الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

سياسة

بعد انتشار حالات "الانتحار".. هل المنتحر كافر أم عاصي؟

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
مع انتشار حالات انتحار بسبب لعبة "الحوت الأزرق" وغيرها، يتجدد الحديث عن هل المنتحر كافر أم عاصى؟ وهل يصلى عليه ويدفن بمقابر المسلمين أم لا؟ وتتوارد الأسئلة إلى أهل المنتحر والمشيعين ما دعا المؤسسات الدينية لبيان الأحكام الشرعية جملة وتفصيلا في "الانتحار".
وقال الدكتور عبد الهادي زارع رئيس لجنة الفتوى بالأزهر الشريف إن أخطر شيء هو إصدار صكوك الكفر، مضيفًا أن الأزهر الشريف دومًا يحذر من "الانتحار" والأعمال المقربة منه، فالمنتحر شخص تمرد على قضاء الله وقدره، وخرج على أصل من أصول الإيمان كونه لم يصبر على القضاء والقدر فهو بذلك مرتكب لخطيئة كبيرة، ورغم ذلك فإن أمره موكول إلى الله فهو شخص غير كافر ومن ثم يُصلى عليه ويدفن مع المسلمين.
من جانبها، قالت الأمانة العامة لدار الإفتاء إن الانتحار حرام شرعا؛ لما ثبت في كتاب الله وسنة النبي -صلى الله عليه وسلم، وإجماع المسلمين على حرمة الانتحار، فالمنتحر وقع فى كبيرة من عظائم الذنوب وكبائرها؛ إلا أنه مع وقوعه فى هذه الكبيرة لا يخرج عن الملة، ويظل على إسلامه، وبعد موت يكفن ويغسل ويصلى عليه ويدفن في مقابر المسلمين.
وأوضحت "الإفتاء" أن الانتحار هو قتل الإنسان نفسه، بأي شكل من الأشكال؛ مثل: الشنق، أو الحرق، أو تناول السموم، أو تناول جُرعة كبيرة من المخدرات، أو إلقاء نفسه فى البحر، أو غير ذلك، وأن الانتحار له أسبابٌ عديدة، منها: "ما يرجع إلى أمراض نفسية وعقلية؛ كالاكتئاب، والفصام، والإدمان، ومنها ما يرجع إلى عواملَ أخرى، مثل: المشاكل الاجتماعية أو الأُسرية أو العاطفية، أو الفشل في ناحية من نواحي الحياة، كالفشل الدراسي، ومنها ما يعود إلى الآلام والأمراض الجسمية العصيبة، أو غير ذلك.
وتابعت الدار بأن الانتحار من الآثام العظام والذنوب الكبار التي نهى ربنا عنه وتوعّد النبي صلى الله عليه وسلم فاعلها بالعذاب الأليم؛ لأنه دليل على ضعف الإيمان ورقّة الدين، قال تعالى: ﴿ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أن اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا * وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا ﴾النساء: 29، 30، وقال تعالى: ﴿ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إلى التَّهْلُكَةِ ﴾ [البقرة: 195وقال تعالى: ﴿ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِى حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا ﴾ الفرقان: 68، 69، كما وروى الإمام مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قتَل نفسه بحديدة، فحديدته في يديه يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا، ومَن شَرِب سُمًّا، فقتل نفسه، فهو يتحساه في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا، ومن تردَّى من جبل، فقتل نفسه، فهو يتردي في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا وروى البخاري، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الذي يخنق نفسه، يخنقها في النار، والذي يطعنها، يطعنها في النار».
واختتمت "الإفتاء" حديثها بأن الإنسان العاقل هو الذي لا يقدم على الانتحار مهما أصابه من بلاء الدنيا، بل يصبر ويحتسب مقتديًا في ذلك بالأنبياء والصالحين، ولا بد للإنسان أن يعرف أن الحياة الدنيا هي دار امتحان وابتلاء، قال تعالى: {الَّذِي خَلَقَ المَوتَ وَالحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُم أَيُّكُم أَحْسَنُ عَمَلًا}.
"البحوث الأسلامية " المنتحر يُغسل ويصلى عليه.
كما أصدر مجمع البحوث الأسلامية بيانا أوضح فيه أن الفقهاء صرحوا بأن المنتحر يُغسل ويصلى عليه، ومعلوم أن الكافر لا يغسل ولا يصلى عليه، وقد ذُكِرَ في الفَتَاوَى الخانيّة: أن المسلم إِذَا قَتَل نَفْسَهُ فِي قَوْل أَبِى حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ يُغَسَّل وَيُصَلَّى عَلَيْهِ، وهذا صريح في أن قاتل نفسه لا يخرج عن الإسلام، كما وصفه الإمام الزيلعي وابن عابدين بأنه فاسق كسائر فساق المسلمين.
وقد عد ابن حجر الهيتمي رحمه الله، الانتحار كبيرة من الكبائر في كتابه (الزواجر عن اقتراف الكبائر): «الكبيرة الرابعة عشر بعد الثلاث مائة (قتل الإنسان لنفسه)»: « وهاهنا جملة أمور لا بد من الإحاطة بها: أولها: أن وصف الإسلام باق للمنتحر فلا نرميه بالكفر، بل أمره إلى الله؛ ويدل على ذلك ما ثبت في صحيح مسلم من حديث الطفيل بن عمرو الدوسي رضي الله عنه أنه هاجر إلى المدينة معه رجل من قومه، فاجتووا المدينة، فمرض فجزع فأخذ مشاقص له فقطع بها براجمه فشخبت يداه حتى مات، فرآه الطفيل بن عمرو في منامه فرآه وهيئته حسنة، ورآه مغطيًا يديه، فقال له: ما صنع بك ربك؟ فقال: «غفر لي بهجرتي إلى نبيه صلى الله عليه وسلم»، فقال: ما لي أراك مغطيًا يديك؟ قال: «قيل لي: لن نصلح منك ما أفسدت»، فقصها الطفيل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم وليَدَيهِ فاغفر».
وترجم الإمام مسلم رحمه الله تعالى لهذا الحديث بقوله: «باب الدليل على أن قاتل نفسه لا يكفر»، فما يعتقده كثير من الناس من كفر المنتحر لا دليل عليه بل الدليل على خلافه.
ثانيها: أنا لا نجزم بدخول المنتحر النار، بل هو تحت المشيئة أن شاء الله عذبه وإن شاء غفر له؛ لعموم قوله تعالى: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء}، ومن أصول أهل السنة أنهم لا يشهدون على معين من أهل القبلة بأنه من أهل النار إلا من ورد فيه النص عن المعصوم صلى الله عليه وسلم بخصوصه.
ثالثها: أننا لا نجزم بخلوده في النار لو دخلها، بل يحمل الحديث كما قال بعض العلماء على من فعل ذلك مستحلًا مع علمه بالتحريم فيكون كافرًا، أو أن المراد بالخلود طول المدة والإقامة المتطاولة لا حقيقة الدوام، كما يقال: «خلَّد الله ملك السلطان»؛ وذلك لما تواتر في الأحاديث من أنه: «يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله خالصًا من قلبه».
رابعها: إذا عُلم هذا فإن المنتحر تُجرَى عليه أحكام موتى المسلمين، فيُغسَّل ويُكفَّن ويصلى عليه ويدفن فى مقابر المسلمين، ويورث ماله ويترحم عليه ويدعى له، وبعض العلماء كابن شهاب الزهرى كما نقل عنه النووى فى شرح صحيح مسلم كره الصلاة على المرجوم وقاتل نفسه، وبعضهم كره أن يصلى عليه أهل الفضل بل عليهم أن يعتزلوا الصلاة عليه ردعًا لغيره أن يقترف مثل هذا الذنب العظيم.
وعلاج هذه القضية تكون بـ: التربية الدينية الشاملة الواعية، وإعلاء منظومة القيم الدينية، ولا بد من حملات مجتمعية توعوية، وإحياء الروح المعنوية عن طريق بث الأمل في النفوس.