الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

الأطباء نصحوا "الأبنودي" بالحياة في مدينة أقل تلوثًا فانتقل إلى "الإسماعيلية"

 نهال كمال، زوجة
نهال كمال، زوجة الشاعر الراحل عبدالرحمن الأبنودي
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أعد الملف: محمد لطفي وياسر الغبيرى وأحمد صوان وأميرة عبدالحكيم ومحمود عبدالله تهامى
تصوير: هشام محيي ومحمود أمين

تقول نهال كمال، زوجة الشاعر الراحل عبدالرحمن الأبنودي، إنه فى أعقاب رحلة علاجية أخرى فى فرنسا نصح الأطباء «الأبنودي» بالانتقال من العاصمة القاهرة، للحياة فى مدينة أخرى، أكثر هدوءًا وأقل تلوثًا، خاصة أنه كان يُعانى من تليف شديد فى الرئة بنسبة ٧٥٪ أكد الأطباء حينها له أنه إذا استمر فى العيش فى القاهرة، سيموت بشكل صريح وحاد، كان هذا خلال عام ٢٠٠٨ وكانت شقيقته تعيش فى قرية أبوعطوة بالإسماعيلية، فطلب من أبناء شقيقته تجهيز منزل فى قرية الضبعية، وكان عبدالرحمن فى حنين دائم لأبنود. 
كان حلم أبنود يعيش بداخله ولم ينسه أبدًا، لذلك قرر استغلال الفرصة واستعادة الحياة الريفية من جديد، وبالفعل تم تجهيز منزل هو الذى نجلس فيه، وكان يُشرف بنفسه على زراعة الأرض، واستمر يفعل ذلك لآخر لحظة فى عمره بالإسماعيلية. 

منزل الإسماعيلية كان عشقًا متفردًا للخال، اعتنى به ووضع مسمى لكل ركن فى البيت مثل «الكتب خانة» و«الديوان» وغيرهما؛ كما شهد حضور نجوم وفنانين ورموز ومثقفين وإعلاميين توالت زياراتهم للخال طوال فترة إقامته حتى رحيله متمسكًا بالبقاء فى البقعة نفسها «وأصبح هذا المنزل ملتقى للإعلاميين والمثقفين والفنانين، وأصبح بمثابة صالون ثقافى لقضاء يوم مثمر، فكانوا يحضرون لزيارة الخال الذى كان يستقبلهم بحفاوة ويحسن ضيافتهم ويقدم لهم الكرم الصعيدى فى أبهى صوره، وعندما تولى اللواء يس طاهر منصب محافظ الإسماعيلية جاء لتكريمه وأهداه درع المحافظة قبل رحيله بعام تقريبُا». 
روت الإعلامية الكبيرة هذا وتابعت «أثناء إقامة الأبنودى فى الإسماعيلية كوّن مجموعة كبيرة من الأصدقاء، فهو دائمًا مميز بالعلاقات الاجتماعية أينما ذهب، وصنع لنفسه مجتمعه الخاص، وهذا ما حدث مع أهل الإسماعيلية، إلى جانب وجود شقيقته وأبنائها». 

هاجس الموت كان يراود أفكار الأبنودى دائمًا، تقول زوجته «الموت والحياة كانا يسيران أمام عينيه بالتوازي، وكأن الموت مجرد رحلة يستعد لها»، وهكذا قام بتصميم مقبرته بمنطقة مقابر جبل مريم، وأشرف على بنائها بنفسه، حيث تم تنفيذها على شكل قبة، وأمر ببنائها، على أن يكون لها باب واحد لتأخذ طابع المقابر فى قريته بأبنود ولها فتحات للتهوية وكان يقول: علشان الناس لمّا تزورنى لا تتأذى من حرارة الشمس، وقام بتنفيذ مظلة أمام المقبرة حتى يستظل بها المارة أثناء دفن موتاهم. 
كان دائمًا يفكر فى الناس ولم يعش لنفسه، حتى فى مرضه كان لا يقوى على استقبال الضيوف، لكنه كان يحرص دائمًا على استقبال الصغير والكبير ويحسن ضيافتهما بالشكل الصعيدي، فكان بالفعل يتنفس الناس، وحب الناس له كان الأكسجين الذى لا يستطيع أن يفقده، فكان يقول: فى الصعيد لا نعرف معنى للأبواب المغلقة، ولا يصح أن أتناول غذائى وأنا أعلم أن جارى لا يوجد لديه طعام، كانت هذه تعاليم والدته فاطمة قنديل أيضًا.
كان حديث الأبنودى الدائم عن الموت يتسبب فى حالة نفسية سيئة لدى بناته، أكدت الإعلامية الكبيرة هذا وأضافت «وأنا أيضًا كنت أتضايق مثلهما، لكنى تفهمت واعتدت طبعه، وتعلمت منه أن الموت حق، وأقنعنى أن أتقبل الواقع، حتى أن الموت كان يأتى فى حديثنا مثل الدعابة». لم يأت الحديث عن الموت بردة فعل سلبية لدى زوجة الخال بعد رحيله «حديثه دائما عن الموت جعلنى أشعر أنه دائمًا معى وروحه بجانبى فى كل لحظة، وهذا بالفعل ما حدث بعد وفاته، لذلك استطعت أن أستكمل حياتى من بعده، بعد أن علّمنى أن الحياة تستحق أن أعيشها بكل ما فيها من خير أو شر، وكل شىء له وقت كان يواجه فيه الموت بشجاعة، كان الخال يقول دائما الموت جاى ويجب أن نعيش حياتنا حتى يأتي». 

يروى محمود مصطفي، رفيق حياة «الخال» بالإسماعيلية ومساعده، يقول عن آخر أيام الخال قبل وفاته: «كان يحتفل بعيد ميلاده فى ١١ أبريل فى حضور أسرته وأصدقائه، وكان منهم الدكتور محمد البلشى وجيرانه من الإسماعيلية، ورغم تحذيرات الأطباء بعدم إجهاد نفسه -حيث كان يُعانى من أعراض مرضية شديدة - إلا أنه خلال عيد الميلاد استعاد صحته ونشاطه عندما رأى من يحبهم من حوله، كان الخال شخصا متواضعا جدًا ولم يتعال على أحد أبدًا، وكان يمد يده لأى موهبة جديدة عندما يرى أنها تستحق المساعدة، ويوجهها ويرشدها للصواب، وعلاقاته فى مجال عمله كانت قائمة على الود والحب». 
يُكمل محمود حديثه: «بعد الانتهاء من أجواء عيد الميلاد قال لي: أنت عارف إن ده آخر عيد ميلاد لي، فوجئت من حديثه فى ذلك اليوم وقلت له: الأعمار بيد الله؛ ثم انتقل للجلوس فى حديقة المنزل حيث كان يعتاد على ذلك ويستمتع برائحة الزهور والهواء، لكن كان يبدو عليه التفكير وانشغاله بأمر ما، حتى أننى ظننت أنه يستعد لكتابة قصيدة جديدة». 
بعد خمسة أيام تقريبًا من تلك الاحتفالية اشتد المرض على الخال «وفى صباح يوم ١٦ أبريل تقريبًا هممت لإيقاظه من النوم وتقديم الصحف له لقراءتها، قالى لي: صباح الخير يا ابنى عامل إيه.. قرب منى شوية عايز أشوفك، ثم أوصانى بنفسى وأبنائي، وبعد ذلك طلبت منى زوجته مساعدته للذهاب إلى المستشفى، وعلمت أن المرض اشتد عليه فى الليل».

انتقل الأبنودى بصحبة زوجته وبناته إلى مستشفى الجلاء العسكرى بالقاهرة فيما كان محمود يطمئن عليه يوميًا عبر الاتصالات الهاتفية «لكن ليلة الوفاة شاهدت الخال فى رؤيا داخل منزله أمام المندرة، وهو نفس المكان الذى تمت فيه عملية الغُسل قبل الدفن، كان يُنادى بصوت عال: يا محمود؛ وطلب منى مساعدته للخروج خارج المنزل، وكان الهواء شديدا فقلت له: يا أستاذ الهواء غلط عليك؛ قال لي: لا يهمنى أى شيء، خافوا أنتم على نفسكم؛ ثم شاهدته مرة أخرى داخل غرفته يقول لي: أنت ما جيتش ليه، تعالى أنا عايزك، استيقظت من نومى واتصلت بزوجته للاطمئنان عليه، وطلبت منها أن أحضر إلى المستشفى ليطمئن قلبى عليه، وبالفعل أرسلت لى سيارة مع السائق، وعندما وصلت للمستشفى خرج الطبيب ليخبرنا بالوفاة».
أما وصيه «الأبنودي» التى كتبها بخط يده قبل وفاته فتقول إن جميع مقتنياته تحت كامل تصرف زوجته وبناته، تُشير زوجته إلى أنه كذلك «كتب سيناريو الوفاة ومكان استقبال المعزين، وألزمنى بضرورة الرد على التليفون لإعلان خبر الوفاة للجميع، وهذا ماحدث بالفعل، ففى لحظة وفاته انفصلت تمامًا عما يدور حولي، وحملت على عاتقى مهمة تنفيذ وصيته.