الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بروفايل

الخديوي إسماعيل.. المؤسس الثاني لمصر الحديثة

الخديوي إسماعيل..
الخديوي إسماعيل.. المؤسس الثاني لمصر الحديثة
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
الخديوي إسماعيل خامس حكام مصر من الأسرة العلوية خلال الفترة من 18 يناير 1863 إلى خلعه عن العرش السلطان العثماني تحت ضغط كل من إنجلترا وفرنسا في 26 يونيو 1879، في فترة حكمه عمل على تطوير الملامح العمرانية والاقتصادية والإدارية في مصر بشكل كبير ليستحق لقب المؤسس الثاني لمصر الحديثة بعد جده محمد علي باشا الكبير الذي شهد عهده كثيرا من الإنجازات.
هو إسماعيل بن إبراهيم باشا بن محمد علي باشا، ولد في 31 ديسمبر 1830 في قصر المسافر خانه بالجمالية، وهو الابن الأوسط بين ثلاثة أبناء لإبراهيم باشا غير أشقاء وهم الأميرين أحمد رفعت ومصطفى فاضل، اهتم والده إبراهيم باشا بتعليمه، فتعلم مبادئ العلوم واللغات العربية والتركية والفارسية، بالإضافة إلى القليل من الرياضيات والطبيعة وقد أرسله والده وهو في سن الرابعة عشر إلى فيينا عاصمة النمسا، لكي يعالج بها من إصابته برمد صديدي، وأيضًا لاستكمال تعليمه، وقد بقي في فيينا لمدة عامين، ثم التحق بالبعثة المصرية الخامسة إلى باريس لينضم إلى تلاميذها.
عاد الخديوي إسماعيل إلى مصر في عهد ولاية والده إبراهيم باشا، وحين توفي إبراهيم خلفه في الحكم عباس حلمي الأول، وقد كان الأمير إسماعيل يكره ابن عمه عباس (فوالد عباس هو الأمير أحمد طوسون عم إسماعيل)، فلما تولى الحكم شعر إسماعيل واخوته بكراهية عباس لهم، ثم مات جده محمد على، واشتد الخلاف بين إسماعيل وبقية الأمراء بشأن تقسيم ميراث جده، وسافر إسماعيل وبعض الأمراء إلى الأستانة، وعينه السلطان عبد المجيد الأول عضوًا بمجلس أحكام الدولة العثمانية، وأنعم عليه بالباشوية، ولم يعد إلى مصر إلا بعد مقتل ابن عمه عباس وتولى بعده عمه محمد سعيد ولاية مصر.
عندما عاد إسماعيل من الأستانة لقى من عمه سعيد عطفًا كبيرًا، وعهد إليه برئاسة "مجلس الأحكام" الذي كان أكبر هيئة قضائية في البلاد في ذلك الوقت، وأرسله سعيد باشا سنة 1855 في مهمة سياسية لدى الإمبراطور نابليون الثالث بشأن رغبة سعيد باشا من الدول الأوروبية في توسيع نطاق استقلال مصر بعد اشتراكها مع الحلفاء في حرب القرم، فأدى إسماعيل تلك المهمة بما امتاز به من ذكاء ولباقة، ووعده نابليون الثالث بتأييد مقترحه في مؤتمر الصلح بباريس، ولكنه لم يحقق وعده، وكذلك قابل البابا بيوس التاسع، ثم أرسله سعيد باشا في جيش تعداده 14000 إلى السودان وعاد بعد أن نجح في تهدئة الأوضاع هناك.
بعد وفاة محمد سعيد باشا في 18 يناير 1863 حصل على السلطة دون معارضة وذلك لوفاة شقيقه الأكبر أحمد رفعت باشا ومنذ أن تولى مقاليد الحكم ظل يسعى إلى السير على خطى جده محمد علي والتخلص تدريجيًا من قيود معاهدة لندن 1840، وفي 8 يونيو 1867 أصدر السلطان عبد العزيز الأول فرمان منح فيه إسماعيل لقب الخديوي مقابل زيادة في الجزية، وتم بموجب هذا الفرمان أيضًا تعديل طريقة نقل الحكم لتصبح بالوراثه لأكبر أبناء الخديوي سنًا، كما حصل في 10 سبتمبر 1872 على فرمان آخر يتيح له حق الاستدانة من الخارج دون الرجوع إلى الدولة العثمانية، وفي 8 يونيو 1873 م حصل الخديوي إسماعيل على الفرمان الشامل الذي تم منحه فيه استقلاله في حكم مصر باستثناء دفع الجزية السنوية وعقد المعاهدات السياسة وعدم حق في التمثيل الدبلوماسي وعدم صناعة المدرعات الحربية.
اشتهر عهد إسماعيل بكثرة الرشاوى والهدايا، ما أدى لزيادة دين الدولة، ما سمح لإنجلترا وفرنسا بالتدخل في الشؤون الداخلية بحجة حماية ديونهما، وبعد أن دفع إسماعيل الرشاوى للدولة العثمانية بالأستانة، تم استبدال لقب "والي" بلقب "خديوي"، بعد فرمان من الوالي العثماني في عام 1867، ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل نال فرمان يضمن من خلاله نقل العرش إلى أبناءه فقط، دون أسرة محمد علي.
ظهرت النظارات في عهد الخديوي إسماعيل، وأنشأ المحاكم المختصة في الأمور الجنائية والأحوال المدنية، إضافة لمحاكم الأحوال الشخصية والشرعية، كما أنشأ دار الأوبرا المصرية وكوبري قصر النيل، وطور خطوط السكك الحديدية، وأمر ببناء العديد من المصانع، وحفر ترعتي الإبراهيمية والإسماعيلية، كما شهد عهده نهضة واسعة في مجالي التعليم والثقافة. ي
ُيعتبر من أبرز ما شهده عهده هو الانتهاء من حفر قناة السويس، والتي بدأ حفرها في العام 1859، أثناء تولي سعيد الحكم، وفي العام 1869، وخصوصًا في يوم 18 نوفمبر، افتتح الخديوي إسماعيل قناة السويس في حفل ضخم، ضم ملوك وأمراء أكبر دول العالم، وبلغت قيمة الحفل الذي أقامه.مليون و400 ألف جنيه، ما تسبب في عجز كبير بميزانية الدولة، وأُقيم في الحفل ثلاث منصات، وشهدت المنصة الوسطى جلوس كلًا من مسيو ديليسبس، وإمبراطورة فرنسا، أوجيني، وفرنسوا جوزيف إمبراطور النمسا، وملك المجر، وولى عهد بروسيا، والأمير هنري شقيق ملك هولندا، وسفيرا إنجلترا وروسيا بالأستانة، والأمير محمد توفيق ولي العهد، والأمير طوسون نجل محمد سعيد باشا، وشريف باشا، ونوبار باشا، والأمير عبد القادر الجزائري.
للسياسة المالية التي اتبعها إسماعيل في سدة الحكم، والتي جعلت مصر مدينة بمبالغ طائلة لعديد من الدول، ووصول الديون إلى 91 مليون جنيه، تحالفت كلًا من فرنسا وإنجلترا مع السلطان العثماني، فصدر فرمان من الباب العالي في 26 يونيو من عام 1879 بعزل إسماعيل عن سدة الحكم، ويحل محله ابنه توفيق، ليحزم إسماعيل أمتعته ومتعلقاته لثلاثة أيام، وينقلهم للباخرة المحروسة، والتي أمر بتصنيعها في عام 1863، ويتوجه إلى إيطاليا، وبعد فترة انتقل للأستانة، ليتوفى في عام 1895، ويُدفن في مسجد الرفاعي بمحافظة القاهرة، ليعود إلى مصر بعد غياب 16 عامًا، لكن بجسدٍ دون روح.