الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

إيقاف الأحكام يثير غضب القضاء الإداري.. نائب رئيس مجلس الدولة: قرارات «الأمور المستعجلة» عدوان وهدم للدستور.. أحكامنا واجبة النفاذ والطعن أمام الإدارية العليا

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أعد المستشار الدكتور محمد عبدالوهاب خفاجى، نائب رئيس مجلس الدولة، بحثا لنادي القضاة بعنوان: "مدى اعتبار قيام قاضى الأمور المستعجلة بوقف تنفيذ أحكام القضاء الإدارى من قبيل الغلط الفادح والإهمال المفرط والجهل غير المُغتفر ومدى وجوب مخاصمته ومحاكمته ومساءلته تأديبيًا فى ضوء قضاء محكمتى النقض المصرية والفرنسية"، دراسة تحليلية في ضوء المبادى العامة للقانون التى استنتها محكمة النقض المصرية والفرنسية والاتجاه الدستورى، ونستعرض منها ما يلي:

♦ ولاية قاضى الأمور المستعجلة بوقف تنفيذ الأحكام الصادرة من القضاء الإدارى ولاية ساقطة لهدمه الدستور وتجريده من كل أثر وعدوانه على سمو قواعده:
يقول الدكتور محمد خفاجى إنه من المعلوم والمعروف والمستقر أنه ينعقد الاختصاص بنظر منازعات التنفيذ لذات المحكمة التى أصدرت الحكم، ولا ينعقد لقاضى الأمور المستعجلة ثمة اختصاص بشأن إشكالات تنفيذ الأحكام الصادرة من القضاء الإدارى هذا ما استقر عليه القضاء الإدارى ذاته مؤيدًا من المحكمة الإدارية العليا، وهو ما أكدته المحكمة الدستورية فى ظل دستور11 سبتمبر 1971 الذى بصدوره أصبح مجلس الدولة صاحب الولاية العامة في نظر سائر المنازعات الإدارية، وجرى قضاء المحكمة الدستورية العليا فى ظل العمل بالدستور المذكور على إن المنازعة فى تنفيذ حكم صادر من جهة القضاء الإدارى- والتى تستهدف إما المضى فى التنفيذ وإما إيقافه - وإن وصفت من حيث نوعها بأنها منازعة تنفيذ، إلا أن ذلك لا ينفى انتسابها- كأصل عام - إلى ذات جنس المنازعة التى صدر فيها ذلك الحكم، وبالتالى تظل لها الطبيعة الإدارية وتندرج بهذا الوصف ضمن منازعات القانون العام التى يختص بنظرها القضاء الإدارى على نحو ما سلف بيانه، وعلى اعتبار أن نص المادة 275 من قانون المرافعات الذى نص على اختصاص قاضى التنفيذ- باعتباره شعبة من شعب القضاء العادى- بمنازعات التنفيذ الموضوعية والوقتية، إذ هو من قبيل الاختصاص النوعى وبالتالى ينصرف هذا الحكم إلى منازعات التنفيذ التى تختص بأصلها جهة القضاء العادى دون أن تجاوزها إلى اختصاص محجوز لجهة القضاء الإداري.
ثم صدر دستور الحالى فى 18 يناير عام 2014، مستكملًا السياج الحصين الذي أحاط به اختصاص مجلس الدولة، فوسد فى المادة 190 منه لمجلس الدولة –دون غيره– الاختصاص بالفصل في المنازعات الإدارية ومنازعات التنفيذ المتعلقة بجميع أحكامه، تكريسًا للقضاء المستقر للمحكمة الإدارية العليا وللمحكمة الدستورية العليا على النحو سالف الإلماح، وإنفاذًا لهذا النص الدستورى الآمر -وهو نص نافذ بذاته ولا يتطلب العمل به صدور تشريع لاحق- لم يعد ثمة شك فى أن منازعات التنفيذ المتعلقة بالأحكام الصادرة من محاكم مجلس الدولة باتت من اختصاص هذه المحاكم دون غيرها توحيدًا للقواعد الإجرائية والموضوعية التى تحكم الخصومة في مجال المنازعات الإدارية والتى لا تستقيم عدلًا إلا إذا اُخضعت لقواعد موحدة سواء فى مجال اقتضائها أو الدفاع عنها أو الطعن فى الأحكام التى تصدر فيها.
ولا مرية فى أن قضاء الدستورية الصادر فى أول اغسطس 1999 المشار إليه منذ نشره - وقضاؤها لا ريب كاشف عن اختصاص أصيل موسد لمحاكم مجلس الدولة على اختلاف درجاتها بنظر هذه المنازعات ومحتم الالتزام به – يكون منذ نشره في الجريدة الرسمية قد دخل فى نسيج القانون المصرى وصار ملزمًا في القواعد القانونية الواجبة التطبيق دون ترخيص، والاتباع دون رجعة، والالتزام دون تعلل، ومما غدا بمنأى عن الريبة أن محكمة الأمور المستعجلة عليها أول من يجب أن يلتزم بالقواعد القانونية والمبادئ القضائية بصدد ولاية مجلس الدولة احترامًا للدستور وإلا لما قامت في البلاد حاجة إلى خدمات القضاء والعدل الإدارى، تطبيقًا وتنفيذًا وإعلاء للحق خضوعًا لأحكامه، وقد أصبح قضاء الدستورية له قوة الالزام ثم تأكد ذلك الالزام بصراحة ووضوح فى الدستور فى 18 يناير 2014 بأن يختص مجلس الدولة دون غيره بالفصل فى المنازعات الادارية ومنازعات التنفيذ المتعلقة بجميع أحكامه أى بحظر نظر اشكالات التنفيذ الصادرة من جهة القضاء الإدارى أمام أى جهة اخرى، ولا يكون لأى من الإشكالات التى تقام أمام محكمة الأمور المستعجلة في الأحكام التي تصدر عن أى من محاكم مجلس الدولة من أثر، إذ لا تكون سوى عقبة مادية وعدوانًا وتطاولًا على قواعد الاختصاص الولائي لمجلس الدولة، وخروجًا على قاعدة من قواعد النظام العام، ومن ثم يكون لزامًا إهدار ما هو عديم الأثر وعدم الاكتراث به.
بهذه المثابة تصبح ولاية الأمور المستعجلة فى الفصل فى منازعات التنفيذ فى الأحكام الصادرة من القضاء الإدارى منعدمة ليس لها من وجود، إذ هى ولاية ساقطة في ذاتها والساقط لا يقوم، لعدوانها على قضاء مجلس الدولة وقضاء الدستورية وعلى الحماية التي كفلها الدستور لولاية مجلس الدولة، وهي حماية يفرضها مبدأ خضوع الدولة للقانون بما يتضمنه هذا المبدأ من وجوب استقامة المنحى عند اصدار محكمة الامور المستعجلة لحكمها المعدوم في هذا الشأن، فتعمل نصوص الدستور عن بصر وبصيرة، فلا تعتدى عليها اندفاعًا، ولا تقتحم بممارستها حدودًا تقع في دائرة عمل القضاء الإدارى لتخرج حكمًا متوهمة حق اصداره وهو فى العدل منتحلًا اختصاصه، لتعديه على ولاية القضاء الادارى نكالًا، واخراجه مما يختص به ختالًا، وعدوانه على الدستور اغتصابًا، وتجريده نصوصه من محتواها انتحالًا، ومن مشروعيته الدستورية لينحل عدمًا، فيكون بنيانه متهادمًا وصرحه متداعيًا ورباطه متأكلًا مندثرًا وصدعه غائرًا فى ثوب العدالة الابيض فلا يؤول أمره إلا هشيمًا وحسيرًا ومن غير المتصور قانونًا أن يكون الحكم المنعدم مرتبًا لأية آثار في محيط العلائق القانونية، ذلك أن انعدامه إفناء لذاتيته يقتلعه من منابته، ويجتثه من قواعده، ليحيله هباء منثورًا، فلا يولد حقًا، ولا يتعلق به التزام، بعد أن هدم الدستور، وجرده من كل أثر بعدوانه على قواعده وهى التى تسمو على كافة القواعد القانونية، ولا استواء له، فليس له من عمد يرفعه، ولا من كيان يقيمه، ولا نص يعينه، بل ينهدم من أساسه ليفقد وجوده من مبدئه، فلا وضع له، ولا اعتداد به، وحسبه أنه غير شىء. وعلى الرغم من أن النص الدستورى المذكور قائم بالتطبيق بذاته دون حاجة إلى تشريع إلا أننا نرى مناشدة المشرع بوضع رغبة المشرع الدستورى موضع التنفيذ حتى لا يتكأ عليها ضعاف التفسير.

♦ مدى اعتبار قيام قاضى الأمور المستعجلة بوقف تنفيذ أحكام القضاء الإدارى من قبيل الغلط الفادح والاهمال المفرط والجهل الذي لا يُغتفر:
يقول خفاجى، يثور التساؤل بصدد إشكالات التنفيذ التى تقام أمام قاضى التنفيذ عن الأحكام الصادرة من محاكم مجلس الدولة عن مدى اعتبار قيام قاضى الأمور المستعجلة بوقف تنفيذ حكم القضاء الادارى من قبيل الخطأ المهنى الجسيم التى تستوجب محاكمته أم لا ؟ وكذا مدى اعتباره من قبيل الجهل الفاضح بالمبادئ الأساسية للقانون مما تستوجب مساءلته تأديبيًا أم لا؟
تقوم مسئولية قاضى التنفيذ الذى يوقف تنفيذ حكم القضاء الادارى على سبيل الاستثناء، ذلك أن الأصل العام الذى ارسته محكمة النقض هو عدم مسئولية القاضي عما يصدر منه من تصرف في أثناء عمله، لأنه يستعمل في ذلك حقًا خوله له القانون وترك له سلطة التقدير فيه، ولكن المشرع رأي أن يقرر مسئوليته علي سبيل الاستثناء إذا انحرف عن واجبات وظيفته وأساء استعمالها فنص في قانون المرافعات علي أحوال معينة أوردها علي سبيل الحصر يسأل فيها عن ذلك، والحكمة التي توخاها المشرع من ذلك هي توفير الطمأنينة للقاضي في عمله واحاطته بسياج من الحماية بما يجعله فى مأمن من سند العابثين الذين يحاولون النيل من كرامته وهيبته برفع دعاوي كيدية لمجرد التشهير به. طالما التزم أصول المهنة ولم يرتكب خطأ جسيمًا.
استقر قضاء محكمة النقض المصرية أيضًا على أن الخطأ المهنى الجسيم الذى يجيز مخاصمة القاضى هو الخطأ الذى يرتكبه القاضى لوقوعه فى غلط فاضح ما كان ليساق إليه لو إهتم بواجباته الإهتمام العادى أو لإهماله فى عمله إهمالا مفرطًا ويستوى أن يتعلق بالمبادىء القانونية ومثالها أن يوقف تنفيذ صادر من القضاء الادارى خارج نطاق ولايته الدستورية والقانونية وبالمخالفة لحكم المحكمة الدستورية العليا التى تتمتع أحكامها بالحجية المطلقة على كافة سلطات الدولة وأولها هرعًا بالالتزام بها السلطة القضائية على اختلاف درجاتها أو بوقائع القضية الثابتة فى ملف الدعوى، وتقدير مبلغ جسامة الخطأ يعتبر من المسائل الواقعية التى تدخل فى التقدير المطلق لمحكمة الموضوع.
وحددت محكمة النقض المقصود بالغلط الذى يوجب مخاصمة القاضى وفقًا للفقرة الأولي من المادة 494 من قانون المرافعات التى تجيز مخاصمة القضاة إذا وقع منهم في عملهم خطأ مهني جسيم، فإنه يقصد به الخطأ الذي يرتكبه القاضي لوقوعه في غلط واضح فادح ما كان ليساق إليه لو اهتم بواجباته الاهتمام العادي أو لإهماله في عمله إهمالًا مفرطًا، يستوي في ذلك أن يتعلق خطؤه بالمبادئ القانونية أو بوقائع القضية الثابتة في ملف الدعوي. وتقدير مبلغ جسامة الخطأ يعتبر من المسائل الواقعية التي تدخل في التقدير المطلق لمحكمة الموضوع.
وحـدّدتْ محكمة النقض الفرنسيّة بقرارها الصادر 13 أكتوبر 1953م عن الدائرة المدنية الأولى – المجموعة المدنية 1953- المقصود بالخطأ المهني الجسيم بأنه "الخطأ الذي يرتكبه القاضي لوقوعه في خطأ فاضحٍ ما كان يجب أن يقع فيه القاضي الذي يهتم اهتمامًا عاديًّا بعمله، وقد يكون جهلًا فاضحًا بالمبادئ الأساسية للقانون أو الجهل الذي لا يُغتفر inexcusable في الوقائع الثابتة في ملف الدعوى، ويشترط أن يكون هذا الخطأ استثنائيًا وفاضحًا". كما أن الفقيهDominque ذهب إلى أن الخطأ المهنى الجسيم للقاضى يبرر اثارة مسئوليته التأديبية حينما يوقف تنفيذ أحكام غير قابلة للطعن أى صادرة من أعلى محكمة.
بهذه المثابة فإن الخطأ المهنى الجسيم للقاضى هو الانحراف عن الحد الأدنى للمبادئ القانونية، أو الإهمال المتعمد للوقائع الثابتة المنتجة بالنـزاع، ولم يشترط المشرع في إثبات الخطأ المهني الجسيم إثبات توافر سوء النية، وإن كان ثبوت الخطأ المهني الجسيم قريبًا من الغش، فهو الخطأ الذي لا يقع من القاضي الذي يهتم بواجباته اهتمامًا عاديًا، أو هو الخطأ الذي لا يرتكبه قاضٍ متبصر حريص في عمله، لذا فإن طبيعة دعوى مخاصمة القضاة هي دعوى مسئولية مدنية وليست طريقًا من طرق الطعن غير العادية، وإنما هي دعوى مبتدأة تستهدف مسئولية القاضي في عمله الموكل إليه ارتكازًا على أساس الخطأ الشخصي وعمله غير المشروع.
ومن التطبيقات القضائية على الخطأ المهني الجسيم: أن يتصدى قاضى الامور المستعجلة لوقف تنفيذ حكم حاز قوة الشئ المحكوم فيه صادر من القضاء الإدارى وتجاهله عن عمد وإصرار لحجية حكم القضاء الإدارى، منتهكًا الاختصاص الولائى المحجوز دستوريًا باختصاص محاكم مجلس الدولة بنظر إشكالات التنفيذ فى الأحكام الصادرة منها، ما يشكل تجاهلًا لوقائع ثابتة في الدعوى وانحرافًا عن الحد الأدنى للمبادئ الأساسية في القانون تستوجب محاكمته وهكذا نرى أن فكرًا حديثًا صار سائدًا فى المجتمع الدولى واكبه اتفاق قضاء محكمة النقض المصرية مع قضاء محكمة النقض الفرنسية في اعتبار أن الجهل الفاضح للقاضى بالمبادئ الأساسية للقانون يعد خطأً مهنيًا جسيمًا تستوجب مخاصمته ومحاكمته ومساءلته تأديبيًا ولو لم يتوافر سوء النية.

♦ خصومة التنفيذ واختصاص دائرة فحص الطعون كمحكمة طعن وقف تنفيذ حكم القضاء الإدارى استثناء على قاعدة وجوبية النفاذ:
المبدأ السائد أن الأحــكام الصادرة في المنازعات الإدارية واجبة النفاذ كأصل عام إلا أنه استثناءً من ذلك يجوز الطعن عليها ووقف تنفيذها من دائرة فحص الطعون بالمحكمة الإدارية العليا، فإذا ما صارت نهائية كانت واجبة النفاذ أيًا كانت الآثار المترتبة عليها ما لم يُستشكل في تنفيذها، ومناط قبول الإشكال دائما مبناه – كما ذكرنا - وقائع لاحقة على صدور الحكم وليست سابقة عليه.
والأصل أن الحكم الصادر في المنازعات الإدارية لا يجوز وقف تنفيذه واستثناء يجوز لمحكمة الطعن وقفًا لحكم المادة 50 من قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972 وقف تنفيذ الحكم المطعون فيه، فإذا ما صار الحكم نهائيًا كان واجب النفاذ أيًا كانت الآثار المترتبة على ذلك نزولًا على حجية الأحكام وإعلاءً لشأنها وإكبارًا لسيادة القانون وأمانة النزول على مقتضياته، بيد أن ذلك وإن كان نهاية مطاف الخصومة القضائية إلا أنه لا يحول دون ابتداء خصومة أخرى هي خصومة التنفيذ أمام ذات الجهة القضائية وليس قاضى الأمور المستعجلة التي تعترض الوصول بالحكم بعد صدوره إلى غايته الطبيعية بتنفيذه وحسم النزاع في الدعوى واستقرار المراكز القانونية لأطرافها، وذلك بالإستشكال في تنفيذ الحكم وهو وسيلة إجرائية تقضي إلى حماية وقتية سريعة تتمثل فى وقف تنفيذ الحكم مؤقتًا إذا صادف تنفيذه عقبات مادية أو قانونية نشأت بعد صدور الحكم وتجعل تنفيذه يرتب نتائج يتعذر تداركها أو يستحيل تمام تنفيذه، ومن ثم كانت اشكالات تنفيذ الحكم هي منازعات لا شأن لها بأصل الحق الثابت فيه ولا هى طعنًا عليه وإنما تتعلق بمكنة تنفيذ ومناط الاشكال في التنفيذ – كما ذكرنا - أن يكون مبناه واقعات طرأت بعد صدور الحكم تمثل عقبة تحول دون تنفيذه، بحيث لا يسوغ إعادة طرح ما سبق أن فصل فيه الحكم لما في ذلك من مساس بحجيته لا يتأتى إلا من خلال الطعن عليه قانونًا.
يذكر أن مصادر قضائية، كشفت أن عددا من رجال قضاة مجلس الدولة يتجهون لرفع دعوى مخاصمة أمام محكمة النقض ضد قاضى الأمور المستعجلة الذى دأب على وقف تنفيذ أحكام القضاء الإدارى بالمخالفة للدستور.