السياسة مثل الوفد، «أبوشقة» يملك فرصة جيدة للنجاح وخلق حالة متوازنة فى الحياة السياسية مع مختلف الدوائر الحكومية، ما قد يحقق نقطة بداية لإرساء مبدأ التعددية الحزبية.. أو فرصة لإعطاء الأحزاب الجديدة نموذج فى العمل السياسى كى لا تنضم إلى من سبقها من الأحزاب «الكارتونية».
إن «عقل» المعارضة يحتم عليها وهى تضع عين على حقوقها ومطالبها، توجيه العين الأخرى نحو واقع الملفات المصرية بكل تحدياتها الأمنية والاقتصادية.. وحين يلمس الشارع المصرى بفطرته جدية المعارضة.. عندها فقط ستحظى باهتمامه.
-------------------------
اقتباس: إن «عقل» المعارضة يحتم عليها وهى تضع عين على حقوقها ومطالبها، توجيه العين الأخرى نحو واقع الملفات المصرية بكل تحدياتها الأمنية والاقتصادية.. وحين يلمس الشارع المصرى بفطرته جدية المعارضة.. عندها فقط ستحظى باهتمامه.