السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

وقفة.. مع محكمة عابدين

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
دلونى على مرجع قانونى فى مصر، والعالم يحظر على أى قلم التعليق على أحكام القضاء.
أرشدونى على أى فقيه مهما ارتفع مقامه علميًا فى مكانة عبدالرازق السنهورى باشا، أو عبدالعزيز باشا فهمى، أو غيرهما من رموز العدالة فى مصر حرموا التعليق على أى حكم يصدر من القاضي، بل إن القضاء يحكم آليته فإنه يصحح نفسه بنفسه، فهو يصحح أحكامه من خلال محاكم الاستئناف والنقض والدستورية العليا.
إن أى منصف أو أى إنسان على أرض مصر لا يعتبر منصة القاضى الرفيعة إلا ملاذه، فالجميع أمامه سواء، والعالم كله والأوساط القضائية والقانونية والفقهية يدرك أن فى مصر قضاء وأن فى مصر قضاة، وأن فى مصر فقهاء، ومن ثوابت أدبيات القضاء عندنا عبارات وثوابت تقول، كلمة القاضى عنوان الحقيقة، وقول آخر «أعطنى قاضيًا عادلًا وقانونًا ظالمًا يتحقق العدل» هذا هو المنهج والقسم، والقضاء له تاريخ مجيد فى الانحياز للحق والقانون ورغم مكانتهم الرفيعة فى نفوس الناس، فإنهم يدركون بل يرددون إن القاضى بشر يخطئ ويصيب، والقاضى إنسان غير عادى يحكمه الضمير والوجدان، فهو لايحكم بعلمه ولكن بما تنطق به الأوراق، وليس معنى هذا أن القاضى فى مراحله المختلفة خاضع للتعليق بل وجميع عرائض الاستئناف التى يصل عددها إلى الآلاف يوميًا فى ساحات المحاكم تقول عبارة واحدة فى تعليقهم على الحكم إنه «يشوبه فساد فى الاستدلال»، وهذه عبارة قاسية لكنها اصطلاح قانونى تحمى الحقوق وتحرس الحدود وتصوب الأحكام.
وهناك اعتقاد خاطئ يقول إنه لا يجوز التعليق على الأحكام، وإن ما ينطق به القاضى محصن ضد التعليق حتى ولو كان حكمًا نهائيًا فهناك قضاء النقض، بل إن جميع التشريعات العقابية والمدنية فى مصر تخضع كلها لرقابة المحكمة الدستورية العليا التى قد يترتب على أحكامها بطلان تطبيق نص ومايترتب عليه من آثار، فالقضاء فى مصر لا يصحح مسيرته إلا بالأسلوب القضائى يصحح صفوفه من سدنة العدالة، فهذه قاعدة عامة فى شأن تنفيذ الأحكام قد روعى فيها المعيار الدقيق بحيث لا تطغى سلطة على سلطة تحت مظلة العدالة، فهناك قضاء مجلس الدولة له استقلالية سواء فى تنفيذ الأحكام أو طلب وقف التنفيذ وله آلية مستقلة، فالقضاء الإدارى يحاكم القرارات الإدارية التى تصدر عن الدولة مهما كان مصدره، وكثيرًا ما سجل قضاء مجلس الدولة مواقفه وألغى قرارات جمهورية، وقرارات وزارية كان لها الأثر المنتج مثل حل البرلمان أو إحدى غرفه، وهو لايتدخل فقط فى السلطات السيادية، وفيما غير هذا النطاق فإن أى قرار مهما كان يخضع لرقابة مجلس الدولة، والقضاء المدنى له آلياته، وهو يبحث فى أصل الحق ويستعين فى هذا الأمر بالقاضى الفنى وهو الخبير فالمحكمة المدنية هى الخبير الأعلى، فكل هذه مسلمات، لكن القضاء المستعجل أو ماعرف منه الرأى العام اسم (قضاء محكمة عابدين) فله حدوده، وهو قراءة الموضوع من ظاهر الأوراق، وسبق أن استخدم فى إيقاف قرارات وأحكام كان لها طابع سياسى والغرض منه تكتيكي، وتجلى هذا الأمر فى صدور أمر وقتى بمصادرة جريدة (الأهالي) مع بداية صدورها وغيرها من المواقف.
لكننى أقول إن الطعن على قرارات المحاكم الإدارية لها مساراتها ومسالكها وقواعدها المستقرة، وأعتقد أن القضاء وضع حدود العدل والفصل النزية بين القضاء المستعجل والأوامر الوقتية أو الأوامر على عريضة، وبين أحكام صدر بشأنها حيثيات، وإن التشريع حدد قاضيًا وهو قاضى التنفيذ أو مستشار التنفيذ ومحكمة التنفيذ، وتأشيرة الاستمرار فى التنفيذ لها قواعدها رغم أنها دون حيثيات، وهى ليست جزءًا من قناعات القاضى أو سلطته التنفيذية لكنها وقف لقناعة حددها الفقة والقانون والسوابق القضائية والمبادئ المستقرة، صحيح أن قيمة الحكم بتنفيذه وليس بوقفه أو تعطيله، ونضرب هذا بالمثل الشهير حينما أقام مواطن فى بريطانيا دعوى ضد الحكومة يطلب إيقاف نشاط المطار المجاور لمنزله، وهذا المطار هو ملجأ لطائرات عسكرية وبريطانيا وقتها فى حالة حرب، فأشر داهية السياسة رئيس الوزراء التاريخى لبريطانيا ونستون تشرشل، أعظم ساسة القرن العشرين، وقال وقتها «إنه أشرف أن يُقال إن بريطانيا هُزمت فى الحرب على أن يُقال إنها عطلت حكمًا قضائيًا واحدًا».
وحق التعليق على أحكام القضاء يدخل ضمن عقيدة الشعب، وبهذه المناسبة أقول للتشريع ولمنصة القاضى إن الحقوق والفصل فيها لابد وأن يتميز بالتجرد والعمومية، وإن أى تشريع يكون مرتبطًا باعتمادات مالية يكون قانون غير دستورى، وأمامنا المثل العظيم، وهو سيدنا عمر بن الخطاب العادل الذى مارس الحكم لكنه فشل كقاض وتنحى عن أول قضية عرضت عليه حينما نادى أحد الأطراف باسمه والثانى (بكنيته) مما كان من الذى نودى باسمه دون الكنية أن رد أمير المؤمنين، وعلى الفور تنحى عن نظر القضية، لذلك فإننى أربأ بمحكمة عابدين أن تتعرض قراراتها المحترمة لأى سخرية أو انتقاد، حماية ليس للحقوق.. ولكن قبلها للعدالة ذاتها.
-----------

كوتيشن: هناك اعتقاد خاطئ يقول إنه لا يجوز التعليق على الأحكام، وإن ما ينطق به القاضى محصن ضد التعليق، لكن حتى ولو كان حكمًا نهائيًا فهناك قضاء النقض، بل إن جميع التشريعات العقابية والمدنية فى مصر تخضع كلها لرقابة المحكمة الدستورية العليا التى قد يترتب على أحكامها بطلان تطبيق نص وما يترتب عليه من آثار