الأحد 28 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

"رعيه الغنم" المدرسة الأولى التي تعلم فيها الأبنودي "الحبو".. نحو "المغنى"

غناء القرية وجه مكتمل الملامح من الموال لـ«الملاحم الشعبية»

الأبنودي
الأبنودي
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أعد الملف: محمد لطفي وياسر الغبيرى وأحمد صوان وأميرة عبدالحكيم ومحمود عبدالله تهامى

أول أعمال الشاعر الكبير عبدالرحمن الأبنودى فى حياته كان رعيه للغنم، ولم يزل طفلًا بقوله «فى المرعى عرفت لعب الطفولة الشاق المهلك الذى تتخرج منه رجلًا بعد سويعات، فى المرعى ارتبطت بالطبيعة ارتباطًا وثيقًا لا فكاك منه، لتدخل مفردات مكوناتها وما وهبته للإنسان فى عمق تلافيف معارفى وضميرى السري».
لم تعد هناك نبتة على وجه الأرض لم أعرفها، الوعى إجباري؛ لأن عدم الوعى بما على ظهر الأرض من نبات -على سبيل المثال- قد يؤدى إلى كارثة، كانت مهنة الرعى كما رآها «الأبنودي» هى المدرسة الأولى التى يتعلم فيها الراعى الصغير الحبو على درب الصعود نحو المغنى الذى سيكون تشكيله بعد سنوات قلائل «خلفًا لسواقى وتحت الشواديف وفوق كراسى النورج، أو نحو الشاعر الذى سوف يكونه بعد أعوام وأعوام»، حسب قوله.
وبينما كانت الأرض لا تزال أصل الخير، يحكى «الخال» عن تفاصيل صيده للسمك من النيل بعد جولاته فى الأرض «زمان مع الفيضان كان الخير يأتينا محملًا بأسماك الجنوب، ويجب أن تعرف أنه لم يكن هناك سد عالى أو بحيرة ناصر، لذا فالأسماك تأتى من الجنوب مباشرة من أفريقيا، كنا لا نحس لهيب الشمس، نحن أبناء الشمس والنيل، كان النهر يغص بعشرات الأنواع من السمك. لكل منها سلوك وطريقة فى الغمز، بعضها غبى وبعضها ذكى كالقرموط، إن أجمل محاورة شقية متعبة، هى معركة الذكاء بينك وبين الكائن العبقرى المسمى القرموط، سمك القرقار هو السمكة الوحيدة التى تبكى وتستنجد حين تخرجها السنارة كل الأسماك تقاوم أو تستسلم لمصيرها صامتة، القرقار هو الوحيد الذى يملك صوتًا».
يتذّكر الأبنودى كذلك الشيخ رفاعى، مؤذّن القرية وحامل القرآن وقارئه، والذى وصفه بأنه رجل شديد الطيبة، ودمث الخلق «ويتمتع بنوع من الغياب عن حياتنا الواقعية كأن به مسًّا صوفيًّا، أو كأنه موجود وليس موجودًا فى حياتنا»، كما قال، «هذا الشيخ كان إذا قرأ يهمس، ولذلك كان الخال يتذكر جدّته ست أبوها وهى تصفه بأنه «ينونو»، على سبيل التفكّه أو السخرية.
المهم أن الشيخ رفاعى كان هو المكلَّف برفع أذان المغرب فى شهر رمضان، وكان هو المصدر الوحيد بالإيذان بموعد الإفطار والصلاة معًا، لندرة الراديوهات وانعدام التليفزيونات، ولأن صوت الشيخ كان خفيضًا، فكان الأطفال الذين يقفون بجوار المسجد، ويراقبون صعود الشيخ رفاعى إلى سطحه الواطى، ولا يعرفون بميعاد الإفطار والصلاة إلا عندما يرفع الشيخ رفاعى يديه ويضعهما على أذنيه، فلا جدوى من سماع صوته، وبعدها ينطلق الأطفال فى دروب القرية ليقوموا بمهمة إبلاغ الناس جميعًا بميعاد الإفطار، منشدين أغنية: «افطر يا صايم.. ع الكعك العايم»، والمقصود بالعايم أن الكعك يكون عائمًا فى السمنة البلدى، وتسرى الأغنية -كما يكتب- كالسحر فى صدور الصائمين فيفرحون ويفطرون بالهناء والشفاء».