الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة لايت

سيد مكاوي.. الكفيف الذي أنصت له الصم واستيقظ على لحنه النائمون

سيد مكاوي
سيد مكاوي
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
«ما إن تسمع رنة العود ويصل إلى أذنك صوته، إلا وتجد نفسك تدندن، الليلة الكبيرة، فريرة للعيال يا أبو العيال ميل، يالا بينا يا مسعد نروح شارع التروماي، ثم تعود بالذاكرة فتنتشي وأنت تجلب منها «عندك شك في إيه وإنت ظالمني معاك»، وفجأة تقلب في ذاكرتك لتهدي أغنية لنفسك فتستمع لـ"حلوين من يومنا والله وقلوبنا كويسة»، وبين هذه الأغنية وتلك لن تجد بدا من أنه لابد أن يكون في مكتبتك كل أعمال أشهر مسحراتي في التاريخ، الفنان الذي رأت القوب فنه برغم فقده البصر، سيد مكاوي.

دقي يا مزيكا
نشأ سيد مكاوي في حي فقير بالسيدة زينب ولد الطفل الكفيف، وكعادة الأسر المصرية، الكفيف مكتوب عليه أن يكون شيخا، يحفظ القرآن ويجلس في المساجد، وبالفعل كان الشيخ سيد يقرأ القرآن ويؤذن للصلاة في مسجد أبو طبل ومسجد الحنفي بحي الناصرية.

تصقيفة أمال.. تشجيعة أمال
ما أن تماثل "مكاوي" لسن الشباب حتى انطلق ينهل من تراث الإنشاد الديني من خلال متابعته لكبار المقرئين والمنشدين آنذاك كالشيخ إسماعيل سكر والشيخ مصطفى عبد الرحيم وكان يتمتع بذاكرة موسيقية جبارة، فما أن يستمع للدور أو الموشح لمرة واحدة فقط سرعان ما ينطبع في ذاكرته وكانت والدته تشتري له الاسطوانات القديمة من بائعي الروبابيكيا بالحي ليقوم بسماعها لتعطشه الدائم لسماع الموسيقى الشرقية، وتعرف فيما بعد على أول صديقين له في تاريخه الفني وهما الشقيقين إسماعيل رأفت ومحمود رأفت وكانا من أبناء الأثرياء ومن هواة الموسيقى وكان أحدهما يعزف على آله القانون والثاني على آلة الكمان، كون سيد مكاوي مع الأخوين رأفت ما يشبه التخت لإحياء حفلات الأصدقاء وكان لحفظ سيد مكاوي لأغاني التراث الشرقي عاملا أساسيا في تكوين شخصيته الفنية.
يا عريس يا صغير علقة تفوت ولا حد يموت
ثم تم تكليفة بغناء ألحان خاصة وذلك بعد نجاحه في تقديم ألحان التراث بعد اعتماده مطربا في افذاعة ولعل من مفارقات القدر أن تكون أول أغانية الخاصة والمسجلة بالإذاعة ليست من ألحانه بل من ألحان صديقة المخلص والملحن الناشئ في هذا الوقت الفنان عبد العظيم عبد الحق والأغنية هي (محمد)، الأغنية الثانية كانت للملحن أحمد صدقى وهي أغنية (تونس الخضرا)، وهما الأغنيتان الوحيدتان التي غناهما سيد مكاوي من ألحان غيره.

ما تياللا يا مسعدة نروح السيدة
في منتصف الخمسينات بدأت الإذاعة المصرية في التعامل مع سيد مكاوي كملحن إلى جانب كونه مطربا وبدأت في إسناد الأغاني الدينية إليه، كما قدم أغاني شعبية خفيفة مثل (آخر حلاوة مافيش كدة) و"ماتياللا يا مسعدة نروح السيدة"، والأغنيتان للشاعر الراحل عبد الله أحمد عبد الله. وكانت بدايته مع الفنان محمد قنديل في أغنية (حدوتة) للشاعر صلاح جاهين رفيق كفاح سيد مكاوي.
كل مرة لما أواعدك
وقدم سيد مكاوي بعد ذلك العديد من الألحان للإذاعة من أغاني وطنية وشعبيه. فقدم مثلا محمد عبد المطلب أغنيتي (إتوصى بيا) و(قلت لأبوكي عليكي وقالي) وكذلك أغنية (كل مرة لما أواعدك) والتي غناها سيد مكاوي في الثمانينات ونالت شهرة واسعة.

مبروك عليك يا معجباني يا غالي
كانت بداية الشهرة لسيد مكاوي من خلال لحن لشريفة فاضل وهو (مبروك عليك يا معجباني يا غالي) واللحن الأشهر لمحمد عبد المطلب وهو (إسأل مرة عليّا) والذي دوى في جميع أنحاء مصر وسلط الضوء على ذلك الملحن الناشئ والذي تتجلى عبقريته في شدة بساطته وعمق مصريته والتي استمدها من المدرستين الموسيقتيين التين كان ينتمي إليهما ونهل من علمهما وهما مدرسة سيد درويش التعبيرية ومدرسة زكريا أحمد التطريبية وكان كثيرا ما يغني ألحانهما سواء في جلساته الخاصة أو حفلاته العامة وكان دائم الاعتراف بفضل سيد درويش وزكريا أحمد على الموسيقى وإن كان لم يعاصر الأول ولكن كانت تربطة صداقة بالثاني وهذا نوع من أنواع الوفاء النادر والذي قل في أيامنا هذه.

يا نسيم الفجر صبح
وبدأ تهافت المطربين والمطربات على الملحن سيد مكاوي كل يسعى للحصول منه على لحن فقدم:
انطلق الشيخ سيد مكاوي يصول ويجول بألحانه لكبار المطربين وكذلك للجيل الصاعد منهم آنذاك مثل المطربة فايزة أحمد حيث كان أول لحن تقدمه للإذاعة المصرية من ألحان سيد مكاوي وهو أغنية (يا نسيم الفجر صبح).

مسحراتي.. منقراتي.. اصحى يا نايم
كان لسيد مكاوي الفضل الأول في وضع أساس لحني خاص لتقديم المسحراتي، كما كان له الفضل في وضع أساس لتقديم الأغاني الجماعية بالإذاعة حيث كان أول من لحن أغاني المجاميع وكان معروفا أن كل ملحن يسعى لتقديم لحنه لأحد الأصوات الشهيرة الموجودة تحقيقا للشهرة والذيوع ولكن سيد مكاوي وجد أن نصوص تلك الأغاني لا تحتاج لأصوات فردية فضحى بالشهرة في مقتبل عمره في سبيل تقديم اللون الغنائي الذي يراه مناسبا.
الدرس انتهى لموا الكراريس
في حرب 1967 قدم سيد مكاوي عقب قصف مدرسة بحر البقر أغنية (الدرس انتهى لموا الكراريس) للفنانة شادية وعقب قصف مصنع أبوزعبل قدم أغنية جماعية هي (إحنا العمال إللي اتقتلوا) والأغنيتان للشاعر العظيم صلاح جاهين.

فانتينا.. أهلا بيكي نورتينا
اشترك سيد مكاوي في بداية الستينات في الحفل الكبير الذي أقيم بأسوان احتفالا بالبدء في بناء السد العالي وتحويل مجرى نهر النيل وحضر الحفل الزعيم جمال عبد الناصر ورئيس الاتحاد السوفيتي نيكيتا خروشوف والرئيس السوري شكري القوتلي وكذلك نخبة من رواد الفضاء الروس ومعهم الرائدة الشهيرة فالنتينا، حيث غنى سيد مكاوي أغنية ترحيب بأول رائدة فضائية من كلمات صلاح جاهين وهي أغنية (فانتينا..فالنتينا..اهلا بيكي نورتينا) كما قدم للشاعر فؤاد حداد (مصر مصر دايما مصر) وأغنية (مافيش في قلبي ولا عينية الا فلسطين) وأثناء حرب السويس قدم لصديقه كمال عمار (يا بلدنا الفجر مادنة ونار بنادق).
الفيل النونو الغلباوي
اجتذب المسرح الغنائي هذا الملحن الموهوب، فقدم على مدار السنين من الأعمال المسرحية الهامة «دائرة الطباشير القوقازية –الصفقة –مدرسة المشاغبين –سوق العصر –هاللو دوللي – ولمسرح العرايس قيراط حورية – حمار شهاب الدين –الفيل النونو الغلباوي والليلة الكبيرة».