الخميس 02 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الرحيل يحرمنا من سماع كلمة "نقول كمان"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
رحلت أيقونة الكلمة الذكية المسموعة.
رحلت إمبراطورة الميكروفون.
رحلت آمال فهمى تاجرة الماس، وجواهر الكلمات، وصاحبة معرض أغلى سلعة فى الوجود.. الكلمة.
رحلت آمال فهمى صاحبة أجمل ثنائى العشق، والحب وارتفعا سويًا إلى درجة البطولة المطلقة العاشقان «آمال.. والميكروفون».
رحلت آمال فهمى التى جعلت من قطعة الحديد مؤسسة ثقافية متكاملة، وجامعة انتسب لها الملايين، ومدرسة لم يختلف أحد عن الحضور إليها لكى يحصل المزيد من الدروس فى محرابها.
آمال فهمى لم تكن مجرد إذاعية لكنها صاحبة رسالة. آمال فهمى ساحرة العقول ونجمة توظيف الكلمة وعاشقة الجديد والتحديث، مكوناتها كإنسانة لم تكن مثل باقى البشر فهى مجموعة من المواهب والإبداعات والمبادرات الإذاعية، وحزمة من العطاء والحرفة المهنية والثائرة دائمًا على التبلد والنمطية وداعية إلى العدالة والحرية المدافعة عن حقوق المرأة والمهمشين وفاقدى الأهلية.
آمال فهمى كانت تحظى بنسبة استماع لم تحدث لإعلامى مسموع، أو من خلال برامج تليفزيونية، أو كاتب صحفى قبل وسائل التواصل الاجتماعى، فقد ضربت أرقامًا قياسية ليس فقط بالمتابعة لكن بالتفاعل مع المستمعين.
على الناصية.. شريك كل بيت بعد صلاة الجمعة، وجبة ساخنة شهيه تستمع فيها بل تستمتع فيها بمادة أعدتها جيدًا فتتسلل إلى العقول وتملأ الأفئدة بإشعاعها وتنمى القدرة التخيلية عن المستمع فكان دعوة للأسرة كلها، وعرفت فيما بعد أن منافسة الميكروفون المسموع والمرئى ساخنة فى هذا البرنامج، بادرت إلى أن تكون منبرًا للمعارضة والانتقاد المسئول، وصوت العمال، وصوت الأحياء الشعبية بدون حذف أو مونتاج بصوتها الدافئ والمؤثر يجعل كل متابع يتعاطف وينفعل مع أطروحتها، لها قدرتها غير المحدودة فى إظهار نواحى الجمال، والإيجابيات كأنها لوحة بديعة رسمها أعظم الفنانين التشكيليين.
آمال فهمى مكتشفة النجوم، ولم يستطع أحد أن يقنعها باستضافته لأنها صلبة الرأى إلا العندليب الأسمر عبدالحليم حافظ، وظهر فى هذه اللقطة المتعدد المواهب النجم سمير صبرى، وأصبح فيما بعد أحد أركان إذاعة الشرق الأوسط التى أسستها آمال فهمى، وتخرج فى هذه المدرسة الإذاعية نخبة من النجوم الإذاعيين مديحة نجيب والفنان المبدع محمد علوان مخرج الروائع الإّذاعية والعبقرى الذى لم يتكرر إذاعيًا، ومن تلاميذها من رواد القلم الكاتب الكبير مفيد فوزي، والإذاعيات إيناس جوهر ومحمد أنور وتهانى حلاوة وسناء منصور وإسعاد يونس وحكمت الشربينى، وجيل من الشباب الواعد أطلق عليهم زين الصاعقة الإذاعية، لم يكن الاستوديو هو مجمل عملهم لكن الاستديو الحقيقى هو الشارع، وتولت آمال فهمى هذه المسئولية لتقدم مدرسة جديدة فى الأداء، وهى التى أقنعت عمر الشريف أن يشارك فى مسلسل إذاعي، وهى التى أقنعت العندليب عبدالحليم حافظ أن يسجل التسجيلات الإيمانية فى الإذاعة ثم تتلفزت بعد ذلك، هى البطلة الحقيقية للرائعة (مراتى مدير عام) حيث تولت منصب مدير عام بالإذاعة، وزوجها المبدع محمد علوان مساعدًا لها، وأنها عندما تمسك بالميكروفون كأنها تؤدى صلاة، لا تشعر بمن حولها وكل تركيزها مع الضيف العشوائى الذى تفرضه الظروف، فهى فى حالة اتصال مع الرأى العام الذى ساندها فى جميع معاركها، وتجاوزت أحيانًا كل الخطوط الحمراء، ومع ذلك فإن طريق عرضها للقضايا جعلها حزبًا معارضًا قويًا.
آمال فهمى الثائرة دائمًا مازلت أذكر أول لقاء معها حيث كانت فى صحبة زميلة العمر وصديقتها الحميمة المبدعة نعم الباز وتكررت اللقاءات وجمعتنا بها جيرة طيبة صيفية فى زهراء العجمى فى بداية نشأتها، وعرفت خلالها الفنانة والإنسانة والمبدعة والواثقة من أدائها التى أدخلها فى عالم النجومية ربما تعادل نجوم السينما، وأذكر أننى رشحت لها شخصية سكندرية، وهو الدكتور محمود السيد الحضرى رئيس جامعة الإسكندرية الأسبق للحديث معها ليس لشخصه ولكن لأنه أول طالب من طلاب هذه الجامعة الذى كان أول مدير لها، ولهذه الجامعة موقفها الشهير من تأييد ثورة يوليو بأول برقية وتأثرت بهذا الترشيح حيث كانت فرصة لتقدم تاريخ واحدة من أعرق الجامعات المصرية، ليس من وجهة نظر رسمية لكنها استعراض لذاكرة الطالب الذى تخرج فيها ليصبح رئيسًا للجامعة، ومن هذه الزاوية استطاعت أن تنتزع منه مخزون ذكريات، وعندما لاحظت بذكائها انحيازه لقضايا المرأة، سألته سؤالًا واحدًا كمسئول فرد عليها أننى أصدرت منذ أيام قرارًا بتعيين أول أستاذة وكيلًا لكلية التربية، وهى الدكتورة سناء الخولى، فطلبت إليه أن تستضيفها لتعلم الرأى العام كيف تستقبل المرأة المصرية هذه المسئولية خاصة فى إعداد معلم الغد.
وقبل رحيلها بأسابيع جمعتنى الصدفة مع المستشار الجليل محمود بيرم التونسى نائب رئيس هيئة النيابة الإدارية حفيد أمير شعراء العامية بيرم التونسى، وطلبت منه أن يفرج عن مخزون شاعرنا الكبير الذى كون مع آمال فهمى أول ثنائى فى الإعلام عن فوازير رمضان، ووعدنى أنه إذا سمحت مسئولياته سيتحمل هذه الأعباء أمام التاريخ، وعلقت ساعتها فاكر يا سعادة المستشار الكلمة التى تختتم بها آمال فهمى الفوازير «نقول كمان»، وفعلًا كنا ننتظر أن تعيد علينا هذه الكلمة عندما يتاح لها فرصة احتضان الميكروفون مرة أخرى لكن نداء الرحيل حرمنا من أن نستمع إلى «نقول كمان».