الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

محافظات

"قرية الجبيل".. مصنع تفريخ فدائي جنوب سيناء

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
على مسافة 5 كيلو مترات من مدينة طور سيناء، عاصمة محافظة جنوب سيناء، تقف قرية صغير بحجمها، كبيرة برجالها الأبطال، من فدائي ومجاهدي سيناء، الذين سطروا حروف حياتهم من نور.
هي قرية صغيرة بحجمها، كبيرة بآثارها وعبق الماضي الذي يضرب في جذور التاريخ وتجده بجلاء بين ثنايا هذا الشاطئ البكر، إذا وضعت رحالك بها رأيت الرمال العذراء تداعب أمواج البحر الدافئة، وهذه مواويل بحارتها لا تزال تصدح في آذاننا حين ركبوا وخاضوا غمار البحر لطلب الرزق.
إنها قرية "الجبيل"، ولها مسمى آخر، وهو قرية "الصيادين"، لأن معظم قاطنيها يمتهنون حرفة الصيد.
وتُعد قرية "الجبيل" وبحق مصنع تفريخ فدائي ومجاهدي جنوب سيناء، حيث تحتضن القرية العشرات من المجاهدين الذين كان لهم دور أساسي في معركة أكتوبر عام 1973، وكان كل فرد منهم هو جندي غير نظامي داخل قواتنا المسلحة الباسلة.

وقال الشيخ إبراهيم سالم جبلي، رئيس ائتلاف مشايخ جنوب سيناء: "لم يقتصر دور بدو جنوب سيناء في مساعدة الجيش المصري في حرب أكتوبر 73 فقط، ولكن قاموا بتضحيات وبطولات منذ نكسة 67، فالبدو والمشايخ هم الذين قاموا بتوصيل الجيش المصري إلى الضفة الغربية لقناة السويس وفي حرب الاستنزاف كنا همزة الوصل مع الأجهزة المصرية لتوصيل المؤن والمواد الغذائية من الغرب للشرق والمعدات الحربية من الشرق للغرب فوق الجمال فالمشايخ والرجال والشباب حتى السيدات كلهم وهبوا أرواحهم فداء لتراب مصرنا الحبيبة".
وتابع الشيخ إبراهيم، بالحديث عن شقيقه الشهيد حميد، بقوله: "كان دليلا بدويا لقوات الكوماندوز المصرية مع المرحوم سعد جبلي خميس وأنهما زرعا الألغام لتدمير مركبات العدو في طريق شرم الشيخ كما دمر أهدافًا كان العدو يسيطر عليها في مطار طور سيناء".

وأشار إلى أن شقيقه المرحوم الشيخ محمد سالم جبلي كان قائدا لمجموعة مدنية وتم أسره من قبل الاحتلال الإسرائيلي الذي حكم عليه بالسجن المؤبد المضاعف لمدة 75 عامًا، وتم الإفراج عنه بعد 3 سنوات من سجنه، ومعه من المزينة سعد خميس وحسين عايد في حركة تبادل الأسرى بين مصر وإسرائيل وبعد تحقيق النصر في 73 استعانت الدولة بوالدي المرحوم سالم جبلي أبو بريك شيخ مشايخ قبيلة المزينة في عهد الرئيس السابق مبارك لمعرفة حدود طابا لأنه كان من ضمن مشايخ سيناء الذين لديهم خبرة معرفة العلامات الحدودية والادعاءات الباطلة التي تهمل دور البدو في 73 لا أساس لها من الصحة والتاريخ شاهد عيان والقوات المسلحة هي الجهة الأكثر يقينا بما قام به البدو من تضحيات وشهادة الرئيس جمال عبد الناصر والسادات والرئيس السابق مبارك ومنح أنواط الواجب الوطني من الطبقة الأولى لبدو سيناء لم يأتي من فراغ وأكبر دليل على انتماء وإخلاص وعشق بدو سيناء لتراب مصر النفيس وفي تخليد ذكرى تحرير سيناء يناشد الشيخ إبراهيم المسؤولين برعاية جمعية مجاهدي سيناء وكل من قدم روحه فداء مصر من بدو سيناء وأسرهم فلولا هؤلاء ما كنا اليوم نعيش على هذه الأرض الطاهرة التي ارتوت بدماء آلاف الشهداء وننعم بهذا الرخاء وهذه التنمية ويحث الشيخ إبراهيم الشباب على ضرورة معرفة التاريخ وكفاح جدودهم وآبائهم والتحامهم مع القوات المسلحة وإعادة سيناء الحبيبة ولا بد من تضافر الجهود لدفع عجلة التنمية حتى لا نضيع ما ضحى به أبطالنا وشهداؤنا هباء فتعمير الأرض هو أقل شيء يمكن أن نقدمه لهؤلاء الأبطال".


كما أنجبت قرية الجبيل المجاهد البطل "سعد جبلي خميس"، من قبيلة المزينة، أكبر قبائل جنوب سيناء، من كان له شرف المشاركة في تحقيق نصر أكتوبر وتحرير سيناء يرويها لنا نجله الأكبر "حميد سعد"، والذي قال: "والدي رحمة الله عليه، ولد في سيناء عام 1925 ونشأ في أسرة بسيطة الحال كادحة تعتمد في رزقها ومعيشتها على الصيد والعمل في البحر بالمراكب الشراعية تزوج والدي وأنجبنا نحن ثلاثة أولاد وبنت وكان يتميز بحبه الشديد لوطنه مصر ومعروف بوطنيته وفدائه".

وأوضح أن بعد نكسة 1967، بدأت رحلة والدي في الجهاد مع الجيش المصري لتحرير سيناء، حيث عمل متطوعا مع الجيش المصري عن طريق المخابرات الحربية، لافتًا إلى أن الأسرة آن ذاك لم يكن لها اختيار، فنداء الوطن فوق كل اعتبار، مهما كانت التضحيات وتقديم كل ما هو غال ونفيس حتى ولو كانت الروح من اجل تحرير الأرض، فشرع والدي في نقلنا من سيناء إلى الغردقة بالبحر الأحمر وكنا صغارا وقتها، نقلنا بمركب شراعي بسيط حتى يتفرغ للعمل بحرية مع المخابرات الحربية داخل سيناء.


وعند أبيه المجاهد "سعد جبلي"، قال حميد: "عندما احتلت سيناء عمل والدي البطل خلف خطوط العدو هو ومجموعة ضباط من الجيش المصري وكانوا يتنقلون ليلا من منطقة جبلية إلى أخرى لتنفيذ عمليات كتصوير مواقع إسرائيلية وزرع ألغام لاستنزاف العدو وكانوا يعودون كل فترة ومعهم ما تم تصويره إلى البر الغربي بالبحر الأحمر لمركز القيادة ثم يعودون مرة أخرى عن طريق اللنشات التي تقوم بتنزيلهم على شواطئ سيناء ومعهم طعامهم والماء الذي يكفيهم لمدة أسبوع أو أكثر حسب ظروفهم في عملهم".
وتابع: "كان هناك مواقف كثيرة قصها والدي لنا ويحضرني هنا قصة رواها والدي لي حيث قال إن الطعام معهم قد نفذ ثم طلبوا من والدي أن يتصرف ويذهب للساحل في يوم حضور اللنش البحري الذي يأتي ببعض الضباط والمجاهدين ومعهم الطعام والذي كان عبارة عن بعض المعلبات فذهب والدي لانتظار اللنش ماشيا من الجبل إلى الشط ليلا وفى عتمة شديدة مسافة تتعدى الـــ 30 كيلو على قدميه ليحضر لهم الطعام، فعند وصوله للشط وجد رجلا ينتظر على الشط فقال له من أنت ؟ قال أنا فلان فقال له ماذا تفعل هنا ؟ اخبره انه ينتظر اللنش للعودة للبر الغربي حيث انه كانت هناك مجموعات من الوطنيين والمجاهدين يعملون في سيناء المهم اخذ والدي طعام من اللنش من المعلبات وبعض الأشياء وعاد مرة أخرى إلى حضن الجبل في نفس الليل وهنا فرح به الضباط المصريون الذين كانوا معه يختبئون في الجبال لتنفيذ المهمات وحملوه على أكتافهم واخذوا يرفعونه إلى الأعلى ويقذفونه فرحين به وهم يهتفون تحيا مصر تحيا مصر بعد أن ظنوا أنهم كانوا سيموتون جوعا وعطشا في الجبال الوعرة وظلوا يعملون إلى أن تم القبض عليهم في عام 1970 واعتقل في إسرائيل لسنوات رأى فيها الموت مرات ومرات أثناء تعذيبهم بمعرفة العدو الإسرائيلي".


أما عياد سالم عطوة، من قبيلة "أولاد سعيد"، فقال: "حضرت الحرب وكنت وقتها أعمل في ورشة ميكانيكية بالشرم وتم ضرب الشرم وكان عددنا 31 فردا وفي أثناء الضرب مكثنا مختبئين تحت الحجارة لمدة 24 ساعة وبعد أن توقف الضرب فررنا إلى كاترين سيرا على الأقدام وتولى محمود حسين كان صاحب محطة بنزين حماية الفارين في جبل البنات بكاترين بجوار الشيخ عواد ومكثنا بالجبل ما يقرب من 6 شهور وبعدها انتقلنا إلى جبل المعصا بالقرب من الطرفة التابعة لمدينة كاترين وكان معنا صديق رحمة الله عليه اسمه عبد الرحمن كان معه جهاز موتورولا وقمنا بالاتصال بالسويس وتم إرسال لنش فيه سالم عطوة رحمة الله عليه وعطية عطوة موسى وتم توصيل قوات الجيش كان بالجمال ليلا ويستطرد عياد قائلا كل ما فعلناه لأننا نحب أرضنا ولا نقبل أن يحتلها أحد".


ومن أبناء قرية الجبيل أيضًا، المجاهد عواد سليمان عودة، الشهير بــ "عواد أبو فريح"، من قبيلة المزينة، الذي توفي منذ 7 سنوات عن عمر يناهز 68 عامًا، حصل على نوط الواجب من الطبقة الثانية من رئيس الجمهورية، قام بالعديد من العمليات الفدائية، يرويها لنا ابن أخيه حميد عواد سليمان، رئيس قسم بالتعليم الابتدائي بمديرية التربية والتعليم بجنوب سيناء.
وقال حميد عواد: "أثناء الاحتلال منذ عام 1967 قام عواد أبو فريح بالعديد من العمليات الفدائية كرجل مدني متطوع، مضحيا بحياته، ومن هذه العمليات، اعتلاؤه المباني المقامة بجوار مطار طور سيناء كانت تسمى "الكروم" لتصوير مطار الطور والذي كان يستخدمه العدو موقعا عسكريا لهم.

كما عمل عواد أبو فريح، خلف خطوط العدو لصالح القوات المسلحة المصرية وشاء قدره أن تم أسره في مدينة شرم الشيخ أثناء قيامه بإحدى المهمات المكلف بها من قبل القوات المسلحة المصرية وحكم عليه بالسجن 3 سنوات داخل السجون الإسرائيلية رأى داخلها أشد ألوان العذاب كإطفاء السجائر في جسده وغيرها.
وأضاف أنه بعد خروجه من السجن قبل حرب 1973 وتكريما له تم تعيينه بمديرية الأوقاف وتم صرف معاش شهري من القوات المسلحة " معاش مجاهدي سيناء " مازال يصرف له حتى الآن ويتقاضاه أبناؤه.

ولفت "حميد" إلى أن المجاهد "عواد أبو فريح" تعرض لمواقف صعبة كثيرة منها أنه كان يقوم بإحدى العمليات الفدائية المكلف بها من قبل القوات المسلحة المصرية كان سيتم القبض عليه ويقع في يد العدو أثناء تمشيط قوات الاحتلال المناطق الجبلية لولا معاونة بعض أفراد قبيلته في الاختفاء عن أعين العدو.


وتابع حميد: "كان المجاهد له أخ أصغر منه تشرب الفدائية من أخيه وسار على نفس الدرب يدعى جمعة سليمان عودة الشهير بـ "جمعة أبو فريح " يبلغ من العمر الآن 71 عاما ومقيم حاليا بمحافظة البحر الأحمر، حصل هو الآخر على نوط الواجب من الطبقة الثانية من الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وكان له شرف المشاركة في معركة " شدوان " وبالتحديد في 22 يناير عام 1970".
وأوضح أن "شدوان"، عبارة عن جزيرة صخرية منعزلة مساحتها تقريبا 61 كيلو متر وتقع بالقرب من مدخل خليج السويس وخليج العقبة بالبحر الأحمر، وعليها فنار لإرشاد السفن وتبعد عن الغردقة 35 كيلو متر وعن السويس 325 كيلو متر، وقد حدثت هناك اشتباكات بين سرية من فرقة الصاعقة المصرية وكتيبة من المظليين الإسرائيليين.

وأشار إلى أن دور المجاهد جمعة أبو فريح، في شدوان، كان متمثلا في نقل مؤن ومعدات للقوات الموجودة في جزيرة شدوان بمركب صيد، كما كان له دور بارز في حرب 67 حيث شارك في أكثر من عملية فدائية مع أحد القادة ويدعى اللواء " شبل اللبودي" والذي ترأس مدينة شرم الشيخ فيما بعد.
وقام جمعة أبو فريح، بعمليات استطلاعية بمدينة طور سيناء كما عمل على "لانش" لنقل مواطنين من السويس إلى سيناء إيابا وذهابا وكان من بينهم أفراد من القوات المسلحة.