الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

الأرض والأبنودي.. في عشق الطين والنيل والغلابة

الأرض والأبنودى
الأرض والأبنودى
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أعد الملف: محمد لطفي وياسر الغبيرى وأحمد صوان وأميرة عبدالحكيم ومحمود عبدالله تهامى
تصوير: هشام محيى ومحمود أمين
يحكى «الخال» عن حياته فى تلك الأرض فى أوائل الخمسينيات -وكان لا يزال واحدًا من أطفالها- مؤرخًا فى كتابه النثرى الأشهر "أيامي الحلوة"، الكثير من المواقف.
وجد «الأبنودي» راحة السنوات الأخيرة بين ما زرعه بيده ورعاه كل يوم منذ كان بذورًا وحتى صار شجرًا يُطلق عليه أسماء أحبابه، فى أرضه ومنزله بمدينة الإسماعيلية


وفى قصيدة «الأرض والعيال» قدّم الخال فى خطابه الشعرى صورة للشخصية الريفية، وفى كتابه «أيامى الحلوة» يقول: «لم أفكر يوما فى كتابة سيرتى الذاتية، فلست نابليون أو هتلر أو بابلو نيرودا، فأنا لا أتعدى أن أكون مواطنًا بسيطًا عاش فقيرًا فى قرية اسمها أبنود، ثم انتقلت إلى مدينة قنا لأعيش فى كنف والدي، بعد طول فراق، لتختلف الحياة قليلًا عما كانت، وما عدا ذلك هو رحلتى الخاصة». 
ولأنى خرجت من القرية وكأنى عصارتها، فقد حملت تاريخها وباطنها ووجهها فى الضمير - دون قصد- وسرت فى الحياة؛ فإننى فى هذه المشاهد التى يحويها هذا الكتاب والتى سأحاول استكمالها فى جزء آخر، إنما أحاول القبض على جوهر الروح ولب الفكرة التى تحكم حياة الإنسان المصرى الأصلى الذى لم يفقد الصفات القديمة للإنسان النيلى بعد». فى «أيامى الحلوة» بدا عشق «الخال» للأرض منذ نشأته طفلًا فى قريته الواقعة فى قلب الصعيد، ظل وفيًا لها فأعطته من خيرها الكثير، صال وجال فى ساحة الشعر والأغنية بينما يده ظلت قابضة على ما يربطه بها، كانت المدينة بالنسبة إليه مرحلة حتى لو طالت، وجد راحة السنوات الأخيرة بين ما زرعه بيده ورعاه كل يوم


يحكى «الخال» عن حياته وطفولته فى تلك الأرض، التى عشق ترابها، أوائل الخمسينيات، مؤرخًا فى كتابه النثرى الأشهر، الكثير من المواقف، منها أن أهل القرية فى تلك الفترة لم يكونوا قد رأوا طبيبًا رأى العين «وإنما كان طبيبنا هو ميراثنا الفولكلورى، مما خلفه الأجداد للأحفاد من وصفات وخبرات ومواد مصنعة من بيئتنا، إلى جانب أوراق الأشجار وحجارة الأرض المعطاءة، قبل أن تبنى لنا حكومة الثورة «الوحدة المجمعة» وتعين لنا طبيبًا خاصًا بأهالى قريتنا أبنود بمحافظة قنا جنوب مصر فى صعيدها الأعلى».

«مهما الموت طلَّع مصارين الأرض.. حييجى بكره وحيزرعها الإنسان» 


من طرائف طفولة «الخال» فى قريته، أنه كان يتغنّى بالقُلل الفخار القناوية التى غنّى لها العظيم الراحل الشيخ سيد درويش، وهى التى كانت تنقذ أهل قنا من الحر المميت، ونالت القلل القناوى شهرتها فى مصر كلها؛ ولكن الأطفال لم تكفهم هذه القلل «ولكنهم كوّنوا فريقًا لمكافحة العطش فى هذه البلاد الحارة، وكان الهدف هو إذا فاجأ الإفطار أحدًا فى الشارع، فيجب أن يجد قُلة باردة فى انتظاره، والثواب عند الله كبير»، لم يجد الأبنودى غضاضة فى أن هؤلاء الأطفال -وهو منهم- كانوا يذهبون لسرقة هذه الأوانى الفخارية، تحت شعار أنها إنقاذ الصائمين «والله سوف يتغاضى عن هذه السرقات البريئة المبررة من أجل الهدف الإسلامى العظيم»، لأنهم فقراء وغير قادرين على توفير هذه الأوانى بأموالهم القليلة.
هكذا مثلت الأرض مكونًا رئيسيًا وتيمة حاضرة فى أعمال الأبنودى الشعرية والنثرية منذ البدايات وحتى وارى الثرى فى أحضانها، لم يكن مجرد ريفي، جاء من الصعيد، إلى العاصمة المزدحمة المليئة بأصناف البشر وهو يحمل الحنين للأصول، وإنما جعلها ساحة لا تنتهى تتجول فيها كلماته
ليس فقط منشأ الأبنودى الريفى فى قريته بأبنود، هو ما جعله يتغنى بالأرض؛ بل كانت المرحلة التى انطلق فيها كذلك عاملًا رئيسيًا فى استمرارها فى حاضره ومستقبله الشعرى اللامع، ففى الفترة فى أواخر الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين، انتشرت العديد من الإيديولوجيات القومية التى توثق ارتباط الإنسان بمكانه، فى الوقت الذى انتشرت فيه أيضًا إيديولوجيات اشتراكية تندد بانتفاء عدالة اجتماعية فى توزيع الثروات بالمجتمع واستلاب الفقراء كالفلاحين والعمال فى حياتهم فى ظل اختلال منظومة المال وتوزيعه على المواطنين.
مثّلت الأرض كذلك بداية الأبنودى الشعرية، فجاء أول دواوينه «الأرض والعيال» حاملًا الكثير من أسرارها، منها ما حكى عنه فى قصيدة «حطب القطن» عندما قال:

«إتناشر واد

حدفتهم ع الدنيا ليالى ما شافتش نهار.
قناديل مطفية ف عين الكون.
بتدخِّن عين والد مديون
قورتُه محروته بمحرات الزمن اللى حْييه
يسعل فى الليل..
تتهز مع سعاله آخر شعره ماسكه دماغه.
حاضن بعينه وصدره الموضوع:
القطن خلاص حيموت م الجوع
حيموت القطن
لو ما تفكش هوَّه وقام لاجل يفك الرهن.
وتنوح ع البعد سواقي
وراها واد عمال يحْدى موال أخضر لون البرعم.


غناء القرية وجه مكتمل الملامح من الموال لـ«الملاحم الشعبية» 
رعيه «الغنم» المدرسة الأولى التى تعلم فيها «الحبو».. نحو «المغنى»
أول أعمال الأبنودى فى حياته كان رعيه للغنم، ولم يزل طفلًا بقوله «فى المرعى عرفت لعب الطفولة الشاق المهلك الذى تتخرج منه رجلًا بعد سويعات، فى المرعى ارتبطت بالطبيعة ارتباطًا وثيقًا لا فكاك منه، لتدخل مفردات مكوناتها وما وهبته للإنسان فى عمق تلافيف معارفى وضميرى السري».
لم تعد هناك نبتة على وجه الأرض لم أعرفها، الوعى إجباري؛ لأن عدم الوعى بما على ظهر الأرض من نبات -على سبيل المثال- قد يؤدى إلى كارثة، كانت مهنة الرعى كما رآها «الأبنودي» هى المدرسة الأولى التى يتعلم فيها الراعى الصغير الحبو على درب الصعود نحو المغنى الذى سيكون تشكيله بعد سنوات قلائل «خلفًا لسواقى وتحت الشواديف وفوق كراسى النورج، أو نحو الشاعر الذى سوف يكونه بعد أعوام وأعوام»، حسب قوله.
وبينما كانت الأرض لا تزال أصل الخير، يحكى «الخال» عن تفاصيل صيده للسمك من النيل بعد جولاته فى الأرض «زمان مع الفيضان كان الخير يأتينا محملًا بأسماك الجنوب، ويجب أن تعرف أنه لم يكن هناك سد عالى أو بحيرة ناصر، لذا فالأسماك تأتى من الجنوب مباشرة من أفريقيا، كنا لا نحس لهيب الشمس، نحن أبناء الشمس والنيل، كان النهر يغص بعشرات الأنواع من السمك. لكل منها سلوك وطريقة فى الغمز، بعضها غبى وبعضها ذكى كالقرموط، إن أجمل محاورة شقية متعبة، هى معركة الذكاء بينك وبين الكائن العبقرى المسمى القرموط، سمك القرقار هو السمكة الوحيدة التى تبكى وتستنجد حين تخرجها السنارة كل الأسماك تقاوم أو تستسلم لمصيرها صامتة، القرقار هو الوحيد الذى يملك صوتًا».


يتذّكر الأبنودى كذلك الشيخ رفاعى، مؤذّن القرية وحامل القرآن وقارئه، والذى وصفه بأنه رجل شديد الطيبة، ودمث الخلق «ويتمتع بنوع من الغياب عن حياتنا الواقعية كأن به مسًّا صوفيًّا، أو كأنه موجود وليس موجودًا فى حياتنا»، كما قال، «هذا الشيخ كان إذا قرأ يهمس، ولذلك كان الخال يتذكر جدّته ست أبوها وهى تصفه بأنه «ينونو»، على سبيل التفكّه أو السخرية.
المهم أن الشيخ رفاعى كان هو المكلَّف برفع أذان المغرب فى شهر رمضان، وكان هو المصدر الوحيد بالإيذان بموعد الإفطار والصلاة معًا، لندرة الراديوهات وانعدام التليفزيونات، ولأن صوت الشيخ كان خفيضًا، فكان الأطفال الذين يقفون بجوار المسجد، ويراقبون صعود الشيخ رفاعى إلى سطحه الواطى، ولا يعرفون بميعاد الإفطار والصلاة إلا عندما يرفع الشيخ رفاعى يديه ويضعهما على أذنيه، فلا جدوى من سماع صوته، وبعدها ينطلق الأطفال فى دروب القرية ليقوموا بمهمة إبلاغ الناس جميعًا بميعاد الإفطار، منشدين أغنية: «افطر يا صايم.. ع الكعك العايم»، والمقصود بالعايم أن الكعك يكون عائمًا فى السمنة البلدى، وتسرى الأغنية -كما يكتب- كالسحر فى صدور الصائمين فيفرحون ويفطرون بالهناء والشفاء».


الأبنودى وفرقة السيرة الهلالية
بأسلوبه فى الحكي، الذى لا يقل إبداعا وعذوبة، عن أشعاره، يحكى «الخال» كذلك كيف فعل جيران والدته به، حين أصابه الإسهال وهو طفل فى السادسة من عمره، كانوا يرغبون فى «وصل مصرانه» الذى قطع كما قلنا، ما أدى إلى إصابته بالإسهال بقوله: «أتين بملاءة سوداء فرشنها على الأرض، ثم حملننى كخيارة فقدت ماءها ووضعننى فى الملاءة السوداء باطنها مظلم وأى ظلام، وقفن كل امرأة عند طرف، اثنتان من هنا واثنتان من هناك، وصحن وهن يمرجحننى يمينًا ويسارًا كالمرجيحة بخفة أولًا ثم يبدأ العنف حين يسخن الدور ويطلطحننى فى إنشاد رهيب:
يا شافى
يا عافى
شيل الأذى
من بطن واد فاطنة من عشية
يا عالم بالقصد والنية
خزق عين اللى قطعت مصرانه
وغيرت لحيته وألوانه
هذا الطقس الذى أدين له بحياتى والمتسبب فى هذه الكتابة التى تبعث تعاسة الماضى وحلاوة أيامه اختفى اليوم، فى باطن برشامة صماء ليس بها ملاءة سوداء ولا يامنة أو ست أبوها، لا فاطنة قنديل ولا سكينة، لم يعد العصر الحديث يؤمن بقطع المصران، وإنما أطلق عليه بسطحية شديدة اسم «الإسهال».
يوثّق «الأبنودي» كذلك حياة القرية وأشكالها عبر احتفاظه بأغانيها «غناء القرية وجه مكتمل الملامح لكل أشكال الحياة فيها، لكل أنواع التداخلات المتشابكة التى تشكل أسباب استمرارها من علاقات اقتصادية أو اجتماعية أو فكرية أو روحية، القرية بكاملها موجودة ومتجسدة فى غنائها». 
هذا التراث دفع صاحب الأيام الحلوة إلى القول: «بنى فلاحنا المعاصر أبنيته الفنية، من الموال، إلى أغنيات العمل، إلى أهازيج الأعراس وعديد النائحات، إلى أذكار الرجال ومساجلاتهم الشعرية، إلى الملاحم وغناء الأطفال أولاد وبنات».


نهال كمال: كان بداخله فلاح منذ صغره
وجد راحته فى السنوات الأخيرة.. بين ما زرعه بيده وصار شجرًا يُطلق عليه أسماء أحبائه
عندما جاء الحديث على ذكر الأرض وصفت زوجته الإعلامية الكبيرة نهال كمال لـ«البوابة»، الأرض عند الأبنودى بأنها «عشق لا ينتهي»، حسب قولها، وأشارت إلى أن ديوانه الأول «الأرض والعيال» كان «المفتاح الذى بنى عليه شعره بعد ذلك»، وأكدت أن ارتباطه بالأرض كان «غير طبيعي» كما تصفه؛ مشددة على أنه كان يحب الإسماعيلية «لأن بداخله فلاح منذ صغره، كان فى طفولته يرعى الغنم لعائلته مقابل أجر رمزى بسيط يُعطيه لوالدته، هكذا اكتسب خبرة غير محدودة فى الزراعة».
روت نهال ما كانت تشاهده فى علاقة الخال الراحل بالأرض فى السنوات التى استقر فيها فى مزرعته بالإسماعيلية «كان يسير وسط الأرض وهو يخاطب الأشجار، كان يعرف كل شجرة ويتحدث إليها، فى واحدة من تلك المرات توقف أمام شجرة غير مثمرة، وقال لها: «إذا لم تُثمرى هقطعك»، كان يُهدد الشجر غير المثمر؛ لكنه عندما كان يرى ثمارها يقول: «أهى سمعت كلامى وخلاص عفوت عنها».
رسم «الأبنودي» فى أشعاره الكثير من اللوحات التى تُجسّد مُعاناة الفلاح المصري، والتى تعددت بين عدد من الأبناء، الذين قد يصلون إلى الاثنى عشر كما ذكر فى قصيدته، وكذلك الديون المتراكمة عليه، وهمّ الفلاح الأكبر، والذى كان يتمثّل فى أخطار فساد محصوله، فقد كان هذا يمثل هاجس حياته اليومي؛ هذا بالطبع بخلاف المرض والمعاناة الصحية نتيجة الضغوط النفسية عليه
تنفلت من قبضة الشرق الحمامه أم الجناح
أم الجناح أبيض فى لون قلب الصغار
آه يا حبيبتى يا أم خصله مهفهفه
قلبى اللى مرعوش الأمان
لسه بيحلم بالدفا
والشمس كلمة طيبة وفيها الشفا
قلبى اللى كان قرَّب يموت
لسه بيحلم بالبيوت
زى الخرز
جاء معجم الأبنودى الشعرى منحوتًا من عناصر البيئة الريفية التى تفرض سطوتها فى تشكيل الصورة، فاشتهر الكثير من مفرداته، مثل «القناديل، محرات، العصافير؛ مزج بين هذه المفردات القادمة من طين الأرض وأثر الزمن وفعله الذى يُشبه نحت قطرات المياه الصبور على سطح الجسد، والذى انعكس على ملامحه «قورته» التى يعرفها أبناء المدينة بـ«الجبهة»، بينما يأتى تأثير الزمن كفعل المحراث فى الأرض. دومًا كان الخال يستل مكونات صوره الشعرية من الوسط الريفي، فتبدو مشاهده ولوحاته الشعرية متماهية مع الطبيعة الريفية وكأنها قطعة من نسيجها، فلا فرق بين الشكل الإنسانى والأرضية أو الخلفية الطبيعية


مع الحديث عن الأرض وقصائد الأبنودي، لا أحد ينسى الساقية فى صوره الشعرية، والتى جاءت من أعطاف الوعى الجمعى للفلاحين، وربما بسبب تلك الساقية المهجورة القريبة مما صار حاليًا متحف السيرة الهلالية فى قريته، والتى قيل كثيرًا إنه كان يكتب فى حضورها؛ يرتبط هذا بكون الساقية الأداة التى تُنعش الأرض وتُعيد إحيائها بغمرها بالمياه؛ كذلك فإن حركة الساقية الدائرة لا نهائية؛ فى القصيدة نفسها «الأرض والعيال» قدّم الخال فى خطابه الشعرى صورة للشخصية الريفية، عندما قال:
يا رازق الدود فى الحجر
الناس فى بلدى طيبين
لما يلاقوا اللقمة.. والهدمة
ومَلْو ماجور عجين.
لكن إذا م الجوع كفر
ياخد فى وشه الإنسانية والبشر.
يملى الطريق
تربه وزعيق
وغبار ويتخطى الحفر.
يا رازق الدود فى الحجر!!
تقول نهال كمال، عن الخال الراحل: «كانت هناك علاقة دائمة بين عبدالرحمن والزراعة، جعلنى أهتم أنا أيضًا بها، صرت أعرف مواسم الزراعة، وما يُناسب طبيعة التربة؛ وكان كذلك يُحب الطهى الذى كان قد تعلمه من والدته، وكان ذلك يظهر فى أنواع الخضراوات التى يزرعها». 
تحكى عن الأشجار التى أحبها فتُشير بيدها «أطلق على الأشجار أسماءنا، فهناك شجرة باسم آية، وأخرى باسم نور، وهناك بالطبع شجرة باسمي؛ إلا أن الخال كانت لديه شجرتان تحملان اسمه، وعندما سألته عن السبب ضحك وقال إن للذكر مثل حظ الأنثيين». 
تحكى أكثر عن جعلها تتعلق بالأرض والزراعة «ذات مرة قلت له إن كل ما حولى هنا أخضر، وأننى أشعر بالملل من هذا وأرغب فى رؤية ألوان متنوعة، عندها قام بزراعة حديقة بالورود وأطلق عليها اسمى «نهال» واهتم برعايتها وجلب بذورًا نادرة من خارج مصر لزراعتها».
وف كل دار يترش حَب الحُب غيط
يتنفس اللبلاب على الباب الكبير
وبرضه ملضوم بالحرير
يا ام العيون الدفيانين
لو تعرفى من فين سمار النيل؟
منين؟


محمود «خازن الأسرار»: كان يعتبرنى بمثابة الابن والصديق 
رافقت «الخال» فى جميع شئونه بـ«الإسماعيلية» من بناء المنزل لزراعة الأرض 
عندما استقر الخال فى الإسماعيلية واشترى الأرض التى قرر أن تكون المضيّفة التى يستقبل فيها كلماته وأحبابه؛ اختار الشخص الذى يعاونه فى تحويلها إلى ما يحلم به، اختار محمود مصطفى، الذى كان وقتها ابن خمسة عشر عامًا، والذى كان أكثر ما جذبه إليه حب الأرض بدوره
تقول عنه نهال كمال «لمس الخال بداخله حب الزراعة وانتمائه للأرض؛ وتعاهد الاثنان على حب الأرض والزراعة، فأصبح المقرب له وكان يعتبره بمثابة ابنه».
يقول محمود، خازن أسرار الأبنودى وابنه الذى لم ينجبه، كما تقول زوجة الخال: «كانت مزرعة الخال، فى ذلك الوقت غير مؤهلة، ولم يتم الانتهاء من بناء منزله، وبفضل الله ومساعدته حملت على عاتقى جميع المسئوليات من بناء المنزل وزراعة الأرض ومرافقه الخال فى جميع شئونه». فى أيام العمل الأولى كان دور محمود مجرد حراسة المنزل، كان لا يقترب من «الخال» فى الوقت الذى كان الأخير فيه يراقبه جيدًا حتى يطمئن قلبه لاختياره، كان يعقد له اختبارات صغيرة ينجح فيها دومًا، فتارة يجد محمود الصغير بضع نقود مُلقاة فى المطبخ أو السيارة أو فى أى مكان، كان الفتى - آنذاك- يهرول تلقائيًا نحو «الأبنودي» ليُخبره، فيما تتسع ابتسامة الأخير نحو ذلك الذى صار يكسب ثقته يومًا بعد الآخر مع الوقت والتجارب
طلب الخال من محمود أن يعمل براحته دون خوف وأنه مطمئن له، زاد هذا من خيوط الوداد والوصال بينه وبين «الخال»، فتخلى قليلًا عن حذره فى الالتزام بدوره فى حراسة المنزل فقط، أخرج روح الفلاح الذى ولد بها واندفع إلى الأرض الزراعية التى يملكها الأبنودي.
«إذا تحدثت عن الأبنودى طوال عمرى فلن أوفيه حقه، أكبر هدية كان حبه لى عندما اعتبرنى ابنه، وخوفه عليَّ فى مرضي، ونصائحه التى ستظل دائمًا أمام عيني»، قالها محمود الذى يضيف «لم أتذكر لحظة أن الخال كان يُعاملنى كعامل لديه، بل كنت له ابن وصديق وأخ ولم يبخل عليَّ فى أى شيء، وتعلمت منه الكثير والكثير».
يصف محمود الأبنودى بأنه «عاشق للأرض ويُقدّر الزراعة»، يؤكد كذلك أن بداخله «فلاحا أصيلا» كما يقول، فى حديثه إلى «البوابة» شبّه محمود «الخال» بأنه «قطعة الألماس المدفونة وسط الطين، تظل محتفظة بقيمتها مهما مرّ عليها الزمن، وهكذا كان الحال، لذلك اجتمعنا على حب الأرض».