الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

مدارس "الإمام الخطيب".. سلاح "أردوغان" للسيطرة على تركيا

رجب طيب أردوغان
رجب طيب أردوغان
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
استخدم رجب طيب أردوغان، رئيس تركيا، وزعيم حزب العدالة والتنمية الحاكم، ورقة التعليم الديني، للبقاء عقودا طويلا فى حكم بلاده، وهو ما ظهر فى توسع «أردوغان» فى تأسيس مدارس «الإمام الخطيب- imam hatip» ذات الطابع الديني، والتى تخرج منها أغلب قادة الحزب، لتكون تركيا رهن التعليم الديني، فى ظل محاربة أردوغان لأكبر منافسيه فى الحقل التعليمى والشعبي، وهى حركة «الخدمة»، التى أسسها الداعية والمعارض التركى فتح الله كولن.
وافتتح «أردوغان» مؤخرا ٨٠ مدرسة ذات طابع دينى تحت اسم «مدارس الإمام الخطيب» بمختلف مناطق تركيا وخاصة «اسطنبول».
وقال «أردوغان» وقتها: لا يمكننا اعتبار الشباب الذين لا يعرفون تاريخ أمتنا والبعيدين عن ثرائها الثقافى وغير المتنورين بإشعاعها الحضارى ضمانة لمستقبلنا.
وأضاف: «إن الإنجازات التى نحققها مهمة، لكننى أعتقد أننا لم نصل بعد إلى المستوى الذى نريده فى التعليم والثقافة؛ وعليه سنُحدِثُ خلال الفترة المقبلة تطورات ستكون بمثابة ثورة فى مجال التعليم».
ودعا «أردوغان» الجامعات والمؤسسات التعليمية إلى اعتماد ثقافة الحضارة الإسلامية فى مناهجها، والابتعاد عن الاعتماد على الثقافة الأوروبية، واستيراد الأفكار الغربية، التى قال إنها غريبة عن تاريخ وتراث البلاد، معلنًا اعتزامه إدخال تعديلات على المناهج الدراسية فى البلاد من أجل «تعزيز الكتب والمناهج بتاريخها العريق والمشرف». ويمثل «إحياء مدارس الإمام الخطيب»، جزءا من حملة أردوغان لجعل الدين محور الحياة فى البلاد، وهو ما يضمن له أصواتا انتخابية لحزب العدالة والتنمية الحاكم، بعد تراجع شعبية الحزب، نتيجة السياسات التى تنتهجها حكومة أردوغان، وخاصة على مستوى الشباب. وتخرج فى هذه المدارس، إضافة إلى أردوغان الذى درس الاقتصاد فيما بعد، ثلث نواب حزب العدالة والتنمية فى البرلمان التركي.
وتشكل مدراس «الإمام والخطيب» «الإيديولوجية الأردوغانية»، والتى ترتكز بشكل أساسى على استعادة أمجاد الماضى وبناء جيل متدين، باعتبار ذلك المصدر الأساسى للبقاء فى صدارة المشهد، ومن ثم فقد صب أردوغان كل جهده نحو التوسع فى تطوير وإنشاء مدارس «الإمام الخطيب».
تاريخ مدارس «الإمام الخطيب»
ويعود اسم هذه المدارس إلى كلمة الإمام والخطيب التى تأسست فى عشرينيات القرن الماضي، كون أغلب الطلبة المتخرجين يعملون كأَئمة وخطباء فى المساجد، وجاء تأسيسها بعد أن وافقت تركيا العلمانية مضطرة على افتتاحها عام ١٩٢٤، بعد قرار «مصطفى كمال أتاتورك» بإغلاق جميع المدارس الدينية الرسمية والخاصة، التى كانت رائجة فى عهد الإمبراطورية العثمانية.
١٩٢٤ بداية التأسيس بعد إغلاق المدارس الدينية السابقة
ومع وصول حزب العدالة والتنمية إلى حكم تركيا فى ٢٠٠٢، لاقت مدارس الإمام الخطيب (imam hatip) رواجا كبيرا فى تركيا، وهى اليوم تعتبر مصدر التعليم الدينى الرسمى الوحيد فى تركيا.
وتاريخيا يمكن القول إنه كانت نحو ٦٠٠ مدرسة «الإمام الخطيب» فى تركيا تقوم بتعليم نصف مليون تلميذ فى النصف الثانى من التسعينيات.
وخلال سيطرة العلمانيين على الحكم فى تركيا وحتى حكومة حزب العدالة والتنمية، حرصت الحكومات المتعاقبة على إغلاق المدارس للتأكيد على هوية الدولة العلمانية.
ومع تمادى نفوذ القوى الإسلامية فى تركيا، تمكنت هذه الجماعات والأحزاب الإسلامية التركية، من استصدار قانون يقضى بافتتاح معاهد إمام خطي، وأصبحت هذه المدارس وفقا للقرارات الجديدة لا تختلف كثيرًا عن باقى الثانويات العامة الرسمية، إلا من حيث اعتبارها مواد التربية الدينية أساسية ومن صلب المنهاج المقرر، فهى تتألف من مرحلتين دراسيتين، تمتد المرحلة المتوسطة لثلاث سنوات والثانوية لأربع سنوات ويلجأ إليها الطلاب الذين استكملوا المرحلة الابتدائية وأصبحوا فى سن المرحلة المتوسطة.
وبالنسبة للمناهج، فتتكون من ثلاث وحدات دراسية، دروس الاختصاص وتضم المواد الدينية كالقرآن الكريم والحديث، والعقائد، واللغة العربية، والفقه، والخطابة، وغيرها، وقد تم إضافة بعض الدروس المختارة إليها، كالفنون والرياضة واللغات الأجنبية والتكنولوجيا. 
وكذلك دروس الثقافة العامة، وتشمل نفس الدروس المعطاة فى الثانويات الرسمية، كالفلسفة والتاريخ والأدب التركى. 
وهذه المدارس اليوم أصبحت منتشرة فى معظم أرجاء تركيا، ومهمتها الأساسية تخريج الأئمة والخطباء للمساجد دون الحاجة للالتحاق بالجامعة بينما يفضل بعض خريجيها الالتحاق بالجامعات مباشرة من أجل تطوير أنفسهم. 
ميزانية ضخمة للتعليم الديني
وتتوجه تركيا منذ عام ٢٠١٢ نحو «أدلجة التعليم»، وإعطائه صبغة دينية، وتجلى ذلك فى التوسع فى بناء المدارس الدينية، وكشف تقرير جديد لمبادرة إصلاح التعليم فى جامعة «صبنجي»، أن عدد مدارس «إمام خطيب» الإسلامية فى تركيا زاد بنسبة ٧٣٪ خلال السنوات الخمس الماضية، كما عززت تركيا التعليم الدينى فى المدارس العادية التابعة للدولة، والتى تحول بعضها ليتبع مدارس «الإمام الخطيب».
وأوضحت دراسة أجرتها وكالة رويترز للموازنة الحكومية والخطط الاستثمارية، أن الإنفاق على مدارس الإمام الخطيب الثانوية ذات الطابع الدينى، والتى تضم طلابا بين سن ١٤ و١٨ عاما يصل لنحو ٦.٥٧ مليار ليرة (١.٦٨ مليار دولار) فى ٢٠١٨ أى ما يقرب من ربع إجمالى الإنفاق على المدارس.
وأضافت الدراسة أن هناك أكثر من ٤٥٠ مدرسة من تلاميذ مدارس الإمام الخطيب فى تركيا يدرس بها ٦٤٥ ألف تلميذ لا يمثلون سوى ١١ ٪ من إجمالى طلبة المدارس الثانوية، فالتمويل المخصص لهم يبلغ ٢٣ ٪ أى ما يمثل ضعف ما ينفق على تلاميذ المدارس العادية.
واليوم يتردد ١٢٠ ألف تلميذ على تلك المدارس، ويعمل حزب العدالة والتنمية على إعادة هذه المدارس إلى سابق عهدها، لكنه لم ينجح حتى الآن فى تغيير متطلبات القبول بالجامعات. وفى مطلع عام ٢٠١٧ أعلن وزير التعليم التركي، عصمت يلماز، عن عملية واسعة لتغيير مناهج التعليم الابتدائي، وقال، إنها تهدف إلى تحسين نوعية التعليم عن طريق حذف كثير مما أسماه «موضوعات الحشو غير اللازمة فى الحياة العملية للطالب» من المناهج الجديدة، التى أشار إلى أنها ستركز على نوعية التعليم لا على كمية المعلومات المعطاة للطلاب.
وقلص المنهج الجديد من الجزء الخاص بسيرة أتاتورك، التى كانت تدرّس فى المراحل الأولى من التعليم، وهى خطوة ربما كانت غير متصورة أو واردة قبل سنوات، لكن مؤيديها من أنصار حزب العدالة والتنمية الحاكم رأوها ضرورية من أجل إنهاء «قدسية أتاتورك».
وأدخلت وزارة التعليم التركية أيضًا تغييرات على منهج مادة «التربية والدين والأخلاق»، وقالت صحيفة «جمهوريت» المعارضة، إنه لوحظ حذف موضوعات كثيرة تتحدث عن الأخلاق والفضائل العامة، لمصلحة التركيز أكثر على موضوعات الشريعة الإسلامية، مع دخول مفهوم «الجهاد فى سبيل الله» والاستشهاد فى منهج الصف السابع.
مدراس أردوغان فى مواجهة كولن
واليوم يدور صراع بين مدارس «الإمام الخطيب» التى تحظى بدعم أردوغان، ومدارس جماعة «الخدمة»، التابعة لرجل الدين والمعارض التركي، فتح الله كولن، حيث يتم بناء شخصية التلميذ وفقا لأجندة كل منهما. وتزرع المنظومة التربوية فى المدارس الدينية التابعة لفتح الله كولن فى التلاميذ بطريقة غير مباشرة قيم ومبادئ المشروع الصوفى لـ «الخدمة»، أما مدارس «الإمام الخطيب»، فمنوط بها ترسيخ الطموحات المؤدلجة لأردوغان الحالم باستعادة إرث الإمبراطورية العثمانية. وتشير تقارير عديدة إلى أن المدارس الدولية المعتدلة التى أسسها الداعية والمعارض التركى المنفى فتح الله كولن، تشكل منافسا قويا لـ«الإمام الخطيب» المدعومة من حزب العدالة والتنمية، لأن مدراس «كولن» تحظى بقبول إقليمى ودولى كبير، نظرا لمنهجها المعتدل، لذلك شنت حكومة أردوغان حملة كبيرة وواسعة ضد مدراس «كولن»، من أجل إعطاء مساحة أكبر لمدراس «إمام خطيب»، وهو ما بدا واضحا بعد مسرحية الانقلاب فى يوليو ٢٠١٦.
وأوضحت التقارير أن حكومة أردوغان أعطت اهتمام كبيرًا بمدارس «إمام خطيب» فى أولويات السياسة الخارجية التركية من أجل لعب دور أكبر بين الدول الإسلامية، ومن بينها إيران ومنطقة البلقان والدول العربية وفى مقدمتها سوريا ووسط أسيا وأوروبا.
وسيلة استمرار الهيمنة
والهدف من التوسع ودعم مدارس «إمام خطيب» إلى تطبيق استراتيجية «أردوغانية» منذ وصوله لصدارة المشهد التركى فى العام ٢٠٠٢، لتحقيق أهداف عدة، أولها حلم إحياء الخلافة العثمانية، وزاد التوجه نحو التوسع فى المدارس الدينية منذ اندلاع ثورات الربيع العربي، واقتراب تيارات الإسلام السياسى من مقاعد السلطة فى عدة دول عربية.