الخميس 02 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الخلافة الإسلامية.. حقائق وأوهام - 8

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أتعجب من هؤلاء الذين ينعتون الاحتلال العثمانى لمصر بالخلافة ظنًا منهم أنه الامتداد التاريخى لفكرة الخلافة الإسلامية التى ظهرت عقب وفاة النبى صلى الله عليه وسلم، والتى لم تكن فى يوم من الأيام جزءًا من الدين كما يتصور البعض، بل كانت نظامًا سياسيًا اختاره الصحابة رضوان الله عليهم بعد وفاة النبى، وانتهت بمقتل على كرم الله وجهه حيث تحول الحكم إلى نظام ملكى استأثر به بنو أمية، فلما انقضى أمرهم بعد أكثر من ثمانين عامًا استأثر بالملك آل عباس، ولكنهم لم يتمكنوا من ضم الأندلس إليهم حيث استطاع عبدالرحمن بن معاوية من دخولها وإنشاء خلافة أموية بها، فصار للمسلمين خليفة فى بغداد هو الخليفة العباسى وخليفة فى قرطبة ينتمى للأمويين، وهنا أفتى الشيوخ بأنه يجوز للمسلمين أن يكون لهم إمامان طالما أن المسافة بينهما بعيدة، وبعد سنوات قليلة بُويع عبيد الله المهدى الفاطمى بالخلافة فى أفريقية فأصبح للمسلمين ثلاثة خلافاء فى وقت واحد، ولكن لأن الخلافة الفاطمية كانت شيعية فقد أعلن العباسيون حربهم على الفاطميين واعتبروهم كفرة فجرة، بينما كان خلفاء الأندلس يمدون يد التعاون للفاطميين الذين استطاعوا الوصول إلى مصر واحتلالها، وظل العباسيون يحاولون استعادة مصر لسنوات طويلة حتى جاء صلاح الدين الأيوبى، ولكن العباسيين لم يحاولوا اسقاط الخلافة الأموية فى الأندلس والتى قضت على نفسها بعدما تفككت الدولة، وانقسمت إلى عدة دويلات وإمارات اشتهرت بالطوائف، وكان لكل مملكة حاكمها الملقب بأمير المؤمنين وخليفة المسلمين، وإذن فقد جاء الوقت الذى أعلن فيه أكثر من عشرين خليفة للمسلمين، ونفس الشيء تكرر أثناء الحكم العثمانى، فقد خرج الشيخ محمد بن عبد الوهاب، والذى هو للأصوليين إمام وباعث لفكر أهل السنة، ولكن السلطان العثمانى اعتبره خارجًا ومارقًا ويجوز حربه وقتله، واستصدر خليفة المسلمين العثمانى فتوى بأن الشيخ محمد بن عبدالوهاب كافر، وطلب من والى مصر محمد على باشا أن يحرك الجيش لقتاله فى الجزيرة العربية، فكيف للأصوليين أن يجمعوا بين نقيضين؟ كيف لهم أن يكتبوا أشعارًا ويتغنوا بما أسموه الخلافة العثمانية وهى ذاتها من حاربت شيخهم مجدد الدين محمد بن عبد الوهاب، وكيف لا يتساءل هؤلاء عما قدمته الخلافة العثمانية إلى مصر أو إلى البلاد العربية التى احتلتها؟ ماذا قدمت سوى الخراب والدمار والفقر، وحين سقطت البلاد العربية فى يد الاستعمار الأوروبى، وكانت جزءًا من أراضى الخلافة لم يحرك الباب العالى جيوشه لإنقاذ تلك البلاد بل راح يعقد اتفاقيات مع الدول المحتلة يضمن بها وصول الخراج السنوى إلى الأستانة، والحقيقة ياسادة أن الخلافة العثمانية وهم كبير يتشدق به البعض دون وعى بحقائق التاريخ، وما الفساد والرشاوى والدعارة إلا متلزمات مع تلك الفترة العصيبة التى مرت ببلاد العرب، وكنا فى المقال السابق قد توقفنا عند المؤتمر الإسلامى الذى دعا إليه الأزهر الشريف، بعدما أعلن كمال أتاتورك إنهاء الخلافة الإسلامية واستقلال جميع الدول التابعة لتركيا لأنها حسبما قال تمثل عبئًا ثقيلا على تركيا، وآن للأتراك أن يهتموا بنهضة بلدهم، وأن يتركوا لكل أمة مصيرها، وقد فشل هذا المؤتمر حين عُقد فى مارس 25 ورأى الحضور ضرورة تأجيله إلى مايو 1926 حتى تتمكن الأقطار العربية والإسلامية من الاتفاق على اسم يتولى الخلافة، ولكن هذا المؤتمر لم يعقد حتى يومنا هذا، ذلك أنه من المستحيل على المسلمين أن يجتمعوا على اسم لشخص تتم مبايعته على السمع والطاعة ويحمل كل السلطات التى كانت بيد الخليفة، وهى سلطات مطلقة دينية وسياسية، فالخليفة أمير المؤمنين أو السلطان أو الملك كما فى الأندلس هو صاحب الرأى الأول والأخير، وهو يمارس الديكتاتورية فى أبشع صورها مع معارضيه حتى لو كان أحدهم عالمًا بحجم ابن تيميه أو أحمد بن حنبل أو الشافعى أو سعيد بن جبير أو كان حفيدًا للنبى صلى الله عليه وسلم كالحسين رضى الله عنه، فجميعهم عُذبوا ودخلوا السجون، وبعضهم قُتل فى عهد الخلافة، وكان ولم يزل أسهل الأسلحة لقتال أى معارض فى الفكر هو التكفير، وإذا كان الأزهر قد انشغل بأمر الخلافة وراح يفكر فى عقد مؤتمره الذى لم يعقد، فإن العامة فى مصر لم يشغلهم هذا الأمر، فحاكمنا هو الملك فؤاد ولا أحد يعرف شيئًا عن الخليفة العثمانى اللهم إلا الدعاء له يوم الجمعة على المنابر، وحين بدأت الحرب العالمية الأولى حاربت مصر مع الإنجليز ضد تركيا التى مُنيت بهزيمة مدمرة، وأما النخبة من المثقفين فى مصر فلم يشغلهم الأمر، واكتفى بعضهم بكتابة عدة مقالات فى الصحف ما بين المؤيد لقرار إلغاء الخلافة وما بين الحزين عليها، وكتب أمير الشعراء يرثى الخلافة، ويقول «الهند والهة ومصر حزينة.. تبكى عليك بمدمع سحاح..والشام تسأل والعراق وفارس.. أمحى من الأرض الخلافة ماح»، وفى سنة 25 صدر كتاب الشيخ على عبد الرزاق «الإسلام وأصول الحكم»، والذى أحدث معركة فكرية شرسة، ففيه انتصر مؤلفه إلى أن الخلافة ليست من الدين فى شئ، وإن اعتبار الخليفة فى مقام النبى صلى الله عليه وسلم لا يصح، وقد فصل الشيخ على عبد الرزاق من منصبه كقاض شرعى بسبب هذا الكتاب والذى عارضه الأزهر وبعض العلماء والمثقفين ومن بينهم طه حسين الذى ما لبث أن تراجع عن موقفه بعد ربع قرن من الزمان وأعلن فى عام 50 بأنه راجع الكتاب وآمن بكل حرف فيه واعتذر عن موقفه الأول.. وللحديث بقية.