رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

"غارة قندوز" تفضح مخططات ترامب في أفغانستان

الرئيس الأمريكي دونالد
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لم يتوقف مسلسل استهداف المدنيين في أفغانستان، منذ الغزو، الذي قادته الولايات المتحدة في 2001، لدرجة، أن سقوط مئات القتلى والجرحى بينهم أسبوعيا، وحتى يوميا، لم يعد شيئا مفزعا، بل، وتحول أيضا إلى مجرد خبر يومي معتاد في وسائل الإعلام، مثل أسعار العملات والطقس.
ورغم إعلان الحكومة الأفغانية، والقوات الدولية، التي تقودها واشنطن، أخذ الحذر والحيطة، في الغارات، التي تستهدف حركة طالبان أو تنظيم داعش، لمنع وقوع ضحايا مدنيين، إلا أنه سرعان ما يتكشف أن هذه الضربات أخطأت هدفها، ولم يتضرر منها سوى الأبرياء.
وبالنظر إلى أنه مر 17 عاما على تواجد القوات الأجنبية في أفغانستان، ولم يتحقق الاستقرار المنشود، فقد واصلت كابول وواشنطن، عمليات القصف الجوي، وبوتيرة متزايدة، رغم تصاعد عدد ضحاياها من المدنيين.
وجاءت الغارة الجوية، التي شنتها القوات الحكومية الأفغانية في 2 إبريل بولاية قندوز في شمال شرقي البلاد، وأسفرت عن سقوط عشرات القتلى والجرحى، معظمهم من الأطفال، لتدق مجددا ناقوس الخطر، من أن هناك المزيد من المجازر، لا تزال بانتظار المدنيين، الذين تحولوا، فيما يبدو، إلى ضحايا ووقود استمرار الصراع في أفغانستان في آن واحد.
وفيما سارعت واشنطن للتبرؤ من هذه الغارة، التي استهدفت مدرسة لتحفيظ القرآن، إلا أن البعض داخل أفغانستان وخارجها، رجح تورطها، حتى، وإن كان بشكل غير مباشر، عن طريق المعلومات الاستخباراتية، التي زودت بها الحكومة الأفغانية، وسرعان ما اتضح عدم صحتها.
ولم يستبعد البعض أيضا أن تكون واشنطن تعمدت تزويد حكومة كابول بمعلومات خاطئة، لإجهاض أي محاولة للحوار بينها، وبين طالبان، لإطالة أمد الصراع بينهما، بما يبرر بقائها هناك، وبالتالي، ضمان سيطرتها على منطقة آسيا الوسطى، الغنية بالنفط، والقريبة من حدود الصين وروسيا، أكبر أعدائها.
ولعل ما يزيد الشكوك في هذا الصدد أن هذه الغارة جاءت بعد دعوة الرئيس الأفغاني أشرف غني أواخر فبراير الماضي للحوار السلمي مع حركة طالبان، مقترحا بدء مفاوضات بينهما، دون أي شروط مسبقة، واستعداده لاعتبار طالبان قوة سياسية شرعية، وفتح مكتب رسمي لها في كابول، وسرعان ما صرحت المفوضة العليا للاتحاد الأوروبي للشئون الخارجية، فيديريكا موغيريني، في 27 مارس الماضي، بأن الاتحاد الأوروبي جاهز لحذف أعضاء حركة طالبان، الذين سيدعمون هذه المبادرة، من قائمة العقوبات الأوروبية ضد الحركة، المتهمة بالإرهاب.
وبالنظر إلى أن طالبان، لم تتجاوب مع دعوة غني، وأبدت استعدادها للحوار مع واشنطن، باعتبار حكومة غني، دمية في يدها، حسب تعبيرها، فإن سيناريو قيام واشنطن بتزويد كابول بمعلومات خاطئة في غارة قندوز، يبدو غير مستبعدا، لكي تحتكر هي ملف التفاوض مع الحركة، وتواصل لعبة الكراسي الموسيقية بين الفرقاء في أفغانستان، بجانب تفويت الفرصة على أي وساطة أوروبية في الملف الأفغاني.
ولم يستبعد البعض أيضا أن تكون واشنطن ورطت حكومة كابول في غارة قندوز، لكي تدفع طالبان للانتقام من القوات الحكومية، وتبعد أنظار الحركة عن القوات الأمريكية المتواجدة في أفغانستان.

روايات متضاربة
ويبدو أن رد فعل طالبان على غارة قندوز، يرجح صحة ما سبق، إذ توعدت منفذي الغارة، أي الجيش الأفغاني، ولم تشر إلى واشنطن من قريب أو بعيد، ما يشي بأن الجناح الأكثر تشددا في طالبان، الذي يرفض أي حوار مع حكومة غني، سيكون له الكلمة الفصل في الفترة المقبلة، وبالتالي، تصاعد الهجمات الانتقامية ضد القوات الحكومية، واستمرار نزيف الدم الأفغاني.
وكانت "طالبان"، توعدت برد مزلزل على الغارة الجوية، التي شنتها القوات الحكومية في ولاية قندوز في 2 إبريل، ونقلت وكالة "فرانس برس" عن الحركة، القول في بيان:" إنها تدين بأشد العبارات هذه الجريمة الكبرى وتتعهد بتنفيذ انتقام شديد ضد مرتكبي هذه الغارة الجوية الدامية"، حسب تعبيرها.
وبدوره، أعلن الجيش الأفغاني أن الغارة استهدفت "مركز تدريب" لما يعرف باسم "الوحدة الحمراء"، أو "القوات الخاصة"، لدى طالبان في ولاية قندوز، إلا أن مصادر محلية أكدت أنها أخطأت الهدف، وأصابت مدرسة لتحفيظ القرآن في بلدة داشتي أرتشي، التي تسيطر عليها طالبان، أثناء مراسم تخرج لطلاب صغار، ما أسفر عن مصرع نحو 100 شخص، بينهم عدد كبير من الأطفال، تتراوح أعمارهم بين 8 و17 عاما، بالإضافة إلى إصابة حوالي 50 آخرين.
وأوضحت المصادر ذاتها لـ"فرانس برس"، أن بين القتلى قادة من طالبان، كانوا في هذه المدرسة، مشيرة إلى أن الغارة وقعت منتصف النهار خلال حفل تسليم شهادات نهاية السنة في هذه المنطقة، إذ شارك حوالي 300 شخص في حفل التخريج.
وفيما أعلنت الأمم المتحدة أنها تحقق في هذه الغارة، سارع الجيش الأفغاني لاتهام حركة طالبان، بأنها كانت تخطط لاجتماع يضم قادتها في المدرسة، فيما نفت الأخيرة هذا الأمر، وأكدت أيضا عدم مقتل أي من قياداتها في الغارة.
ومن جانبها، وبعد 3 أيام من التزام الصمت إزاء الغارة، أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاجون"، أنها لم تضطلع بأية دور في الهجوم.
وأعربت الوزارة عن رفضها للربط بين قواتها، وذلك الهجوم، مضيفة "القوات الأمريكية في أفغانستان لم تشن أية غارة جوية في قندوز، والادعاء بعكس ذلك غير صحيح".كما أن وزارة الخارجية الأمريكية، اكتفت في رد منها على أسئلة بخصوص الغارة، بالقول:"وجهوا أسئلتكم للحكومة الأفغانية".
واللافت أن الغارة الفاشلة السابقة، لم تكن الأولى من نوعها في ولاية قندوز، التي تسيطر طالبان على نسبة كبيرة من مساحتها، ففي 3 أكتوبر 2015، نفذت مقاتلة أمريكية غارة في قندوز، أسفرت عن مقتل 19 شخصا، وإصابة عشرات آخرين، في مستشفى تابع لمنظمة "أطباء بلا حدود".

وقالت المنظمة حينها إن القتلى هم 12 من كوادرها و7 من المرضى، الذين كانوا راقدين في قسم العناية المركزة بمستشفى تابع لها بقندوز، وكشفت حينها عن مفاجأة صادمة مفادها، أن طاقمها اتصل وهو في حالة هلع بمسئولين عسكريين من حلف الناتو، ومن أمريكا، بعد سقوط القنبلة الأولى على المستشفى، لكن القصف استمر بعدها لنحو ساعة، ما أسفر عن تدميرها بالكامل.
ونقلت "رويترز" عن "أطباء بلا حدود"، قولها أيضا، إن الكثير من المرضى والموظفين في عداد المفقودين بعد الهجوم، الذي استهدف المستشفى، الذي كان يتواجد فيه حوالي مائتي شخص، موضحة أن المستشفى المستهدف، هو الوحيد في المنطقة، الذي يمكنه معالجة المصابين بجروح حرجة.
وأعلن الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون حينها إدانته بشدة لقصف المستشفى، وقال في بيان:"إن المستشفيات والعاملين في المجال الطبي محميون بشكل صريح بموجب القانون الإنساني الدولي، كما أعلن المفوض الأعلى لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة زيد رعد الحسين أن الغارة الجوية على المستشفى "غير مبررة"، وقد تكون "إجرامية"، مؤكدا أنه "إذا ثبت أن الغارة متعمدة، فإنها قد تشكل جريمة حرب".
وفي 7 أكتوبر 2015، وبعد أربعة أيام من الانتقادات الدولية للغارة، أعلن الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما أنه اتصل هاتفيا برئيسة منظمة "أطباء بلا حدود"، الدكتورة جوان ليو، للاعتذار، وتقديم تعازيه بطاقم المستشفى والمرضى الذين قتلوا وأصيبوا عندما استهدفت غارة أمريكية عن طريق الخطأ مستشفى ميدانيا للمنظمة في قندوز.
ورغم حديث واشنطن عن وقوع غارة بالخطأ، إلا أنه تردد حينها أن القوات الأفغانية والأمريكية كانت في ورطة كبيرة بعد سيطرة طالبان على قندوز بالكامل، ولذا سارعت للانتقام، ولم تلتفت كثيرا لاحتمال وقوع ضحايا مدنيين، لكي تبعث برسالة تحذير للحركة حينها، أنها لن تتوانى عن فعل أي شيء لاستعادة قندوز، خاصة أن سقوطها، والذي جاء بعد إعلان القوات الأمريكية وقوات الناتو نهاية 2014 انتهاء مهمتهما القتالية، في أفغانستان، كان يعني فشلهما الذريع، وضياع سنوات قتالهما ضد طالبان هباء، بالإضافة إلى أن سقوط قندوز في هذا الوقت شكل أيضا نكسة للقوات الحكومية الأفغانية، التي كانت استلمت لتوها المهام القتالية من القوات الأجنبية، فيما تبقى جزء من الأخيرة لتقديم المشورة لها، وتنفيذ عمليات عسكرية محددة.

تكتيك ممنهج
ولعل تصاعد وتيرة الغارات الجوية، وعدم تراجعها بعد قصف المستشفى، يبعث أيضا برسالة خطيرة أنها من ضمن إستراتيجيات الحرب في أفغانستان، للانتقام، أو تحقيق نصر سريع.
ففي 15 أكتوبر 2017، كشف تقرير لبعثة الأمم المتحدة للمساعدة في أفغانستان "يوناما"، أن أعداد الضحايا من المدنيين في العمليات الجوية الأفغانية والأمريكية زادت بنسبة 52% في الشهور التسعة الأولى من 2017، مقارنة بالفترة نفسها في 2016.
ووفقا للتقرير، لقي 205 أشخاص مصرعهم، وأصيب 261 آخرون في الفترة من يناير حتى نهاية سبتمبر 2017، وأكدت "يوناما" مخاوفها إزاء الزيادة المستمرة للضحايا من المدنيين في العمليات الجوية.
وفي 4 يونيو 2015، كشف تقرير لمعهد الدراسات الدولية في جامعة براون الأمريكية أن الحرب التي شنتها الولايات المتحدة في أفغانستان منذ العام 2001، أسفرت عن مقتل حوالي 150 ألف شخص على الأقل، أغلبهم من المدنيين، والجنود الحكوميين.
وأضاف التقرير أن الحرب في أفغانستان أخذة بالتصعيد، بدلا من الانتهاء، حيث زاد عدد القتلى والجرحى بشكل كبير في السنوات الأخيرة، مشيرا إلى أن إعلان الولايات المتحدة في 2015 أنها ستبطئ سحب قواتها المتبقية في أفغانستان، يؤكد أن الحرب هناك ليست في طريقها إلى الانتهاء، بل إنها تصبح أسوأ.
وإضافة إلى ما سبق، حسب تقرير سنوي للأمم المتحدة صدر في 15 فبراير 2018، فإنه للسنة الرابعة على التوالي، تتخطى حصيلة الضحايا المدنيين في الصراع بأفغانستان، الـ10000 ضحية، إذ سقط 10453 ضحايا في 2017.
ونقلت "رويترز" عن المفوض الأممي السامي لحقوق الإنسان زيد رعد الحسين، قوله:"يتم قتل الناس في أفغانستان أثناء أنشطتهم اليومية، لدى ركوبهم الحافلات وأدائهم الصلاة في المساجد أو ببساطة لأنهم مروا قرب المبنى المستهدف".
ونسب التقرير الأممي السنوي سقوط ما يقارب ثلثي الضحايا (65%) إلى التنظيمات المتشددة، إذ بلغت نسبة الضحايا في هجمات طالبان 42%، و10% في هجمات داعش و13% في عمليات القوات الحكومية، و2% في العمليات العسكرية الأمريكية.
وحسب التقرير أيضا، فإنه مع زيادة عدد الغارات الجوية الأفغانية والأمريكية على مواقع طالبان وداعش، ارتفع عدد الضحايا عن طريق الخطأ بنسبة 7% مقارنة بعام 2016، مع 295 قتيلا و336 جريحا، وهي حصيلة الضحايا السنوية الأكبر للعمليات الجوية منذ عام 2009، حيث بلغ عدد الغارات الجوية في 2017، معدل 25 طلعة أمريكية في الأسبوع، مقابل 40 طلعة أفغانية)، وأسفر القصف الأمريكي عن مقتل 154 مدنيا بالإضافة إلى مئات الجرحى، معظمهم من النساء والأطفال، في 49 طلعة جوية في العام ذاته.
ويبدو أن تنظيم داعش، لن يفوت الإحصائيات المفزعة السابقة، لتجنيد المتضررين، والناقمين على حكومة غني، وحتى التوسع أيضا على حساب طالبان، في ظل المنافسة المحتدمة بينهما، للفوز بأكبر مساحة من الأراضي في أفغانستان.