الأربعاء 17 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

سهيل سعود يكتب.. «مريم المجدلية الشاهدة الأولى للقيامة»

القس سهيل سعود
القس سهيل سعود
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
من أكثر الأشخاص الذين أحبوا يسوع وتعلّقوا به، كانت مريم المجدلية، وسبب تلك المحبة أن حياة مريم المجدلية كانت ملطخة بالآثام، إلى أن دخل يسوع حياتها وطهرها بقوة غفرانه. فمريم المجدلية كانت قد شهدت موت المسيح يوم الجمعة إذ كانت من بين المريميات الواقفات عند الصليب تشاهد آلامه بأمّ عينيها، كما شهدت وضع جسده فى القبر. كانت تبكى وتنوح تلطم على صدرها حزنًا على المعلّم. وقد جرت العادة بين اليهود أن تقام زيارات إلى قبر الميت لمدة ثلاثة أيّام متتالية من يوم دفنه. إذ ساد اعتقاد أنه لمدة ثلاثة أيام تحوم روح الإنسان حول الجسد، منتظرة عند باب القبر طريقة ما، لكى تعود وتدخله ثانية. لكن إذا ما حلَّ اليوم الرابع تضلُّ الروح الطريق ولا تعود تتعرف على الجسد؛ لأن عوامل الفساد تكون قد دبّت فيه وغيّرت سحنته، وهكذا تغادر روح الإنسان القبر. لكن موت المسيح ودفنه فى القبر كان يوم الجمعة، والناموس لا يسمح بزيارة القبر يوم السبت لأنه يوم الراحة المقدّس، لهذا كان لا بدّ للزائرين من الانتظار حتى تمرّ ساعات السبت إلى حين بزوغ فجر يوم الأحد.وهكذا انتظرت مريم المجدلية بفارغ الصبر حلول يوم الأحد لتزور قبر المسيح.
وفى أول الأسبوع، جاءت مريم المجدلية إلى القبر باكرًا والظلام باقٍ (يو1: 20). والكلمة المترجمة «باكرًا» تعنى فى معناها الأصلى اليوناني، القسم الرابع من الليل، إذ بحسب الترتيب اليهودي، كان يقسّم الليل إلى أربعة أقسام. كل قسم ثلاث ساعات، والقسم الرابع يمتد من الساعة الثالثة بعد منتصف الليل حتى السادسة عند الفجر. وبالتالي، فى الربع الرابع من الليل أى عند الفجر، أتت المجدلية لزيارة القبر، فأصابتها دهشة كبيرة، إذ وجدت الحجر مدحرجًا عن باب القبر، مع أن السلطات الرومانية قامت بإحكام إغلاق باب القبر حتى لا يقوم إنسان بتحريك الحجر وإزاحته. إلاّ أنّ حقيقة الأمر أن الحجر المحرج وجسد المسيح غير موجود.فتساءلت مريم: يا ترى ما الذى حدث؟ من الذى قام بإزاحة الحجر من موضعه؟ ولعل خواطر شتّى حول سبب اختفاء جسد المسيح جال بفكرها.
لا شك أنها كانت لحظات رهيبة لسيدة حزينة، تقف حائرة وسط المقابر فى رهبة ظلمة الفجر. ولما لم تستطع أن تفهم ماذا حدث، تركت القبر الفارغ ورجعت بسرعة لتلتقى تلميذى يسوع، بطرس ويوحنا، وتخبرهما عن اختفاء جسد المسيح المصلوب. وما أن زفّت لهما ذلك الخبر المحيِّر حتى أسرع الثلاثة معًا إلى القبر متسابقين للتأكد من خبر مريم المجدلية. فوصل أوّلًا التلميذ الشاب يوحنا، وانحنى من خارج القبر فرأى الأكفان موضوعة وجسد يسوع ليس هناك فاكتفى بذلك. وأما بطرس فلما وصل، دخل القبر وفحص المكان بدقة وذهول، وتساءل فى فكره: من يا ترى أراد أن يعبث بجسد المسيح ويسرقه؟ وكيف استطاع السارقون أن يسحبوا دون فك الأكفان وبعثرتها؛ لأن الكفن بقى كما هو ملفوفًا بعناية، والمنديل الذى لفّ به وجه يسوع بقى مطويًا فى مكانه، فماذا حدث يا ترى؟ لم يستطع أحد أن يفهم ما الذى حدث.
وهكذا غادر يوحنا وبطرس القبر الفارغ، وبقيت مريم المجدلية وحيدة تبكى عند القبر. وفيما كانت تملأ الدموع عينيها حزنًا على يسوع وعلى اختفاء جسده، ظهر ملاكان بثياب بيض، جالسان، واحد عند الرأس وواحد عند القدمين؛ حيث كان جسد يسوع موضوعًا. فسألاها: يا امرأة لماذا تبكين؟ فأخبرتهما عن السبب. ثم وما هى إلا لحظات قليلة حتى سمعت صوتًا آخر يكلمها؛ فالتفت إلى الوراء ظنًا منها أنه صوت البستانى (يو15: 20). ولكن لصعوبة حالتها النفسية، وكثرة الدموع فى عينيها، لم تستطع أن تميّز ذلك الصوت الذى كرّر نفس سؤال الملاكين القائل: لماذا تبكين؟ من تطلبين؟ فقالت له: «يا سيّد إن كنت أنت قد حملته فقل لى أين وضعته وأنا آتى لآخذه» (يو15: 20). لكن عندما ناداها يسوع المقام بصوته قائلًا: «يا مريم» (يو16: 20)، التفت إليه بلهفة مميزة ورجاء جديد وشوق كبير، متأكدة أنه صوت يسوع، فأجابت «ربوني»، وهى كلمة آرامية تعنى «يا معلّم». وكم كانت فرحة مريم المجدلية كبيرة. فيسوع الذى غيّر حياتها لم يمت، يسوع لم يبق فى القبر. يسوع قام. تلقت مريم المجدلية مباشرة من فم المسيح المقام أعظم خبر على الإطلاق، فكانت الشاهدة الأولى للقيامة. ومن شدة فرحها ودهشتها، أرادت أن تندفع إلى يسوع المقام وتلمسه، لكن يسوع بعد القيامة لم يعد كما كان قبل القيامة؛ لأن مرحلة الوجود الجسدى للمسيح مع مريم والتلاميذ، قد انتهت عند الصليب. 
ثم طلب المسيح المقام، من مريم، أن تذهب وتخبر تلاميذه عن قيامته، قائلا، «اذهبى إلى إخوتى وقولى لهم إنى أصعد إلى أبى وأبيكم وإلهى وإلهكم» (لوقا 17: 20). وهكذا انطلقت المجدلية مسرعة إلى التلاميذ لتنقل لهم أعظم وأهم خبر على الإطلاق، الخبر الذى حافظ على الكنيسة وحفظها حتى اليوم، إنّه خبر القيامة المجيدة.