يُعتبر أبو عبدالله الواقدي من أقدم وأشهر المؤرخين العرب، تفوق في كتابته للتاريخ على ابن إسحاق المؤرخ الأول، ونال مكانة كبيرة بين الباحثين والمحققين، اشتهر بكتابه "المغازي والسير" الذي سرد فيه وقائع غزوات النبي محمد صلى الله عليه وسلام بطريقة مغايرة لكتاباته التاريخية التي سبقته والتي كانت تعتمد على نصوص الحديث وألفاظ الرواة بشكل كلي دون الاهتمام بمتطلبات الكتابة التاريخية.
الواقدي، والذي تحل ذكرى وفاته اليوم الجمعة، اسمه أبو عبدالله محمد بن عمر الواقدي، ولد في المدينة المنورة عام 130 هـ/ 747م، عمل بالتجارة ثم فسدت فرحل إلى العراق ودخل في خدمة هارون الرشيد الذي ولاه القضاء في بغداد.
امتلك مكتبة ضخمة، وقد تلقى العلم عن علماء عصره في المدينة والعراق، فقد أخذ الحديث والفقه عن الإمام مالك بن أنس، والتاريخ عن أبي معشر السندي، كما أنه اطلع على الفنون والعلوم فاتسعت ثقافته وتفتحت مداركه.
ألَّف كثيرًا من الكتب، منها كتاب "المغازي والسير"، وكتاب "فتوح الشام"، وكتاب "فتوح مصر"، وكتاب "فتوح البهنسا"، وكتاب "فتوح العجم والعراق" وكتاب "فتح إفريقية".
وكان منهجه في كتابة "المغازي" مغايرا لابن اسحاق في المادة والأسلوب، فهو منتظم ومنطقي، يقتفي الأحداث، ويعرضها في إطار موضوعي، يذكر التفاصيل، يهتم بذكر التواريخ، يورد أسماء أمراء المدينة الذين يخلفون النبي أثناء غيابه، يهتم بالتسلسل وربط الأحداث، تعود أن يزور الأماكن التي دارت بها الواقائع ليتمكن من وصفها بدقة، ولقد ابتعد الواقدي عن طريقة المحدثين المألوفة، فلم يلتزم بالأسانيد وألفاظ الرواة، وصاغ تاريخه بأسلوب قصصي واضح العبارة وسهل التناول ومحبب من الناس، وربما هذه الطريقة غير المألوفة لدى القدماء كانت سببا في جعل البعض يظن أنه يختلق الحكايات ويميل للقصص دون تمحيص الروايات فابتعدوا عنه وشككوا في كتابه.
ولقد نال كتابه أهمية كبيرة، وقد اعتمد على مغازي وسير الواقدي الدكتور طه حسين بصورة كبيرة في مؤلفاته التاريخية والمتعلقة بالحوادث الإسلامية الماضية.
وعاش الواقدي محبا للتاريخ والسير، وقد توفي في 11 ذي الحجة 207 هـ الموافق لـ 27 أبريل 823، تاركا وراءه علامة بارزة في الكتابات التاريخية.
