الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الواقع الإثيوبي "1"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
قرأنا فى الأيام الماضية تصريح السيد وزير الخارجية المصرى بشأن انتهاء المحادثات، والمفاوضات مع الجانبين الإثيوبى والسودانى والخاص بسد النهضة دون الوصول إلى حل واضح ونهائى، وجاء ذلك تزامنًا مع إعلان الائتلاف الإثيوبى الحاكم اختيار، أبى أحمد، رئيسًا جديدًا للوزراء عقب استقالة هايلى مريم ديسالين الشهر الماضى.
وباختيار «أبي» البالغ من العمر ٤٢ عامًا، يكون أول رئيس حكومة مُسلم فى إثيوبيا، فى سابقة تُعد الأولى من نوعها فى تاريخ البلد الأفريقى.
وشغل «أبى أحمد» منصب وزير العلوم والتكنولوجيا فى الحكومة من قبل، كما انضم فى السابق لـ«الحركة الديمقراطية لشعب أوروميا»، التى قاتلت ضد نظام منجستو هيلاميريام الماركسى.
ويرى الكثيرون أسبابًا عِدة تبعث على التفاؤل حال انتُخِب أبى رئيسًا جديدًا للحكومة؛ إذ يأتى من خلفية دينية مُختلطة، أب مسلم كان يعمل بالزراعة، وأم مسيحية، كما يتحدث الإنجليزية و٣ لغات محلية إثيوبية (أمهرية وأورومية وتيجرينية)، ونال درجة الدكتوراة من معهد دراسات السلام والأمن (إيبس) التابع لجامعة أديس أبابا عن حل النزاعات المحلية فى البلاد، إضافة لكونه مُتحدّثًا ممتازًا، يُفضّل اتخاذ القرارات القائمة على حُجج وبراهين، وفى الوقت نفسه، لديه خلفية عسكرية ومخابراتية مهمة؛ إذ خدم برتبة كولونيل ضمن قوات الجيش الإثيوبي، وشارك ضمن قوات حفظ السلام فى رواندا.
ويتمتع إقليم «أوروميا» المنتمى له رئيس الوزراء الجديد بحكم شبه ذاتي، وغالبية عرقية «الأورومو» من المسلمين، وتمثل كبرى القوميات فى إثيوبيا.
وهنا نطرح بعض أسباب دعم الاتحاد الأوروبى وأمريكا لأبى أحمد، أهمها أنه من قومية الأورمو التى تمثل ٥٠ مليون نسمة من الشعب الإثيوبى، وهى القومية التى تمتلك تأثيرًا شعبيًا ضخمًا فى الشارع، والمحرك الرئيسى للاحتجاجات الشعبية، فهو الشخص الذى يرضى طموح الأغلبية الشعبية.
كما أن أمريكا تستطيع الضغط على إثيوبيا لتقبل أبى أحمد رئيسًا للوزراء، خاصة أن البدائل الأخرى لا تحقق طموح الشعب الإثيوبى وربما تشتعل الأوضاع الداخلية، وتتفاقم بشكل لا تستطيع الحكومة السيطرة عليه.
والمعروف أنه فى منتصف فبراير الماضى، قدم رئيس الوزراء الإثيوبى، هيلى ماريام ديسالين، استقالته من رئاسة الحزب الحاكم ورئاسة الحكومة أيضًا، عقب اضطرابات سياسية شهدتها البلاد، جراء الضغوط الشعبية ضد النظام الحاكم، والتى اندلعت عام ٢٠١٥، وأوقعت أكثر من ألف قتيل، لإجبار النظام على توزيع الثروة والسلطة بشكل عادل على قوميات الشعب الإثيوبى، بدلًا من سيطرة قومية «التيجراى» على الثروات والسلطة، رغم أنها تمثل ٦٪ فقط من الشعب الإثيوبى.
وعلى الرغم من أن هذه الاحتجاجات لم تكن الأولى من نوعها إلا أن الاحتجاجات الأخيرة عبرت عن الأزمة التى تعيشها العديد من القوميات داخل الدولة الإثيوبية، والإخفاقات التى صادفها تطبيق الفيدرالية الإثنية فى إثيوبيا فى ظل الاضطهاد والتحيز ضد أكبر جماعة عرقية فى البلاد وهى الأورومو، والتى تمثل نحو ٤٠٪ من تعداد السكان البالغ عددهم ٩٥ مليون نسمه، وتقطن أكبر ولاية من الولايات التسع المكونة للدولة الإثيوبية وفقًا لنظام الفيدرالية الإثنية.
كما كشفت هذه الاحتجاجات عن الفشل الذى يعانى منه حزب الجبهة الشعبية الثورية الديمقراطية، وهو الفشل الذى يظهر فى عدم تمكنه بعد أكثر من عقدين من نجاحه فى الإطاحة بحكم نظام الدرج الاشتراكى من حماية حقوق القوميات المختلفة المشكلة للدولة الإثيوبية، وتحقيق نموذج ديمقراطى قائم على فكرة المواطنة وليس الانتماء للجماعة العرقية.
فعبر عقود طويلة ظل تأثير تكوين الدولة الإثيوبية مستمرًا على مسار الأحداث فيها، حيث حكم الأباطرة هذه الدولة (١٨٥٥-١٩٧٤)، واتسمت سياستهم بالتوسع على حساب الأقاليم المجاورة، فتشكلت الدولة الإثيوبية من جماعات عرقية مختلفة، وهيمنت جماعات عرقية رئيسية هى الأمهرة والتيجرى على غيرها من الجماعات الأخرى، ولم تتطور هذه السياسة دون مقاومة.
وكان فى مقدمة الجماعات العرقية التى عانت من استبداد الأمهرة والتيجري، جماعة الأورومو والجماعات العرقية الأخرى فى جنوب غرب إثيوبيا.
لذلك كانت مشكلة إثيوبيا الكبيرة هى البحث عن هوية قومية موحدة، فالجماعات العرقية من غير الأمهرة ولا سيما الأورومو، كانت ترى أن إثيوبيا الحالية يمتلكها ويسيطر عليها الأمهرة والتيجرى فقط.
وأن إثيوبيا لم تكن أبدًا دولة موحدة من حيث التاريخ والثقافة، واللغة المشتركة، إلا فى أوقات الحروب فى القرن التاسع عشر حيث حاربت ضد القوى الخارجية، مثل الأتراك، والإيطاليين، وكذلك المصريين والسودانيين.. وللحديث بقية الأسبوع القادم بإذن الله
حفظ الله مصر وشعبها وجيشها