رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

هل تتحقق 2030؟

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
نطرح هذا السؤال القديم «الحديث حول التنمية» ضرورات وأهداف، سياسات عامة وأطر تنفيذية محلية ودولية، منذ عقد تأسيس منظمة الأمم المتحدة، بيانات صدرت من حكومات اجتمعت، فلقد كان لزاما تاريخيا الانشغال بالتنمية فى مجالاتها المختلفة، إذ انبثقت تلك العصبة عقب الحرب العالمية الثانية الضروس، وما أعقبها من فقر وجوع ومرض وضرب للبنى التحتية، سواء عند شعوب قوية تنافست، أو شعوب مستضعفة جرى الزج بها فى حرب لا ناقة لها فيها ولا جمل، لكن الضريبة دُفعت بشرا وحجرا.
ولن نتنطع ونكون من المتشائمين، إذ علينا الاعتراف بما تحقق لمجتمعات عديدة فى عالمنا جراء جهود المنظمة الدولية، وما تفتق عنها من هيئات ومنظمات دعمت دولا عدة، والتى أظهرتها طوال عقود بياناتها ونشراتها الراصدة من انخفاض لعدد من يعانون الفقر فى نصف سكان عالم الدول النامية الفقيرة، وتحقق مستويات تعليمية جيدة وُدّعت فيها الأمية كمًا، وتكافئت فرص التعليم بمستوياتها الأولى للفتيات مثل الأولاد كمًا، وصعود لتمثيل النساء كونهن صرن ناخبات ومنتخبات لأنفسهن، فيما يقارب نسبته 90%، وسط 175 دولة حققت النساء تمثيلا برلمانيا واضحا كمناصب سياسية متقدمة، كل ذلك تحقق نتاج جهود حثيثة متتالية عنت بالتنمية، ومنها لقاء «قمة الأرض» بريو دى جانيرو 1992، ثم «مؤتمر القمة العالمى» 2002، وفى 2010 قمة مناقشة الاهداف الإنمائية للألفية، وليس آخرها طبعا مؤتمر 2012 و2014، المعنى بجوهر خطة التنمية المستدامة 2030.
وإذا ما قاربنا أوضاعنا العربية مع تحضيرات خطة التنمية المستدامة 2030، والتى كما سبق وأن راجعتُ هنا سلسلتها تواليا منذ التأسيس، يجدر بنا الانتباه اليوم إلى المتغيرات والتحولات الكبرى التى طرأت، فعدد من الدول شهدت متغيرا أعقبته نتائج وإن أختلفت من بلد إلى آخر كل حسب سياقه: «تونس، مصر، ليبيا، سوريا، اليمن، البحرين، المغرب، الجزائر، والسودان»، سواء من اشتعلت فيها الشرارة بمظاهرات انطلقت وجماهيرها مطالبة بالإصلاح والتغيير، وبالتأكيد التنمية مُضمنة كمعطى رئيس، كما دول جارة تأثرت وراجعت سياساتها خوفا من أن تُحرك شعبها ذات المعطيات، المغرب نموذجا، وفى المحصلة صار طرح سؤال التنمية مُلحا من جديد، بما تحمله من متطلبات حول توفر حاجيات العيش الكريم، كما الحقوق فى التعبير والتمكين وتكافؤ الفرص.
وعلى ذلك يأتى إطلاق أجندة التنمية المستدامة 2030، فى ظروف ومعطيات مستجدة فى فورتها، كحرب الإرهاب والتطرف، والهجرة غير الشرعية، كما النازحين والمهاجرين داخل أوخارج جغرافية دولهم، ولن ننسى نداءات مجحفة برجوع المرأة إلى الوراء فى انتكاسة مفجعة بعد ما حققته من تأسيس نضالى منذ منتصف القرن الماضى، اليوم الأهداف (17) كمساعى ومتطلبات حقة فى التنمية المستدامة، تجعل إيلاء المسئولية وحشد الجهود الفاعلة والصادقة أفرادا ومؤسسات عبر تحالفات وتشبيك تنظر للمسألة بعنصرى المجتمع رجالا ونساء، فالكل واحد فى دفع ضريبة محاربة الإرهاب الداعشى، فى يومنا هذا عوائل تنقطع بها السبل وتغرق فى أتون الفقر والجوع، وانعدام شروط الأمن العام والأمان النفسى الخاص، وتغيب أطفالها عن المدرسة، كما انعدام سوق العمل لمن يتعيشون بما تمنحه الإغاثات الدولية وهم يفترشون أرض الخيم بمعسكرات النزوح والتهجير، ولنحقق التنمية المستدامة ليس لنا أن نهمش أحدا ولا نغلب اضطلاعنا بالمهمة تجاه جزء دون مكمله، أو من يقاسمه الهم والأزمة.
وإن كنا سنولى أهمية للهدف الخامس من تلك الأجندة المهمة، وهو ما يتعلق بتحقيق المساواة وتكافؤ الفرص بين الجنسين، وتمكين النساء كون هذه المهمة قطعنا فيها شوطا من النضال، ينبغى ألا نفرط فيه، فخلق قيادات ينبغى أن يتواصل ويتوالى، من يحملن راية العمل النسوى عليهن مداومة تصنيع الحواريات، إن صح التعبير، كل يسلم راية نحو طريق تحقيق المتطلبات السياسية والاقتصادية والمجتمعية لنساء جيل قادم، التعاضد والعمل الجماعى والائتلاف جزء غائب عن تأصيل منجز النساء.
الأهداف الـ17 للتنمية المستدامة مطالب قديمة، مستجدة وطريق تحقيقها ملئ بالعقبات غير أن الإنسانية جمعاء تظل تطمح إلى مجتمعات يتوفر فيها العيش الآمن، كما أنماط استهلاك وإنتاج تحترم العمالة وحقوقها، والوصول إلى عدالة تضمن الحقوق كما تلتزم بالواجبات، وتظل «الاستدامة» فى عالم منقلب متغير تتجاذبه قوى تتصارع على النفوذ وتضرب الكيانات المستقرة وفق ما تشترعه من خارطة لتحقق أطماعها، تبتغى نضالا مستمرا مادام التدافع والصراع البشرى كيفما كانت وجهته سيفا مسلطا.