السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

بالوثائق.. "داعش" تفوق على أمريكا

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يبدو أن تمدد تنظيم "داعش"، بسرعة البرق، وسيطرته على مساحات واسعة من الأراضي في كل من سوريا والعراق، لم يكن سوى البداية، في مشوار طويل من المواجهة مع إخطبوط إرهابي، يجمع بين عنصري الغموض والمفاجأة في آن واحد.
ولعل ما يزيد من وطأة المواجهة مع هذا التنظيم، أنه يطور من تكتيكاته دائما، وما أن يخسر في مكان، إلا، ويظهر في مناطق أخرى، تكون بعيدة تماما عن التوقعات.
ولم تقف مفاجآت التنظيم عند السيطرة على أراض، والانتشار في قارات العالم، وإطلاق ذئابه المنفردة في كل مكان، وإنما توالت أيضا التقارير الغربية، التي تفيد أنه تفوق كذلك في الإدارة، وحتى على الولايات المتحدة نفسها. 
ففي 4 إبريل، نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، مقتطفات من حوالي 15 ألف وثيقة تعود للتنظيم، عثر عليها بمدينة الموصل في شمال العراق، وتفسر لغز صعوده المفاجيء في 2014، وأن السر يكمن في قدراته الإدارية، أكثر من القتالية.
ورغم أن البعض كان يربط تغلغل داعش بالعراق، بالأوضاع غير المستقرة في هذا البلد، إلا أن الوثائق الداعشية، كشفت أن التنظيم لم يستغل فقط الثغرات الأمنية والمحاصصة الطائفية هناك، وإنما نجح كذلك في تلافى السلبيات، التي كانت قائمة، قبل سيطرته على الموصل في 2014، بل وأظهر أيضا مهارة فائقة فيما يتعلق بإزالة النفايات وتزويد منازل المواطنين العراقيين بالطاقة الكهربائية.
ولم يقتصر الأمر على ما سبق، إذ كشفت الوثائق أيضا أن "داعش" كان أذكى من الولايات المتحدة، ولم يكرر الأخطاء، التي ارتكبتها بعد غزو العراق في 2003، خاصة ما يتعلق منها بسياسة عزل جميع المسئولين المنتمين إلى حزب "البعث" المنحل، ما أدى حينها إلى ظهور فراغ إداري في البلاد، وفاقم من الأزمات فيها.
وبالنسبة لمصادر تمويل التنظيم، أشارت الوثائق كذلك، إلى أن تجارة النفط، لم تحتل الصدارة في مصادر تمويل داعش، ولذا باءت محاولات التحالف الدولي حرمانه من موارده المالية عن طريق قصف المواقع النفطية، بالفشل الذريع.
وحسب الوثائق، أيضا، فإن أحد أهم النجاحات الإدارية لهذا التنظيم، يكمن في تنويعه مصادر الدخل، من خلال فرض الضرائب وتأميم الممتلكات، هذا بالإضافة إلى التقارير المتداولة حول قيامه بالتجارة في المواد المخدرة، والتحف المنهوبة من المبانى الأثرية، وحتى العمل بتجارة الأعضاء البشرية.
وإضافة إلى ما سبق، تمكن "داعش" - حسب الوثائق- من تطوير الهيكل الإداري في الموصل، بشكل أتاح له، جمع الضرائب بسهولة، ومنح جوازات سفر، وبطاقات هوية، وأوراق رسمية، وحتى إصدار كتاب دراسي باللغة الإنجليزية.
وفي تعليقها على هذه الوثائق، قالت "نيويورك تايمز"، إن الوثائق تفسر كيف تمكن داعش من الاستيلاء على أراض واسعة في العراق وسوريا وليبيا ونيجيريا والفلبين تعادل مساحتها بريطانيا، ويقيم فيها 12 مليون شخص.
وأضافت الصحيفة أن التنظيم لم يدر المناطق الخاضعة لسيطرته بالعنف وحده، بل وبقوة البيروقراطية أيضا، حيث أظهر في بعض الأحوال مهارة أكثر مما لدى حكومات تلك الدول في إدارة المناطق التي استولى عليها.

أخطاء أمريكا

ونقلت الصحيفة عن الباحث الأمريكي اللبناني فواز جرجس قوله في كتاب "تاريخ داعش" إن "قدرات هذا التنظيم الإدارية ليست أقل خطورة من وحشية مسلحيه".
وتابعت " داعش استخلص، على ما يبدو، درسا من الأخطاء التي ارتكبتها الولايات المتحدة بعد غزو العراق، ولم يلجأ لسياسة القطيعة مع النظام السابق، وترك المسئولين المحليين في أماكنهم".
واستطردت الصحيفة "داعش أقام خلافته المزعومة على أساس الهيكل الإداري الموجود في المناطق الخاضعة لسيطرته، ونوع مصادر تمويله، إذ فرض حزمة واسعة من الضرائب في جميع المجالات"، وأشارت إلى أن دخل التنظيم من الضرائب بلغ نحو 800 مليون دولار سنويا، وتجاوز ست مرات ما كان يحصل عليه من تجارة النفط، بالإضافة إلى أرباحه في المجال الزراعي، التي بلغت مئات ملايين الدولارات.
وأوضحت "نيويورك تايمز"، أن داعش قام أيضا بـ"تأميم" جميع الممتلكات التابعة للشيعة والمسيحيين واليزيديين والعلويين، الذين فروا من الموصل، قبل سيطرة التنظيم عليها، وأسس "وزارة غنائم الحرب"، التي تولت المسئولية عن إدارة هذه الممتلكات.
وحسب الصحيفة، فإن التنظيم كان يحاول في البداية طمأنة السكان في المناطق الخاضعة له، ولكن بعد استتباب الأمور له، لجأ إلى فرض قيود عليهم، إذ منع الموظفين من حلق لحاهم، وأجبر النساء على ارتداء الحجاب في الشوارع، وقام بتنفيذ إجراءاته العقابية بحق "المخالفين".
ورغم أن تقارير غربية سابقة تحدثت عن مصادر تمويل داعش، وكيفية إدارته للمناطق تحت سيطرته، إلا أن الوثائق، التي نشرتها "نيويورك تايمز"، تعد دليلا دامغا على أن هذا التنظيم يتحرك بخطط مدروسة، وأنه يتلقى على الأرجح دعما من دول وأجهزة استخبارات.
وكانت صحيفة "الجارديان" البريطانية، قالت أيضا في 29 يناير الماضي، إن داعش، حاول بعد سيطرته على الموصل، أن يقدم نفسه بشكل أفضل من قوات الأمن العراقية، التي كان بعض أفرادها يبطشون بالسنة في الموصل.
وأضافت الصحيفة "داعش تعامل في البداية بشكل مهذب مع سكان الموصل، وترك المدارس مفتوحة، ولم يحظر المناهج الحكومية الاعتيادية، وكان الناس يغادرون المدينة بحرية".
وتابعت "بعد مضي أسبوع على احتلاله المدينة، أصدر التنظيم بيانه الأول، هنأ فيه سكان الموصل بنعمة النصر الإلهي، وتعهد بالحكم وفقا لكلمة الله".
ورغم أن البيان تضمن حظر السجائر، ومطالبة النساء بالمكوث في البيوت، لكن التدخين لم يتوقف في شوارع المدينة، واستمرت النساء بالخروج دون حجاب، إلا أنه بعد شهرين من سيطرته على الموصل وتثبيت أركان حكمه فيها، انتقل التنظيم من الدماثة والأدب إلى الفظاظة والعنف، و"تصفية الحسابات" مع خصومه، وتحولت الموصل إلى سجن كبير، حسب الصحيفة.


تخزين ملايين الدولارات

وبدورها، كشفت مجلة "الإيكونوميست" البريطانية في تقرير لها في 28 فبراير الماضي، أن الخسائر، التي تعرض لها داعش، لم تضع نهاية له، لأنه نجح في تخزين ملايين الدولارات، التي ستساعده على تنفيذ مخططاته الإرهابية، وإعادة نفسه على الساحة من جديد.
وأضافت المجلة البريطانية، أن التنظيم استطاع أن يجني من تجارة النفط والسلاح والذهب ما يقرب من 400 مليون دولار، وقام بتهريب معظم الثروات، التي سرقها في العراق للخارج، وبالتالي يستطيع أن يعود من جديد، ويشتري السلاح بكميات كبيرة.
وأشارت "الإيكونوميست" أيضا إلى أن داعش سرق أيضا ما يقرب من 500 مليون دولار من البنوك العراقية، وتعامل مع تجار عملات غير شرعيين في تركيا، ومن خلالهم، استطاع أن يرسل أموالا طائلة، بنظام الحوالة، وهي شبكات غير رسمية يستطيع من خلالها تحويل أموال طائلة لعناصره المتواجدين في البلدان المختلفة، بعيدا عن أعين الحكومات.
وتابعت "التنظيم استثمر أيضا الكثير من الأموال في شركات داخل العراق وخارجه، واشترى الذهب في تركيا، وحتى اللحظة الحالية، يقوم بتحويل الأموال إلى الشركات التابعة له، من أجل تمويل العمليات الإرهابية".
وخلصت "الإيكونوميست" إلى القول:" إن العناصر الإرهابية التابعين لداعش لديهم النية في الاستمرار، ولديهم وسيلة تمكنهم من ذلك، لأن التنظيم خزن الملايين من الدولارات خلال الفترة الماضية، فقد استثمر في العراق، واشترى الذهب في تركيا، إضافة لتحويل الأموال إلى التابعين له بالخارج".




تجارة المخدرات والأعضاء البشرية

وبالإضافة إلى ما سبق، كشفت صحيفة "الديلي ميل" البريطانية أيضا عن بعض أساليب داعش في إدارة المناطق الخاضعة لسيطرته، قائلة إن التنظيم كان يقوم بزراعة "الحشيش"، ومن ثم بيعه، للحصول على عائدات كبيرة، ونسبت للوكالة الفيدرالية الروسية لمكافحة المخدرات، قولها أيضا، إن تجارة المخدرات تدر على التنظيم عائدات كبيرة للغاية، إلى حد أن "داعش" يقوم بتغذية الأسواق الأوروبية بنصف وارداتها من الهيروين.
ولم يقف الأمر عند زراعة المخدرات، إذ كشفت "الديلي ميل"، أيضا أن التنظيم استعان بأطباء أجانب للاحتفاظ بالأعضاء البشرية للقتلى بطريقة سليمة، ومن ثم بيعها للمافيا العالمية لتجارة الأعضاء البشرية بهدف توفير الأموال لشراء السلاح لعملياته العسكرية ومرتبات مقاتليه.
ونقلت الصحيفة عن مصادر محلية في مدينة الموصل، قولها إن التنظيم قام منذ سيطرته على المدينة في 2014 بسرقة أعضاء بشرية من 23 قتيلا، وقام بتقطيع أوصالهم في مستشفى بالموصل، وبيعها للحصول على أموال.
وحسب المصادر ذاتها، فإن التنظيم أنشأ شعبة خاصة لتهريب وبيع الأعضاء البشرية، مثل القلب والكبد والكلى والأمعاء في السوق السوداء الدولية، بعد تهريبها عن طريق عصابات متخصصة في تجارة الأعضاء البشرية.




"ملحمة الموصل"

ورغم نجاح التحالف الدولي والقوات العراقية في طرد داعش من الموصل أواخر العام الماضي، إلا أن فلول التنظيم لا تزال تتواجد هناك، فيما صدرت تحذيرات كثيرة مؤخرا من احتمال عودة المشهد فى العراق، إلى المربع الأول، عندما ظهر تنظيم الدولة، أواخر 2013، فى مناطق بالفلوجة، والرمادى، غربى العراق، وسرعان ما توسع إلى الداخل، حتى سيطر على الموصل، ثانى أكبر المدن فى بلاد الرافدين في 2014.
وتوجد 3 أزمات كبيرة تشكل ثغرة خطيرة، يستغلها "داعش"، هي بطء مشاريع إعادة الإعمار، بعد الدمار الواسع، والخسائر الفادحة في صفوف العراقيين، خاصة السنة منهم، جراء الحرب ضد التنظيم، بجانب استفحال خطر ميليشيات "الحشد الشعبي" الِشيعية، في ظل عدم نزع سلاحها، وجعله تحت سيطرة الدولة، إضافة إلى استمرار الفساد، وانتشاره على نطاق واسع.
وكان "داعش" نشر منتصف فبراير الماضي أيضا، بيانًا عبر موقع "التيليجرام"، حرض فيه عناصره وخلاياه النائمة الموجودة فى العراق، وتحديدًا فى الموصل، على تكثيف هجماتهم، وتنفيذ المزيد من العمليات الانتحارية بأسرع وقت، ضمن ما سماه «ملحمة الموصل».
وتضمن بيان التنظيم العديد من التوصيات والتعميمات لعناصره، مشيرًا إلى أن مقاتليه ما زال فى جعبتهم من الخبرة الطويلة فى معارك المدن وحرب العصابات، ما يساعدهم لمواصلة حربهم، بحسب البيان. وتابع: أن عناصره لا تزال فى أيديهم، الهجمات العكسية الخاطفة، والقدرة على المناورة وتشتيت "العدو" وإضعافه وإنهاكه واستنزافه حتى يسهل القضاء عليه، نظرًا لما تعلموه من خبرات فى المعارك داخل المدن خلال السنوات الماضية، حسب زعمه.
واستطرد "المعركة لم تبدأ بعد ولن تنتهى، والتنظيم سينتصر فى حربه"، مشيرا إلى أن ما تبثه وكالة أعماق، الذراع الإعلامية له، من أخبار حول الهجمات فى الموصل من اقتحامات وزرع للعبوات الناسفة، يؤكد أن التنظيم لا يزال متمسكًا بهذه المدينة، التى كان أعلنها فى ٢٠١٤ عاصمة دولته المزعومة.
ويبدو أن الوقائع على الأرض في الموصل، تزيد من فرص عودة داعش، فى حال لم تتحرك الحكومة العراقية سريعًا للململة جراح المنكوبين فيها، وأغلبهم من السنة.
ففى ٤ فبراير الماضي، كشف المرصد العراقى لحقوق الإنسان عن أن أهالى الموصل، التى رزحت لسنوات مريرة تحت حكم داعش، يعانون حالة نقص فى العديد من الاحتياجات الأساسية، لا سيما الأدوية.
وأضاف المرصد، فى بيان، أن المدنيين فى المدينة يواجهون الأمراض بخطورة لا تقل عن تلك التى كان يُشكلها تنظيم داعش أثناء سيطرته على المدينة، فى وقت، لم توفر المؤسسات الصحية الحكومية المساعدة الكافية لهم، كما أن بقاء الجثث فى المدينة، بعد ٦ أشهر على تحريرها، ساهم فى انتشار تلك الأمراض.
وبصفة عامة، فإن سيناريو عودة "داعش" إلى الموصل، ليس مستبعدا، لأن العراق، يئن تحت وطأة أزمات سياسية واجتماعية واقتصادية، وتوترات طائفية، وحروب بالوكالة، منذ الغزو الأمريكي في 2003، وهي أمور تساعد على ظهور الإرهابيين وتمددهم.