رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

الانتخابات التونسية بين ناري "الإخوان" والنظام

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أعد الملف: حسام الحداد وهانى دانيال وعلى رجب وهند أحمد ومحمد سلامة
تشهد تونس مع بدايات مايو المقبل الانتخابات المحلية «البلديات»، والتى تأتى فى ظل جملة من التحديات والأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، إضافة إلى وجود خطر جماعات وميليشيات تمثل تهديدًا حقيقيًا للمجتمع، ولإمكانيات استقرار ونجاح التحول الديمقراطى.
نستعرض فى هذا الملف (على ثلاث حلقات) أبرز تلك المشكلات والتحديات التى تواجه تونس، وانعكاساتها على انتخابات المحليات فى السادس من مايو المقبل، كما يتناول الملف تجربة حركة النهضة الإخوانية فى حكم تونس بعد الإطاحة بزين العابدين بن على، ويرصد أهم العمليات الإرهابية، التى تعرضت لها تونس خلال السنوات الأخيرة، ويستعرض الملف أبرز القوى السياسية والاجتماعية المشاركة فى الانتخابات المقبلة، ويتناول ما يمثله التيار السلفى بشقيه الدعوى والمسلح من مخاطر كبيرة تهدد مسار التحول الديمقراطى، كذا المحاولات الإيرانية للنفاذ للمجتمع التونسى من خلال دعم التيارات الشيعية فى تونس. 
خطط النهضة للسيطرة على الحكم
فور إعلان عضو الهيئة العليا المستقلة للانتخابات فى تونس، رياض بوحوش، يوم الثلاثاء ١٠ أبريل الجاري، بأن الهيئة أنهت كافة الاستعدادات اللوجستية المتعلقة بالانتخابات البلدية، ولا ينقصها سوى التنسيق مع رجال الجيش والشرطة لتأمين الانتخابات تكشفت الحقائق حول مخططات حركة النهضة فى سبيل السيطرة على الحكم فقد كشف موقع «تونسى سكرت» التونسى أن حركة النهضة تخطط للسيطرة على الحكم فى المدن التونسية خلال الانتخابات البلدية المقبلة، بعد قرار داخلى بالتخلى عن سياسات لعب دور «الرجل الثاني» فى الحكم إلى دور «الصدارة»، فى ظل تدهور شعبية حركة نداء تونس الحاكمة.
وبين الموقع أنه فى ٦ مايو المقبل فإن إخوان النهضة سيفرضون قبضتهم على تونس، موضحة أنه على الرغم من المساوئ لحكم هذه الحركة بعد ثورة الياسمين فإن الحركة تخطط للقفز على البلاد مستغلة حالة الاستياء الواسعة ضد «نداء تونس».
وأوضح أن الانتخابات التى كانت مقررة فى ديسمبر من العام الماضى تقرر تأجيلها لتصبح بشكل رسمى فى ٦ مايو المقبل، ورغم مناورات حركة نداء تونس لإصلاح الحكومة، فإن حركة النهضة باتت الأقوى فى ظل الوضع المزرى الحالي. وأضاف الموقع أنه على الرغم من أن إخوان النهضة هم من يحكمون البلاد خلال حكم نداء تونس، لاسيما مع سيطرة النهضة على البرلمان، فإن الاستياء الشعبى يتركز ضد حركة نداء تونس التى تبدو فى صدارة المشهد الحاكم.
وأضاف الموقع أن الانتخابات المقبلة تبدو محسومة مسبقا لحركة النهضة، التى تحصل على تمويلات ضخمة من قطر من أجل تمويل دعايتها لهذه الانتخابات، موضحا أنه كشف مؤخرا عن ١٥ مليونا تم تحويلها من بنك قطر الوطنى إلى أحد كوادر النهضة، لكن هذا لا ينفى وجود تحويلات أخرى لم يعلن عنها. وأكد أن رغبة النهضة فى حسم هذه الانتخابات، تتضح فى مشاركة الحركة بأكبر عدد من القوائم الانتخابية، كما أن جزءا من كوادرها مرشح ضمن المستقلين، موضحا أن النهضة أدرجت ضمن مرشحيها ٣٠٠ إمام محلى و٢٠٠ سلفى بالإضافة إلى كبار الأحياء والمدن. ويتنافس أكثر من ٢٠٠٠ قائمة انتخابية على مقاعد المجالس البلدية، وتمثّل تشكيلة واسعة من الأحزاب السياسية والمرشّحين المستقلّين فى مقدمتها حزبا النهضة ونداء تونس اللذان يأملان استخدام الانتخابات البلدية لتعزيز قوّتهما السياسية قبل الانتخابات الرئاسية والتشريعية. ويسعى حزب النهضة من جهته إلى تعزيز نفوذه الشعبى وترسيخ مكانته فى النظام السياسى التونسي. وقد يساهم الإقبال الجيد فى الانتخابات البلدية فى تعزيز مكانة النهضة قياسًا إلى نداء تونس.
«الغنوشى» يستنسخ تجربة إخوان مصر بوضع مسيحيين وسيدات.. والمفاجأة الأكبر وجود يهودى
تحاول النهضة بكل الطرق نفى ما يتردد عن علاقتها بقوى وتنظيمات إرهابية، وما ظهر من تأكيدات قاطعة تؤكد تورط الحركة فى ذلك، إلا أنها تحاول جاهدة نفى ذلك والتبرؤ منه بكل شكل وبأى ثمن، للحفاظ على وجودها فى قلب دوائر الحكم بالداخل التونسي، خاصة مع اقتراب موعد انتخابات المحليات «البلديات». واللافت فى الأمر أن حزب النهضة الذى يتزعمه، راشد الغنوشي، القيادى بالتنظيم الدولى للإخوان، يستنسخ العديد من الأفكار والممارسات التى قام بها الإخوان والسلفيين فى مصر فى الانتخابات التالية لثورة ٢٥ يناير ٢٠١١، عندما وضعوا مسيحيين وسيدات على قوائم مرشحيهم للانتخابات البرلمانية، بقصد إبراز أنفسهم – زورًا وبهتانًا – أنهم «منفتحون» ومن أهل الديمقراطية ويسعى النهضة باستماتة لحصد أكبر عدد ممكن من المقاعد فى الانتخابات المحلية القادمة، وهو ما يثير تخوفات العديد من النخب التونسية، خاصة بعد تصنيف البرلمان الأوروبي، لتونس ضمن قائمة الدول الأكثر عرضة لمخاطر غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، الصادر فى فبراير الماضي، هو بسبب العلاقات المشبوهة لحزب النهضة الإخواني، مع قطر وتركيا والتنظيمات الإرهابية حول العالم، وبخلاف هذا الأمر، فإن الدولة التونسية تمر بحالة من التدهور الاقتصادى الكبير والخطير، بعد تراجع كل المؤشرات الاقتصادية، وهو ما اضطر كل الفاعلين السياسيين، إلى تحميل مسئولية الفشل إلى المنظومة الحاكمة، التى جاءت فى ٢٠١١ و٢٠١٤، وفى كلتاهما كان «إخوان تونس» جزءا رئيسيًا فيها، سواء فى انفرادها بالحكم من ٢٠١١ حتى ٢٠١٤، أو اشتراكها بالتوافق بين حزبى الرئيس الباجى قائد السبسى نداء تونس، وحزب النهضة، إذ تم توجيه مسئولية الوضع إلى الإخوان أولًا والائتلاف الحاكم وكل من وافق على وجود الإخوان فى الحكم ثانيًا، بعد تبين أنه تيار لا يملك أى تصورات أو إرادة سياسية للإصلاح، لتدخل تونس فى زمرة انهيار اقتصادى وأزمة سياسية بائسة.
ومع ارتفاع مستويات الرفض النخبوى والشعبى لمشروع الإسلامويين المضاد بطبيعة الحال مع سلوك وثقافة المجتمع التونسي، يحرص الشارع التونسى على تحجيم التجربة الإخوانية الهشة، فيوجد شبه إجماع من قبل الفاعلين السياسيين، على ضرورة حماية مسار الانتقال الديمقراطي، ووفقًا لذلك تقرر إطلاق الانتخابات البلدية فى مايو المقبل، بعد تعثر طويلًا، وهو ما يعد خطوة مهمة فى تذليل الصعوبات والمشاكل التى تعوق استكمال إتمام بعث المؤسسات الدستورية التى تمثل قاعدة أساسية فى النظام الديمقراطي، وكان النهضويون سببًا رئيسيًا فى تعثره منذ ٢٠١١.
حقوق المرأة ليست أبرز الحقوق فى تونس
يرى محللون أن تونس حققت العديد من الإنجازات منذ ثورة ٢٠١١ وأنجزت إصلاحات مؤسساتية رئيسية فى وقت قصير نسبيا وغالبا ما توصف بأنها البلد الأكثر تقدمية فى المنطق، ورغم ما حققته من تقدم ملموس فى مجال حقوق المرأة، لا يزال هناك الكثير الذى يتعين القيام به لتحقيق المساواة بين الجنسين فى البلاد.
وعلى خلفية الهجمات الإرهابية التى شهدتها تونس منذ عام ٢٠١٤، زار مقرر الأمم المتحدة الخاص المعنى بحرية الدين أو المعتقد أحمد شهيد تونس حاليا وحتى ١٩ أبريل لبحث السياسات والممارسات الوطنية التى تعزز وتحمى حرية الدين أو المعتقد فى البلاد.
وبحث المقرر الخاص معالجة الحكومة للتهديدات الأمنية؛ محذرا من الحد من الحقوق الأساسية، كالحق فى حرية التعبير وتكوين الجمعيات والتجمع السلمى لصالح سياسات تعزز من قدرة قوات الأمن على مكافحة الإرهاب، ومن المقرر أن يعرض المقرر الخاص استنتاجات وتوصيات زيارته إلى مجلس حقوق الإنسان فى وقت لاحق.

تأزم الأوضاع السياسية 

يعتمد حزب النهضة على أمرين أولهما كما أسلفنا محاولة رسم صورة مستنيرة ومنفتحة عبر ترشيح عدد ممن يختلفون معه أيديولوجيا وفكريًا، وثانيهما الاستناد إلى شبكة علاقاته بالمواطنين فى الضواحى التونسية، ولاسيما أن عددًا من عناصره يرتبطون بعلاقات مع فئات بعينها بشكل مباشر، وهذا يحدث لمواجهة الصورة السيئة التى ظهر عليها خلال السنوات الأخيرة، والتى رسخت بعض من الحقائق المهمة عن علاقات تيار راشد الغنوشى ببعض القوى الدولية الممولة للإرهاب. ونذكر هنا على سبيل المثال، ما كشف عنه البرلمان التونسي، منذر بلحاج، بقبول حركة النهضة «شيك مصرفى» من حساب أمير قطر، تميم بن حمد، الخاص فى عام ٢٠١٢، حينما كان وليًا للعهد والنهضة فى الحكم بتونس، بدعوى تعويض ضحايا الاستبداد، مما وضع الحركة النهضة فى صورة سيئة أمام الرأى العام التونسى والعربي، وهو ما يحاول الغنوشى ورفاقه نفيه طيلة الوقت. ومن محاولات غسيل السمعة، نفى الغنوشى - فى حوار تليفزيوني- علاقته بكل من قطر وتنظيم الإخوان، ووصف «النهضة» بأنها حركة ديمقراطية، لعلاقة لها بتيار الإسلام السياسى والمتطرفين، هذا الكلام الذى يخالف الواقع والملموس، ومن الصعب جدًا أن ينطلى على المواطن التونسى المتابع لتاريخ التنظيم الإخوانى فى بلاده.

الجماعات والميليشيات تهدد استقرار تونس

تأتى الإنتخابات المحلية «البلديات»، فى ظل جملة من التحديات والأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، إضافة إلى تواجد خطر جماعات وميليشيات تمثل تهديدا حقيقيا للمجتمع، ولإمكانيات استقرار ونجاح التحول الديمقراطي، وفى مقدمة هذه التحديات الأزمة الاقتصادية، حيث تراجع دخل السياحة، لتسجل خسارة بـ١٠ مليارات دينار منذ ٢٠١٠، كما أن الاحتجاجات التى طالت قطاع الفوسفات جنوب البلاد أدت إلى تراجع إنتاج الفوسفات من ٨ ملايين و١٠٠ ألف طن سنويا سنة ٢٠١٠ إلى ٣ ملايين و١٠٠ ألف طن فى ٢٠١٧. كما تدهورت قيمة الدينار التونسى بنسبة ٥٤ بالمائة مقابل اليورو، وبعد أن كانت المديونية العمومية تمثل ٤٠ بالمائة سنة ٢٠١٠ وارتفعت إلى ٧٠٪ فى ٢٠١٧، كما ارتفعت كتلة الأجور من ٧ مليارات دينار «٢.٨ مليار دولار» فى ٢٠١٠ إلى ١٧.٥٠ مليار دينار «٧.٢ مليارات دولار» فى ٢٠١٧، وكان يبلغ معدل النمو الاقتصادى بـ٤.٥ بالمائة سنة ٢٠١٠ ليبلغ اليوم ١.٥٪ فى أحسن الظروف».
ويرى محللون أن هذه الأزمة تعود لأن الاقتصاد التونسى لا يعتمد على خلق القيمة المضافة والاستفادة من الثروات الموجودة بالبلاد، وإنما مرتبط ارتباطا كليا بالسوق الأوروبية، حيث إن ٨٣٪ من الاقتصاد متوجه إلى الاتحاد الأوروبي، فى حين أن هناك اقتصادات أقوى مثل الشرق الأوسط، والسوق الآسيوية، وأمريكا الجنوبية، ذات نمو مرتفع والتى من شأنها أن تخلق فرص استثمار جديدة وقد تسهم فى تعافى الاقتصاد التونسى فى حال إذا انخرط فيها وبالتالى سيوفر العديد من مواطن الشغل وتحسين الدورة الاقتصادية التى تكاد تكون متوقفة.
كذلك الفساد الذى انتشر بصفة كبيرة جدا خاصة بعد الثورة حيث ظهرت رموز جديدة أكثر طمعا وجشعا من الذين كانوا قبلهم يخدمون مصالح غير معروفة والتى تهدف إلى إغراق البلاد فى الديون والمشاكل التى هى فى غنى عنها.

نداء تونس يراوغ من أجل البقاء

كى تتحايل تونس على مصائبها التى تتعرض لها بسبب فصيل الإخوان المتمثل فى «النهضة» تحاول جاهدة اختراق أسواق دول وسط وجنوب القارة الأفريقية، فتقدمت مؤخرًا، بطلب الانضمام إلى «الكوميسا» مجموعة السوق المشتركة لشرق وجنوب أفريقيا، وكذلك فتح علاقات دبلوماسية جديدة فى دول أفريقية، لم تكن لها علاقات معها فى السابق، فعدد سفارات تونس فى القارة التى تضم ٥٤ دولة، لا يتخطى ١٠ سفارات بعد فتح سفارتين فى كل من كينيا وبوركينافاسو، خلال الشهور الأخيرة من العام الماضي. ولذا يعد الاتحاد الأوروبى الشريك الأول لتونس الأفريقية، حيث لا يتجاوز حجم التجارة التونسية مع القارة الأفريقية نسبة ٥ بالمائة من حجم المبادلات التجارية، بينما تبلغ ٥٠ بالمائة مع دول أوروبا، ولكنه الانتشار الضعيف داخل قارتها المرتبط بعدة أسباب، من ضمنها قلة التواجد الدبلوماسي، وضعف التغطية الجوية، شبه انعدام التبادل الثقافى واستقبال الطلبة الأفارقة، ونقص الزيارات السياسية بين تونس ودول القارة.
النهضة ونداء تونس تهيمنان على 90% من القوائم.. والباقى موزع على 8 ائتلافات
تقدمت حركة النهضة بحوالى ٢٥٠ قائمة لكل الدوائر الانتخابية الـ٢٧، والتى تجرى فى ٣٥٠ دائرة بلدية، والمفاجأة الأكبر التقدم بمرشح يهودى ضمن إحدى قوائمها، وسط كثير من الجدل والتساؤلات حول أسباب الإقدام على هذا الأمر.
وجاءت النهضة على رأس قائمة المترشحين تليها حركة نداء تونس، ليهيمن كلاهما على أكثر من ٩٠٪ من القوائم، فيما يتوزع الربع الأخير على مجموعة من الأحزاب الأخري، وحتى الآن لم يتقدم أكثر من ١٩٣ قائمة للانتخابات، ١١٥ منها قائمات حزبية، ٧٠ مستقلة و٨ قوائم ائتلافية، ليصبح العدد الإجمالى للقوائم ٧٧٨.
ويرى مراقبون أن هيمنة حركتى النهضة ونداء تونس يضعف التعددية الحزبية، ويكشف على الأكثر زيف دعاوى حركة النهضة وزعيم الحركة راشد الغنوشي، والذى يؤكد مرارا أن حركته تدعم التعددية والمشاركة مع الأحزاب السياسية والحركات الأخري، وأنه لا نية للسيطرة الكاملة على الانتخابات، بعد أن سبق أن تراجعت الحركة عن تقدم الصفوف فى البرلمان التونسى بعد الانشقاقات الأخيرة التى ضربت حزب نداء تونس، وحتى الآن تقدمت «النهضة» و«نداء تونس» بحوالى ٤٨٠ قائمة مرشحة من أصل ٥٢٦ تقدمت على أنها قوائم حزبية؟