الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

العالم

بي بي سي: السادات كان يفكر في التنحي قبل اغتياله.. وثائق بريطانية: وعد بترك السلطة قبل حادث المنصة بـ"6 أشهر".. شبكة "سي بي إس" الأمريكية أول جهة تعلن موت الرئيس

 الرئيس الأسبق أنور
الرئيس الأسبق أنور السادات
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كشفت وثائق سرية بريطانية أن الرئيس الأسبق أنور السادات كان ينوى التخلى بإرادته عن الرئاسة، غير أن اغتياله عجل بالنهاية الدرامية له ولحكمه، بحسب تقرير نشرته اليوم الخميس، هيئة الإذاعة البريطانية «بى بى سي»، استنادا إلى الوثائق التى قالت إنها حصلت عليها حصريا بمقتضى قانون حرية المعلومات.
وقال التقرير أن المشير محمد عبدالحليم أبوغزالة، وزير الدفاع حينها، «ضلل الأمريكيين بشأن مصير السادات بعد حادث المنصة الشهير، حين قُتل السادات، وسط وزرائه وقادة الجيش، خلال عرض عسكرى سنوى فى ٦ أكتوبر عام ١٩٨١، وحكم بالإعدام بعدها على عدد من المتشددين الإسلاميين بينهم عسكريون شاركوا فى التخطيط لعملية الاغتيال وتنفيذها.
كان السادات قد تحدث مرارا، فى الشهور السابقة على الحادث، عن رغبته فى التقاعد، غير أن حديثه لم يُكن يؤخذ، سياسيا وشعبيا، على محمل الجد.
وفى تقرير مفصل بعث به إلى حكومته بعد ٢٣ يوما من الاغتيال، قال مايكل وير، سفير بريطانيا فى القاهرة حينذاك، إن السادات كان جادا فى كلامه عن التنحي، وتوقع السفير أن يكون ذلك يوم استرداد مصر الجزء الباقى من سيناء من إسرائيل فى ٢٥ أبريل عام ١٩٨٢، أى بعد حوالى ٧ شهور من الاغتيال.
وأضاف: «أعتقد أنه ربما كان فى ذهنه فعلا أن يتقاعد فى ذلك التاريخ الرمزي»، مشيرا الى «إنه لو كان قد قُدر له أن يفعل ذلك، لكان الشعور الشعبى تجاهه أعظم بكثير مما كان».
يذكر أن وثائق بريطانية أخرى كانت قد أشارت إلى وجود علاقة جيدة بين السفير والسادات، إذ كان وير قد التقى السادات قبل قرابة ٥ شهور من حادث الاغتيال، برفقة لورد بريطانى بارز كان يريد إقناع السادات بالقيام بزيارة أخرى للقدس.
وحضر السفير و٣ من الملحقين العسكريين البريطانيين وزوجاتهم العرض العسكري، الذى قتل فيه السادات و٧ آخرين بينهم كبير ياوران الرئيس، وكان ضابطا برتبة لواء أركان حرب.
وكان السفير يجلس، حسب روايته، مباشرة خلف المنصة الرئيسية التى كان يجلس فيها السادات ونائبه مبارك والمشير أبوغزالة.
وقال السفير: إن السادات ناقش مع مبارك «كيف يجب أن يكون الاحتفال باستعادة الجزء الأخير من سيناء»، وهو الحدث الذى كان المصريون يترقبونه.
وكانت أجهزة الأمن قد قبضت، بأمر من السادات، على المئات من معارضيه السياسيين قبل أقل من شهر من اغتياله، فيما عرف حينها باسم «اعتقالات سبتمبر»، التى أثارت غضبا على نطاق واسع فى مصر.
وتشير معلومات البريطانيين إلى أن هذه الاعتقالات كانت مدفوعة فيما يبدو بمخاوف أمنية.
وفى تقرير إلى السكرتير الخاص لوزير الخارجية بعد حوالى ٣ أسابيع من الاغتيال، قال رئيس إدارة الشرق الأدنى وشمال أفريقيا فى الخارجية البريطانية إنه «يبدو واضحا أن قرار السادات شن حملته للتطهير فى سبتمبر قد ساعدت فى منع محاولات اغتيال سابقة».
وسرد تقرير «وير»، الذى جاء فى ١٩ صفحة، بعض تفاصيل مشهد الاغتيال، فقال إن إحدى القنبلتين الارتجاجيتين اللتين ألقاهما أحد المهاجمين أصابت وجه أبوغزالة لكنها لم تنفجر.
وأضاف أن قائد سلاح البحرية، الفريق بحرى محمد على محمد أمين، «تحلى بشجاعة استثنائية إذ ألقى بالكراسى على المهاجمين».
وفيما يتعلق برد حراس السادات الشخصيين الذين قال السفير إنهم كانوا جميعا خلف المنصة وبجانبها، فقد «شاركوا فى الرد بلا فائدة بمسدساتهم» على المهاجمين.
ووفق رواية السفير، استفز هذا الرد واحدا أو أكثر من المهاجمين فأطلقوا نيران بنادقهم على منصة الدبلوماسيين التى كانت قريبة من المنصة الرئيسية. وأدى هذا فيما يبدو إلى مقتل عضو بالوفد العمانى وآخر بالوفد الصيني.
وقال «وير» إن «أبوغزالة» اتصل من مكتبه، بعد الحادث، بالسفير الأمريكى «ليبلغه بأن الرئيس أصيب إصابات طفيفة فقط وأن ٣ من القتلة تم القبض عليهم وتم قتل ٣ آخرين».

كانت شبكة «سى بى إس» الأمريكية هى أول جهة تعلن، نقلا عن مصادر فى مستشفى المعادى العسكرى الذى نُقل إليه السادات بعد الهجوم، موت الرئيس. غير أن «وير» قال: «السفير الأمريكى وأنا اتفقنا على أنه رغم الاستفسارات الملحة بشكل متزايد من جانب واشنطن ولندن، لم نتمكن من تقديم رأى مستقل قبل صدور إعلان رسمى من الحكومة المصرية».
وفى تقريره، أشار «وير» إلى أن زميله الأمريكى تعرض لحملة شرسة فى صحيفة «واشنطن بوست» بعد أن أعلن سيناتور أمريكى أمام مجلس الشيوخ وفاة السادات، وحينها اتهمت السفارة فى القاهرة بالتقصير وأنها ليست على تواصل مع الحكومة أو تماس مع الرأى العام فى مصر.
وفضلا عن مصير السادات، كان التساؤل الأهم حينها هو: من وراء العملية؟ 
وثارت تكهنات أولية بشأن دور محتمل للجيش، غير أن البريطانيين استبعدوا من البداية أى ضلوع للجيش.
وقال رئيس إدارة الشرق الأدنى وشمال أفريقيا فى الخارجية البريطانية، فى تقرير لرؤسائه، عقب الاغتيال مباشرة إنه «فى ضوء الاعتقالات الأخيرة، لا بد أن المتطرفين المسلمين هم المشتبه بهم الرئيسيون».
واستند هذا التقييم إلى تقدير موقف أولى سريع كان قد بعث به السفير البريطانى فى القاهرة إلى لندن عقب الحادث مباشرة، قال فيه: «بشكل عام تعتبر مسألة وجود مؤامرة من داخل القوات المسلحة أحد أقل التهديدات للسادات احتمالا».
كانت التكهنات بشأن موقف الجيش قد انتشرت بعد أن تبين أن عددا من الضباط العاملين والسابقين شارك فى العملية، وهم خالد الإسلامبولى الضابط بسلاح المدفعية الذى كان أخوه من بين المعتقلين فى حملة سبتمبر، وعبود الزمر الضابط بإحدى الوحدات الفنية فى إدارة الاستخبارات والاستطلاع بالجيش، وحسين عباس القناص بالجيش وعطا طايل، وهو ضابط احتياط وعبدالحميد عبدالسلام الضابط السابق بالسلاح الجوي.
يُذكر أن وثائق بريطانية أخرى كانت قد أشارت إلى أن أجهزة أمنية ودبلوماسية بريطانية تنبأت باغتيال السادات قبل حادث المنصة بعامين وسبعة أشهر. ففى تقرير أعد فى شهر فبراير عام ١٩٧٩، عن «الوضع السياسى الداخلى فى مصر»، قالت إدارة الشرق الأدنى وشمال أفريقيا فى الخارجية البريطانية إن الاغتيال هو أهم ما يهدد السادات شخصيا ونظامه.
ورتب التقرير الأخطار التى تهدد السادات قائلا: «لأنه يهيمن على المشهد المصري، فإن السادات شخصية عرضة للخطر. غير أن الاغتيال أو الأسباب الطبيعية أو الاستقالة، وليس الثورة، هى (الوسائل) الأكثر احتمالا لإزاحته من المشهد».
وعندما بدأت السلطات المصرية فى التحقيق بشأن حادث الاغتيال، كانت السفارة البريطانية «على اتصال» مع محققين شاركوا فى استجواب المعتقلين، كما تكشف الوثائق الجديدة.
وقالت السفارة البريطانية: «أحاديثنا مع المشاركين فى استجواب هؤلاء المتطرفين -وليس فقط القتلة- تشير إلى أنهم كانوا مدفوعين بدرجة كبيرة بخيبة أمل من المجتمع وكذلك بغرض سياسى محدد».
وأضافت أن «هؤلاء اعتقدوا أن المجتمع المصرى ليس لديه ما يقدمه لهم وراودهم أمل بأن بتدميره ربما يظهر شيء أفضل».
وألمحت الوثائق إلى وجود تقصير يتعلق بعدم كفاية تدابير الأمن خاصة المتعلق بالرئيس خلال العرض العسكري، وقال الملحقون العسكريون البريطانيون الثلاثة الذين حضروا العرض إنه «باستثناء عدد من الحراس الشخصيين فى سيارة الرئيس وتفتيش دقيق لحقائب اليد... إلخ، لدى دخول المنصة، كانت هناك احتياطات أمن واضحة قليلة». وأضافوا «ربما منعت تغطية (أمنية) أفضل الآثار الأسوأ للهجوم».
وفيما يتعلق بتأثير الحادث على القوات المسلحة المصرية فى ذلك الوقت، أشار التقرير بالتحديد إلى أن مديرى سلاح المدفعية والاستخبارات العسكرية ومرؤوسيهم «سوف يواجهون أسئلة بالغة الصعوبة يتعين أن يجيبوا عنها».