الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بوابة البرلمان

«الحوت الأزرق» أمام البرلمان و«الإفتاء» والنيابة.. «لعبة الموت» تأمر المشاركين بإيذاء النفس والعزلة الاجتماعية.. وتنتهي بطلب الانتحار تحت تهديد الفضيحة

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
بين ليلة وضحاها، صار الحديث عن لعبة الإنترنت «الحوت الأزرق» هو الشغل الشاغل للجميع فى مصر، على المستويين الشعبى والرسمي، وذلك بعد انتحار نجل البرلمانى السابق الدكتور حمدى الفخراني، وخروج ابنته الدكتورة ياسمين الفخرانى لتصرح بأن هذه اللعبة هى سبب انتحار شقيقها، ليتقدم بعدها أحد المحامين ببلاغ إلى النائب العام يطالب فيه بحجب اللعبة فى مصر، والتحقيق مع مصممها روسى الجنسية، كما أصدرت دار الإفتاء بيانا رصدت فيه أدلة شرعية على حرمانية ممارسة هذه اللعبة القاتلة، فيما تقدم أعضاء بمجلس النواب بطلبات إحاطة إلى الحكومة لمناقشة قضية الألعاب الإلكترونية، ولا سيما «الحوت الأزرق»، من أجل حماية الشباب من آثارها المدمرة.
الأزمة فجرتها الدكتورة ياسمين الفخراني، ابنة البرلمانى المصرى السابق حمدى الفخراني، بإعلانها أن سبب انتحار شقيقها «خالد»، هو لعبة «الحوت الأزرق» التى تستهدف المراهقين والشباب وتشجعهم على إيذاء أنفسهم جسديا ونفسيا.
وتتكون لعبة «الحوت الأزرق» من ٥٠ تحديا يطلبها مسئول اللعبة من اللاعب تباعا، على أن يرسل له الأخير صورة أو فيديو يدل على إتمام المهمة، لكى ينتقل إلى التحدى الجديد، وهذه التحديات، التى ينفذ اللاعب واحدا فقط منها يوميا، تكون عبارة عن طلبات لا تبدو مؤذية، مثل رسم الحوت على ورقة، أو الاستماع إلى موسيقى حزينة فى الليل، غير أن هناك طلبات أخرى تدعو إلى جرح النفس والامتناع عن الكلام مع الناس، ثم الجلوس على حافة بناية مرتفعة مع تدلية الساقين فى الفراغ، والأسوأ من هذا كله هو التحدى الأخير وهو الانتحار، تحت تهديد من مسئول اللعبة بنشر أسرار شخصية عن اللاعب إذا لم ينفذ التحدي.
وأخذت اللعبة اسمها من ظاهرة «انتحار الحيتان» بالارتماء على الشواطئ، حيث تموت بسبب أنّ جسم الحوت مُصمَّم للعوم والطّفو على الماء، وعندما يصل إلى البّر لا تتمكّن الأعضاء الداخليّة من تحمّل الضغط النّاجم من كتلة الجسم عليها، فتتعرّض للجروح الدّاخلية مّا يؤدى إلى موتها.
وخلال السنوات الثلاث الماضية، ظهرت حالات انتحار كثيرة لأطفال ومراهقين وشباب بسبب لعبة «الحوت الأزرق» فى تونس والمغرب والجزائر والسعودية وبنجلاديش والبرازيل وبلغاريا والهند وإيطاليا وفرنسا، إلى جانب روسيا التى ينتمى إليها مصمم اللعبة «فيليب بوديكين»، وهو طالب «علم نفس» مطرود من الجامعة بسبب ابتكاره للعبة عام ٢٠١٣.
وعقب تصريح الدكتورة ياسمين الفخراني، بأن لعبة «الحوت الأزرق» هى سبب انتحار شقيقها، تقدم محمد حسن عبده، المحامي، ببلاغ إلى النائب العام، المستشار نبيل صادق، يطالب فيه بالتحقيق مع «فليب بوديكين» روسى الجنسية، مصمم اللعبة.
وطالب «عبده»، المهندس ياسر القاضي، وزير الاتصالات، والدكتور نضال السعيد، رئيس لجنة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بمجلس النواب، بحجب لعبة «الحوت الأزرق» فى مصر.
وقال فى بلاغه الذى حمل رقم ٤١٧٥ لسنة ٢٠١٨ عرائض النائب العام، إنه ظهرت عبر وسائل الإنترنت والسوشيال ميديا، لعبة تسمى «الحوت الأزرق» وتنسب إلى مخترعها «فيليب بوديكين»، تقوم بغسل ومسح عقول الشباب لمدة تصل إلى ٥٠ يوما، وتأمرهم بتنفيذ مهمات معينة، مثل مشاهدة أفلام رعب، والاستيقاظ من النوم فى ساعات غريبة من الليل، وإيذاء النفس، والوقوف على حافة مبانٍ عالية، وقتل حيوان، وبعد استنفاد قواهم النفسية تأمرهم فى النهاية بالانتحار عن طريق قطع شرايينهم.
وطالب مقدم البلاغ باتخاذ الإجراءات القانونية ضد مخترع اللعبة، لتحريضه على قتل وتدمير الشباب، وإصدار قرار من النائب العام لوزير الاتصالات بحجب اللعبة، والألعاب المشابهة من على مواقع الإنترنت.
كما طلب من المهندس نضال السعيد، رئيس لجنة التكنولوجيا والمعلومات بمجلس النواب، إصدار مشروع قانون لحجب هذه الألعاب من على مواقع الإنترنت، حفاظا على الشباب المصري.
من ناحيته، تقدم النائب شريف الورداني، أمين سر لجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب، بطلب إحاطة عاجل إلى المهندس ياسر القاضي، وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، حول انتشار تطبيقات الألعاب الإلكترونية الخطيرة، ومعرفة خطة الحكومة لمواجهة هذه اللعبة ومثيلاتها على الإنترنت، بعدما ثبت إضرارها بالأطفال والشباب من خلال ما تثيره بداخلهم من حب العزلة والعنف، مطالبا بضرورة إنشاء هيئة مختصة بذلك.
وقال النائب أحمد زيدان، أمين سر لجنة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بمجلس النواب، إن البرلمان سيناقش هذه الظاهرة، وسيكون هناك مشروع قانون لتجريم مثل هذه الألعاب وحجبها تماما، ومنع الإعلانات التى يتم من خلالها الترويج لها، مؤكدا أنه سيطالب بإنشاء جهة رقابية تابعة لوزارة الاتصالات، أو الجهاز القومى لتنظيم الاتصالات، لفحص مثل هذه الألعاب قبل نزولها للسوق المصرية، ولتوعية الأهالى والشباب بمخاطر هذه الألعاب.
وفى نفس الصدد، أكدت النائبة مها شعبان، عضو اللجنة، أنها ستطرح الظاهرة فى أقرب اجتماع للجنة، وستطالب بدور للإعلام المصري، المرئى والمسموع، فى توعية الأطفال والشباب، لأن كثيرا من الأسر ليس لديها وعى بمسائل الإنترنت والألعاب الإلكترونية.
وفى نفس السياق، أشارت النائبة ماريان أمير، عضو لجنة الاتصالات، إلى دور المجتمع فى التوعية والإرشاد، من خلال الأسرة ودور العبادة من الكنائس والمساجد، وكذلك دور وزارة التربية والتعليم.
ونوه النائب كمال أحمد، عضو لجنة الشئون الدستورية والتشريعية بمجلس النواب، بأنه يجب على الأهالى مراقبة أبنائهم ومعرفة الألعاب التى يلعبونها على الأجهزة الذكية، وتحرير محاضر بشأن الألعاب التى تحتوى على العنف، من أجل اتخاذ الإجراءات القانونية حيالها.
على صعيد آخر، أصدرت دار الإفتاء المصرية، أمس، بيانا حول لعبة «الحوت الأزرق» أفتت فيه بحرمانية ممارسة هذه اللعبة، مستدلة بما جاء فى الشريعة الإسلامية من نصوص تحرم إيذاء النفس، وتعتبر الحفاظَ على النفس والأمن الفردى والمجتمعى مقصدًا من أهم مقاصدها.
وأشارت «الإفتاء» إلى أن المشارك فى لعبة «الحوت الأزرق» يبدأ بعد التسجيل فيها بنقش رمزٍ على جسده بآلة حادة؛ كالسكين أو الإبرة أو نحوهما، وفى هذا الفعل إيذاء من الإنسان لنفسه، فى حين أن الشريعة الإسلامية حَرَّمت إتلافَ البدن وإزهاقَ الروح عن طريق الانتحار أو ما يؤدى إليه؛ ونَهت عن أن يقتل الإنسانُ نفسَه أو يُنزِلَ بها الأذى؛ كما فى قوله تعالى: ﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ [البقرة: ١٩٥]، وقوله: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا﴾ [النساء: ٢٩].
وأضافت «الإفتاء» أن المشارك يقوم فى نهاية اللعبة بأحد فعلين، أن يقتل نفسه، وهو الانتحار، أو يقتل غيره، فى حين أن النص الشرعى جاء مخبرًا بأن المسلم فى أى ذنبٍ وقع كان له فى الدين والشرع مخرجٌ إلا القتل؛ فإن أمرَهُ صعبٌ؛ وقد روى البخارى عن ابن عمر رضى الله عنهما أن رسول الله قال: «لَنْ يَزَالَ الْمُؤْمِنُ فى فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ، مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا».
وتابعت: إن الترمذى روى فى «سننه» عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أن رسول الله قال: «مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَحَدِيدَتُهُ فِى يَدِهِ يَتَوَجَّأُ بِهَا فِى بَطْنِهِ فِى نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا أَبَدًا، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِسُمٍّ فَسُمُّهُ فِى يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ فِى نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا أَبَدًا»، بل جعل الله تعالى قتل النفس بغير حقٍّ كأنه قتلٌ للناس جميعًا؛ فقال: ﴿مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِى إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِى الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا﴾ [المائدة: ٣٢].
واختتمت دار الإفتاء بيانها بأنه بناء على ما سبق «يحرم شرعًا المشاركة فى اللعبة المسمّاة بالحوت الأزرق Blue Whale، وعلى من استُدرِج للمشاركة فيها أن يُسارِعَ بالخروج منها»، وأهابت الدار بالجهات المعنية تجريمَ هذه اللعبة، ومَنْعَها بكل الوسائل الممكنة.
وفى هذا الصدد، علق الدكتور محمد الشحات الجندي، عضو مجمع البحوث الإسلامية، بأن وسائل التواصل الاجتماعي، والألعاب الناتجة عن الغزو الثقافى والفكري، تتطلب مراقبة الدولة والمجتمع، وتحقيق الرعاية التى أمر بها الإسلام، إذ يقول النبى «كلكم راع وكل مسئول عن رعيته»، على أن جميع الألعاب التى تشكل خطرا على حياة الإنسان وسلامة المجتمع حرام جملة وتفصيلا.
وقال «الجندي» لـ«البوابة» إن «هذه الجرائم والحوادث ناتجة عن الاستخدام الخاطئ للتكنولوجيا، وترك الأسرة لأولادها يتداولون ألعابا لا يكترثون لما يحدث لهم بسببها»، معتبرا أن «هذا عبث ومضيعة للوقت، خاصة أن هذه الألعاب تؤدى إلى أخطار، ويصل خطرها إلى تهديد حياة الشخص نفسه، فهى حرام جملة وتفصيلا، فالأصل أن يستخدم الشباب تلك الوسائل فى العلم النافع، الذى يؤدى إلى إفادة نفسه ومجتمعه».
وتابع عضو البحوث الإسلامية: «أحذر من ترك الحبل للشباب على غاربه فهو خطر شديد، وهناك مسئولية للأسرة والمجتمع، فإشراف الأسرة ضرورة، وهذا لا يتعارض مع حرية التصرف، فهى لا تعنى أن تغيب الرقابة»، لافتا إلى أن «هناك غزوا فكريا من الخارج قد يقع فيه الشباب، ونحن بحاجة إلى مسئولية تضامنية للمجتمع، تتمثل فى وسائل تحذير من تضيع الوقت، وتوعية من جانب المؤسسة الدينية والمنابر، إلى جانب التعليم، والإعلام»، مشددا على أن «على الدولة وضع وسائل تحذير من خلال إشارة حمراء توضع من جانب المسئولين تقنيا على وسائل الاتصالات».
وبدوره، أكد الدكتور على الأزهري، عضو هيئة التدريس بجامعة الأزهر، أن مثل هذه الألعاب التى تتسبب فى إزهاق الروح والانتحار، نتيجة لهو ولعب، محرمة شرعا، لقوله تعالى «ولا تقتلوا أنفسكم»، مشيرا إلى أنه يجب على أولياء الأمور إحكام الرقابة على أبنائهم كى لا يقعوا فريسة وأدوات لدى أعداء الدين والوطن، يوجهونهم كيفما شاءوا.
وحذر «الأزهري» الشباب من ضياع الوقت والعمر فى ألعاب تدفعهم نحو أكبر الكبائر وهو «الانتحار»، مشددا على ضرورة التوعية والتحذير المجتمعي، حفاظا على مستقبل الأمة.