الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

من أم إلى طفلتها المراهقة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أعرف أنك بدأت فى السن الذى يَطلُب منكِ أن تحيطيه بالإعجاب، قد بدأتِ لتوك أن تكونى أنثى، وهذه الأنثى تريد أن تخرج للعالم، وكما يبدأ الرجل عند سن بلوغه أن يطلق لحيته الخفيفة، وأن يعرّض صوته الأجش أكثر، وأن يحمى أخته من الرجال فى مثل سنه، هو لا يزال يبدو فى هذا السن كمجرد مبتدئ، لا يعرف ماذا يفعل، فيتصرف برعونة، تُضحك أحيانًا من حوله، أنتِ تريدين أن تظهرى مفاتنك، وأن ترى نظرات الإعجاب فى عيون من حولك، وأعى جيدًا كم هذا طبيعى.
تركتك منذ صغرك تختارين ملابسك، لأنكِ كنت طفلة حينها، ولم أرد فى طفولتك أن تتعلمى أنك مجرد جسد قد يشتهيه المرضى، لكنك لم تعودى طفلة، وهذا هو الواقع المؤلم، فدعينى أتدخل تلك المرة، الرجل مهما كان متحضرًا، غريزته الجنسية حيوانية جدًا، أنا لا أتمنى لكِ أن ينظر لك أحدهم، ويتخيلك على فراش معه، أريد من الناس أن ترى وجهك، شخصيتك، عقلك. فالاهتمام بالمظهر يمحو من عيون من حولك الفضول نحو معرفة ما بداخلك، وأنتِ ما بداخلك عالم شيق جدًا، وهو ما يجب أن يكون رداءك الوحيد. التافهون فقط هم من يهتمون بالموضة المعاصرة، التى يصنعها غيرهم، تمامًا كمن يأخذون معتقداتهم الراسخة، من التى يروج لها فى عصرهم فقط!
فى زمنى كانت الموضة هى الحجاب، كانت البنات يغطين شعرهن وجسدهن عارٍ فاضح بشكل رخيص جدًا، لأنهن كن يردن أن يتماشين مع الموضة، ولكن أيضًا يردن بشدة إظهار أنوثتهن، فكُنَّ قبيحات جدًا، لا هن إناث فى غاية الجمال، ولا هن معبرات بشكل لائق عن المظهر الدينى الذى فُرض عليهن من مجتعهن فى تلك الأيام. وإذا كنتِ فى هذا العصر لفعلتِ نفس الشىء، تحررى من الزمن، وتحررى من المألوف، ولا تسمحى للرائج بأن يُملى عليك ما يحب أن يكون على جسدك؛ لأنه كيانك، وملكك أنت.
إن جسدك ملكك وحدك، يجب أن تضعين عليه ما يعبر عن شخصيتك، بغض النظر عن ما هو رائج فى عصرك، شىء آخر، أنتِ لستِ جسدًا فقط لكى يغطى بالكامل وكأنه سلعة يجب الحفاظ عليها لمن سيبتاعها، ولا يجب أن يُعرى بقطعة قماش على الموضة، لكى تعجب الناس وكأنه سلعة فى فاترينة عرض كذلك! كونى حرة العقل يا صغيرتى، وتخلصى من كل تلك الترهات التى يملئون بها عقول الصغار، فلن يمر وقت طويل، وستجدين أنكِ ترتدين ما يرتديه جميع من حولك، ولن تكونى مميزة بأى شىء، إن كان هذا المظهر مغطى أم عاريًا، فقط كوني أنتِ، ولا تهتمى بما يدور حولك.
يا صغيرتى، أنا نشأت ولم يعلمنى أحد أن أكون مختلفة، بل خضت من أجل ذلك حربًا شرسة، وأعدك، أن الحروب لا تنتهى أبدًا نهايات سعيدة، كنت أضع المكياج، وأصلح صورى على برامج متخصصة، عندما كان عقلى فارغًا، لكننى لم أعد أملك الطاقة لأترك أشياء مهمة فى الحياة كى أقف أمام المرآة لأتحول إلى دمية، وأشبه كل الدمى الأخرى التى تسير بجانبى على الطريق، كنت أسعى على الدوام لأن أشعر بأننى فى أفضل حالاتى، وأستمتع بسماع كلمات الإطراء تنهال علىَّ، كما تنهال من نفس الألسن على الكثيرات غيرى. أما الآن، فقد امتلأت بالثقة، وأصبحت أعرف أن شكلى لا يحتاج لأن يشبه أحدًا، ولا أحتاج لكلمات تمتدح أسلوبى الخداعى فى رسم وجهى. أصبحت أعشق أننى لا أشعر بالحاجة إلى التعديل! ولكننى أضعت عمرًا كاملًا حتى وصلت لتلك المرحلة، ولا أريد لكِ أن تمسى كذلك، إن أنا قصرت فى تفتيح عينيكِ على العالم كما هو فى وقت مبكر من عمرك.
إذا أردتِ يومًا أن تصبحى مجرد عددا وسط جموع أعداد، بحيث لا يكون لوجودك من عدمه أى وزن يذكر، فعليكِ باتباع كل ما هو رائج فى عهدك، ارتدى ما يراه العالم ملائمًا، احضرى هذه الحفلة لهذا المشهور عديم الصوت، وكل ميزته هو تهافت الفتيات عليه، واصرخى مثلهن وسط الصراخ الذى يعلو صوت المكبرات التى يغنى بها، واركضى نحو المسرح، كى تتمكنى من ملامسة أطراف أصابعه إذا ما يد يده، ثم تفاخرى أمام صديقاتك بهذا الحدث الجلل! إذا أردتِ يومًا أن تذوبى وسط الناس، فافعلى كل ما يفعلونه هم بنهم، وتظاهرى بأنك اخترتِ ذلك بمحض إرادتك!