الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

سعيد شحاتة يكتب.. الأبنودي موال النهار

سعيد شحاتة
سعيد شحاتة
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أعد الملف: محمد لطفي وياسر الغبيرى وأحمد صوان وأميرة عبدالحكيم ومحمود عبدالله تهامى. 
تصوير هشام محيي ومحمود أمين.
«واذا مش نازلين للناس فبلاش.. والزم بيتك بيتك بيتك
وابلع صوتك.. وافتكر اليوم ده لأنه تاريخ موتى وموتك».
منذ أن استمعت إلى هذه الأبيات وعلاقتى بأشعار هذا الرجل لم تنته، الأبنودى هذا البوستر الكبير الذى اقتنيته عام ٢٠٠١ من معرض القاهرة الدولى للكتاب، لأعلقه فى غرفتى فى أقاصى شمال مصر، لدرجة أننى كلما زارنى أحد أصدقائى أصابته نوبة ضحك هستيرى، لأننى أعلق بوسترًا لشاعر فى حين أن بوسترات النجم عمرو دياب كانت سيدة المشهد فى غرف أصدقائى فى ذلك الحين.. أمى نفسها كانت كلما زارت بيتًا ووجدت فيه صورة لعبدالحليم أو أم كلثوم أو نجاة أو حتى محمد منير، جاءت تعاتبنى لأننى لا أعلق إلا صورة عبدالرحمن الأبنودى.
لكنها بعد أن جلست معى ذات مرة لأسمعها إياه فى إحدى الحلقات التلفزيونية، غيرت رأيها تمامًا، خاصة أن هذه الحلقة كان الأبنودى فيها فى غاية انسجامه، فألقى قصيدة (يامنة) التى أرغمت أمّى فور سماعها على طلب سماعها مرة أخرى، قائلة: إن هذه القصيدة تشبه طين الأرض وملحها، هذا الرجل قرأنا جيدًا وترجمنا إلى قصائد.
رأى أمى أسعدنى جدًّا، وازداد تعلقى بالشاعر الكبير لدرجة أننى بحثت عن كل دواوينه لأقتنيها، فوجدت أمامى ديوان «مختارات»، قرأته فغصت فى أركان عالمه المتفرد، أدهشتنى قصيدة «الخواجة لامبو»، حفظت معظم أجزائها فى فترة وجيزة، ظللت أفتّش عن وجه هذا الرجل إلى أن قابلته فى معرض القاهرة الدولى للكتاب، كانت القاعة مكتظة، فانتظرت إلى أن انتهى من إلقاء قصائده وذهبت إليه، وقفت أمامه فى وجوم، أشار لى فاقتربت وسلمت عليه وجلست إلى جواره ولم أنبس ببنت شفة، كان سعيدًا جدًّا بهذا الأمر، لأنه كان يرى علامات الدهشة على وجهى والإعجاب فى عينى.
بدأت علاقتى بعالم الأبنودى الشعرى بشكل أكثر جديّة بعد قراءتى لديوانه (جوابات حراجى القط لزوجته فاطنة أحمد عبدالغفار)، قرأته مراتٍ كثيرة، وأجبرت زملائى على قراءته، ثم بحثت عن نسخته المسموعة بعد أن تم الإعلان عنها، حصلت عليه وسرقنى سنوات بصوته وهو يلقى هذه الخطابات مرة بصوت حراجى ومرة بصوت فاطنة، المتمعن فى هذه الخطابات يجد بها من التجارب الحياتية ما يتجاوز الوصف، والقارئ لما بين السطور بإمعان أكثر لا يمكن إلا أن يقسم آلاف المرّات أن الأبنودى هو حراجى وأن فاطنة هى زوجته، لكن من يقترب من حياته ويتعرف عليه سيعرف مدى إخلاصه لتجربته الشعرية، وسيكتشف أن هذه الخطابات لأحد أصدقائه الذين كانوا يعملون فى السد العالى، أطلعه عليها نثرًا فعاش حالتها وترجمها بهذه البراعة الفائقة.. 
كنت أرى أن مصافحة هذا الرجل يدًّا بيد تعنى مصافحة حقبة تاريخية مهمة من تاريخ هذا الوطن، صافحته فصافحت عبدالحليم وصافحت بليغ حمدى وصافحت محمد رشدى وصافحت الصعيد بأكمله، لذا كنت حريصًا على مصافحته كلّما قابلته رغم أنه لا يعرف هذا الفتى الذى يصافحه... لكنه فى كل الأحوال كان يتعامل مع الجميع بمنتهى المحبة والأبوة والكرم والنبل.. 
عشقت نجاة وحليم ووردة ورشدى قبل أن أعرف الأبنودى، وعندما عرفته وعرفت أنه صاحب الأغانى التى أعشقها لهم اكتشفت أننى كنت أعشق كلماته التى يغنونها، كنت أعشق (الهوى هوايا، عدى النهار، مشيت على الأشواك) لعبدالحليم، وكنت أعشق (عيون القلب) لنجاة، وأعشق (طبعًا أحباب، قبل النهاردة) لوردة، ومعظم أغانى محمد رشدى وإن كانت (عدوية) على رأسها، وراء كل هذه الكلمات الرائعة الباقية فى وجدان الشعب المصرى المليئة بالوجد والمحبة المفعمة بالوطنية كان يوجد رجل اسمه عبدالرحمن الأبنودى.. الذى رثيته فى وفاته قائلا:
عارف يا خال خبرك حنى عودى
ودخل لى زىّ الرمح فى حدودى
كدّبت لكن صدقوا التانيين
صلّيت وقلت تعيش يا أبنودى