الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

الخال وجاهين.. صداقة بدأت بقصيدة

الخال وجاهين
الخال وجاهين
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أعد الملف: محمد لطفي وياسر الغبيرى وأحمد صوان وأميرة عبدالحكيم ومحمود عبدالله تهامى
تصوير: هشام محيى ومحمود أمين
«هو ظاهرة لن تتكرر، كتب شعرًا عبقريًا، لكنه عرف الطريق إلى لغة بسيطة سلسة، هو حالة متفردة استطاع أن يكون من أوائل المكتشفين العظام لجيولوجيا مشاعر الإنسان المصرى وأخلاقه وتراثه فى القول والسمع»، هكذا وصف «الخال» شاعر العامية الأبرز صلاح جاهين راثيًا له، بعد صداقة امتدت لأعوام طويلة، كانت بدايتها عندما نشر له الشاعر الكبير فى ١٦ نوفمبر ١٩٦١،أول قصائده فى مجلة «صباح الخير» فى باب «شاعر جديد أعجبني»، وتناولت تلك القصيدة مشكلة القطن آنذاك، وأعجب بها جاهين، وقرر نشرها مع رسم لأكبر رسامى المجلة.
كتب جاهين فى تقديمه للأبنودى: «أترقب رسائله.. تصلنى أحيانا على ورق أبيض، مقطع سلائخ طويلة كأعمدة الصحف، مكتوبة بإتقان شديد على الآلة الكاتبة.. وأحيانا بالحبر على ورق مسطر، مطبوع على رأسه اسم تاجر خضار وفواكه وقومسيونجى، بمدينة قنا.. وأحيان على «فولسكاب» كبيرة ذات هوامش واسعة». 
«على أنه مهما اختلفت أشكال رسائله، فهى لا تحمل إلا شعرا، ونادرا ما يوجه لى كلاما فى أى من هذه الرسائل.. لذلك لا أكاد أعرف عنه شيئا كثيرا.. حتى عمره لا أعرفه.. ولكنى أرجح أنه ما زال فى عشرينياته الأولى.. كل الذى وصلنى أنه يعمل موظفا كتابيا فى محكمة قنا الابتدائية».
وأضاف جاهين: «أما عن شعر عبدالرحمن الأبنودى فهو على درجة كبيرة من التقدم.. فصوره يختارها من الحياة اليومية.. ولكنه يستطيع أن يشحنها بالعاطفة.. فنكتشف - بفرحة - كم هى موحية وعميقة هذه الصور.. إن اكتشاف الشعر فى زوايا حياتنا التى أهملها الزمن.. وإثراء عاميتنا بالتعبير الأدبى الخصب.. لهو عمل وطنى قد يكون فى أهمية اكتشاف البترول فى قفارنا.. إن لم يكن أهم».
لم يكن يخلو حوار مع «الخال» من الحديث عن عظمة وذكاء ورقة وجدعنة صلاح جاهين؛ طالما كان يكُرر أن تلك البادرة فتحت لى مجالًا للاتصال بالناس فى المحيط، وزيادة إقبالى على النظم، وتوطد علاقتى بصلاح جاهين، وكان سببًا فى دخولى عالم الطرب من أوسع أبوابه وذلك لأن أغنية «دودة القطن» تم الاتفاق على غنائها فى الإذاعة، فاتصل بجاهين الذى أكد له ذلك، وطلب إليه أن يذهب إلى الأستاذ حسن الشجاعى فى الإذاعة، وكان أجر الأبنودى عن تلك الأغنية خمسة جنيهات. 
فى لقاء خاص جدًا، جمع الخال بعدد من الأصدقاء قال: «إن النظام الناصرى لم يعتقل صلاح جاهين لأنه كان شاعر الثورة، ودائمًا أضع حدًا فاصلًا ما بين الداعى للثورة، ووظيفة العاشق؛ فصلاح جاهين كان عاشقًا للثورة ويحب جمال عبدالناصر حبًا حقيقيًا، وكان يحلم معه حلمًا كبيرًا، وعندما جاءت النكسة قتلت اثنين كما أقول دائمًا صلاح جاهين ويوسف إدريس، وصلاح جاهين لم يكن أكثر تعقلًا منا مع النظام لأنه لم يتناقض مع النظام، وربما كان على حق».
ويضيف الخال: «لو كان صلاح جاهين قد كتب لجمال عبدالناصر والثورة لما استطاع أن يكون له حضور قوى معنا، وكل الشواهد التى تؤكد أنه تعلق بالقضايا العربية ودافع مريرا عن قضية فلسطين بعيدة عن قضية الأمة المصرية».
ويحكى الخال عن «جاهين» بقوله: «صلاح ابتعد بالحلم طويلًا عن واقعنا وأنه لا يجب أن نحلم إلا بقدر ما نحقق وعلى ما يبدو فإننى كنت جارحًا أو قاسيًا بعض الشيء، دعانى جاهين للغداء فى كافتيريا جريدة الأهرام ليقول لى إنه لن يكف عن الحلم، فقلت له إن علينا أن نحلم فالشعر يقوم أساسًا على الحلم، وأننا إذا فقدنا الحلم سنموت ولكن يجب حين نحلم أن نكون نائمين بكامل ملابسنا وأظن أن هذا الحوار هو الذى أوقف الحوار بيننا، وظللنا بعد ذلك نهاتف بالتليفونات».
وعندما توفى صلاح جاهين فى إنجلترا، رثاه الأبنودى بقصيدة قال فيها:
الاسم زى الجواهر فى الضلام يلمع..
تسمع كلامُه ساعات تضحك ساعات تدمع
شاعر عظيم الهِبات..
معنى ومبنى يا خال
يشوف إذا عَتِّمِت واتشبَّرت لاحْوال
كإنه شاعر ربابة..
ساكن الموّال
يقول.. وحتى إن ما قالش تحسّ إنه قال
ولا يقول مِ الكلام إلا اللى راح ينفعْ
والاسم زى الجواهر فى الضلام يلمعْ
المسألة مش قوافى أد ما هى رؤى
الكون فى إيد البصير أصغر من البندقة
وضحكة الفيلسوف متجمعة من شقا
تفتحها تقفل عليك.. مسا دا ولا صباح؟
والصوت دا وسط الفرح زغروتة ولا نواح؟
يا بهجة الدنيا.. يا غنيوة الأفراح
أكلوا تمورك وراضي
لو صابوك بالنقا
والمسألة مش قوافى أد ما هى رؤى
نزل من بطن أمه
بصراخ موزون مقفى
وكإن فنه دمه
وتقيل مع إنه خِفه..
واسمه.. صلاح جاهين
من صغره آخر شقاوة
وله أمور عجيبة
يرسم رسومات نقاوة
ويقول حاجات غريبة
تأليف صلاح جاهين
يتهيأ لك مكشر
هوّه بيضحك لجّوه
وحتى لو يكركر
الوش هوّه هوّه
ماركة صلاح جاهين
والده- وأنا شفته-
قاضى يزوره ف مكتبه:
أبويا.. دايمًا راضى وأنا نفسى أكتبه..
وأمضي: صلاح جاهين
يرسم.. يقرا الشوارع والخلق فى الحواري
وفى النظر كان بارع للبايع واللى شاري
وارسم يا صلاح جاهين
وإن حَب الرسمة تنطق يرسم واحد تخين
تتحير لو تدقق ده سعيد ولا حزين
تلاقيه صلاح جاهين.